الشيخ محمد حرمه – صحراء ميديا (أبيدجان):
تستعد كوت ديفوار في شهر أكتوبر المقبل لتنظيم انتخابات رئاسية، يسعى فيها الرئيس الحسن واتارا للفوز بولاية رئاسية رابعة، وتحاول المعارضة أن تنهي سنوات حكمه الممتدة منذ 15 عامًا، ولكن وسط هذا الصراع “الديمقراطي” في ظاهره، يستعيد البلد ذكريات حرب أهلية بدأت بعد انتخابات رئاسية، وخرجت من رحم صناديق اقتراع عام 2010.
أكتوبر المقبل سيتوجه قرابة تسعة ملايين إيفواري إلى صناديق الاقتراع، وأيديهم على قلوبهم من تكرار التجارب السابقة، فطالما كانت الانتخابات في كوت ديفوار موعدًا ثابتًا مع العنف والصدامات الدامية.
إنَّ آخر تناوب على السلطة جاء على أكتاف حرب أهلية، فلم يكن “سلميًا” رغم أنه نتيجة انتخابات رئاسية، حتى أن “مجموعة الأزمات الدولية” تحدثت في آخر تقاريرها عن ما سمته “المفارقة الإيفوارية”.
تشير إلى أن هذه المفارقة تتمثل في أن البلد يتمتع بنوع من “الاستقرار الظاهري في ظل توترات انتخابية” بشكل شبه مزمن، ويوضح التقرير أن كوت ديفوار “تبرز دوما كمثال على الاستقرار الاقتصادي والسياسي الظاهري، لكن الانتخابات تظل دائمًا محفوفة بالتوتر والعنف، رغم انقضاء عقدين على العودة إلى النظام الديمقراطي بعد الأزمة النظامية”.
وضع مضطرب
يمتاز الوضعُ السياسي في كوت ديفوار بنقاش محتدم حول ترشح واتارا لولاية رئاسية رابعة، وذلك بناء على أن تعديل الدستور عام 2016، ألغى احتساب الولايات الرئاسية السابقة، وهو التعديل الذي أدخل كوت ديفوار في مرحلة “الجمهورية الثالثة” من خلال إصلاحات أوسع لنظام الحكم تشملُ استحداث مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في الجمعية الوطنية)، واستحداث منصب نائب الرئيس.
ولكن قرار واتارا الترشح لولاية رابعة، كان له وقع سياسي قوي، حيث تراه المعارض “تكريس للسلطة” في يد رجل واحد، وفتح الباب أمام المزيد من “الاحتقان وضعف الثقة في المؤسسات الديمقراطية”.
أما على مستوى الأغلبية الرئاسية، فيرى محللون أن القرار يكشف عجزا واضحا عن العثور على شخصية قادرة على ملء الفراغ الذي سيخلفه خروج الحسن واتارا من المشهد السياسي، بل وأعمق من ذلك، فهو يثبت ما يذهب إليه البعض من أن صراع أجنحة يحتدم داخل النظام، والحسن واتارا هو نقطة الإجماع الوحيدة.
وزاد الطين بلة بعد صدور قرار بمنع قيادات في المعارضة من الترشح، وهو ما وصفته “مجموعة الأزمات الدولية” بأنه مظهر من مظاهر “تراجع التعددية”، بينما سبق أن دعت المعارضة العام الماضي إلى “إصلاحات حقيقية” قبل الانتخابات، وحذرت من “صراع خطير” سببه غياب شروط عادلة للترشح.
ما قبل العاصفة
يخيم الهدوء على العاصمة الاقتصادية أبيدجان، المدينة التي تشكل مرتعًا لأحلام الثروة بالنسبة لكثير من سكان غرب أفريقيا، وواحدة من أهم ركائز الاقتصاد في شبه المنطقة، ولكنها في الوقت ذاته شاهدة على سنوات مريرة من الحرب والصراع.
مقرات الأحزاب السياسية خالية من أي نشاط كبير، سوى حركة بطيئة لبعض صغار الموظفين والحراس، رغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، واستعداد محموم لحملة انتخابية يتوقع كثيرون أنها ستكون متوترة.
على واجهة المقر المركزي لحزب “تجمع الهوفيين من أجل الديمقراطية والسلام” في حي “كوكودي” بأبيدجان، صورة مكبرة تجمعُ الرئيس الحسن واتارا بالرئيس المؤسس فيليكس هوفويت بوانيي، حين استدعاه الأخير كخبير اقتصادي للنهوض بالبلاد، وسلمه رئاسة الحكومة مطلع تسعينيات القرن الماضي.
داخل المقر، يقيم الحزب ما يشبه المتحف الخاص، لعرض صور “الأزمة السياسية” التي أعقبت فوزه برئاسيات 2010، وفي المقدمة صورة لممثل الرئيس السابق لوران غباغبو في أحد مكاتب التصويت وهو يمزق بطاقة انتخابية، فقط لأنها لصالح الحسن واتارا.
يحرص مناضلو الحزب حاكم على إبراز هذه الذكريات، في وقتٍ يحتدم الصراع ما بين واتارا وغباغبو، حيث مُنع الأخير من الترشح للرئاسيات، رفقة مجموعة من أبرز قيادات المعارضة التاريخية، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن مع تبادل واضح للأدوار.
غير بعيد من مقر الحزب الحاكم، كانت “سولي جولي” البالغة من العمر 59 عامًا، قد خرجت لقضاء بعض شؤونها اليومية، وحين سألناها عن الوضعِ في البلاد، ردت قائلة: “بصفتي سيدة إيفوارية، أتطلع إلى أن تجري هذه الانتخابات في جو من السلم.. نحن لا نريد سوى السلم والسكينة”.
وأضافت جولي وهي أم لستة أطفال، أن “الرئيس الحسن واتارا عمل بشكل جيد، ولكن عليه أن يحترم الدستور، كوت ديفوار لديها الكثير من الأبناء الجيدون، يجب أ، يغلق الباب أمامهم، عليه أن يحترم الدستور، وأن يخرج من البوابة الكبيرة، حينها سنصفق له لأنه قام بعمل كبير”.
السيدة التي عايشت الكثير من الأحداث، خلصت إلى القول: “نحن لا نريد للبلد أن يغرق في الحرب بسبب الانتخابات، هنالك كثير من الناس يعارضون مأمورية رابعة، لو استجاب لهم وغادر سيكون محل تقدير واحترام الجميع”.
لا توقعات استثنائية
في زاوية أخرى من أبيدجان، السكون التام يطغى على مقر “الحزب الديمقراطي لساحل العاج – التجمع الديمقراطي الإفريقي”، أعرق وأقدم حزب سياسي في كوت ديفوار، تأسس عام 1946 وكان حزب الرئيس المؤسس فيليكس هوفويت بوانيي، ويرأسه اليوم ابن أخته تيجان تيام.
يمتلكُ الحزب تاريخًا طويلًا في الحكم، تحكيه صور مكبرة ومعلقة على أسوار مقره المركزي، ولكنه اليوم يحملُ خلفه قرابة ربع قرن من العمل المعارض، بعد أن أطيح به في انقلاب عسكري عام 1999.
رئيس الحزب الذي عمل في المؤسسات الدولية لعشرين عاما قضاها متنقلا بين فرنسا والولايات المتحدة، عاد إلى كوت ديفوار عام 2022 وتولى رئاسة الحزب، ولكنه اليوم ممنوع من الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة بسبب جنسيته الفرنسية، التي تخلى عنها في وقت لاحق.
تيام البالغ من العمر 63 عامًا، يوجد خارج البلاد، ولكنه يلوح بالتصعيد ضد أي انتخابات تنظم من دونه، فيما يصف مناضلو حزبه هذه الانتخابات بأنها “سباق منفرد” و”مسرحية هزيلة”، ويضيف واحد منهم وهو يحدثنا عند البوابة: “هذه الانتخابات دليل على تغول منصب رئيس الجمهورية، من الخطأ منح كل هذا القدر من الصلاحيات لمنصب واحد، النظام الرئاسي فاسد.. انظروا كيف نجحت نيجيريا وفشلنا نحن”.
غير بعيد من مقر الحزب التقينا شابًا يدعى أكا موكي، سألناه عن تطلعاته حيال الانتخابات المرتقبة، رد علينا: “أنا لا أتوقع من هذه الانتخابات أي شيء استثنائي، وأقصى ما أطمح إليه هو أن تكون هادئة، وأن تنظم في جو السلم والفرح، وأن يفوز بها الشخص الذي استحق الفوز”.
وأضاف الشاب بنبرة فيها نوع من الترجي: “كما أتمنى الابتعاد عن أي مواجهات أو صدامات كما سبق وحدث في الأزمة التي أعقبت انتخابات 2010.. نحن لا نتطلع لأي شيء كبير، فقط ما نريده هو تفادي العودة إلى مربع الحرب الأهلية”.
تنمية ملموسة
في أحد شوارع أبيدجان التقينا جويل كوامي، وهو شاب مختص في القانون ويعملُ محاميًا، لخص لنا رأيه في الانتخابات المقبلة بأنها “محورية وتشكل منعرجًا بالنسبة لكوت ديفوار”، مشيرًا إلى أن “الإيفواريين لديهم كثير من التطلعات، أولُها أن تكون انتخابات هادئة وخالية من العنف”.
وأضاف: “كما يقال فإن الإيفواريين يحبون المرح، وفي الوقت ذاته الجدية، ولذا فإنه على الأشخاص الموجودين في السلطة والمعارضة أن يكونوا أكثر جدية، وأن يفهموا تطلعات الشعب، وأن يجدوا طريقة لتنظيم هذه الانتخابات بأفضل طريقة ممكنة، وأن تكون نتائجها نزيهة وشفافة، وأن يحترم الجميع قرار الشعب ويتقبله”.
وقال: “بالنسبة لي شخصيا أعتقد أن ذلك شيء مهم جدا، وإنجاز في حد ذاته، بالنظر إلى أنه منذ 2002 وحتى اليوم لم يعرف بلدنا أي انتخابات هادئة، وبصراحة نأمل أن تكون انتخابات هذا العام تكون مختلفة عن سابقاتها”.
أما بخصوص ما ينتظره من الرئيس المقبل، فأكد أنه يوجد منه أن “يركز قليلا على الجانب الاجتماعي، من الجيد تحقيق التنمية، ولكن ما قيمة بلد نامٍ إذا لم يحس السكان بهذه التنمية، لذا فإنني أتطلع لأن يركز الرئيس المقبل على الجانب الاجتماعي، حتى يتم دمج السكان المحليين في هذه التنمية”.