غيّب الموتُ في مدينة كيفة عاصمة ولاية لعصابة، بموريتانيا، صباح يوم الأحد، الوزير السابق والرجل السياسي لوليد ولد وداد عن عمرٍ ناهز (77) عاما، بعد وعكة صحية مفاجئة.
فبعد الإعلان عن رحيله، عاد ذكر لوليد ولد وداد، إلى الساحة السياسية في البلد، بعد انسحابه عنها قبل زهاء عقد من الزمن، واستدعى رحيله تساؤلات عدة، إن كان كتب مذكراته، وهو الشاهد على بعض المحطات المهمة، والفارقة من تاريخ موريتانيا.
الراحل تولى مناصب سامية، ومهمة في نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، إذ كان مديراً لديوانه لمدة خمسة عشر سنة، ليصبح بذلك أكثر من قضى هذه الفترة على الديوان الرئاسي في تاريخ البلد السياسي، كان ولد وداد خلال هذه المدة من أقرب معاوني معاوية، وتعتبر هذه الفترة التي يرى البعض أنها «قياسية» دليلاً على ثقة كبيرة كان يحظى بها من ولد الطائع.
كما حمل حقيبة وزارة التعليم لفترة قصيرة، بعد خروجه من الديوان الرئاسي، ومن ثم تولى الأمانة العامة لـ”الحزب الجمهوري-PRDS )
لم تكن عشرينية ولد الطائع هي التي أبرزت لوليد ولد وداد للشعب الموريتاني كسياسي، ومسؤول حكومي، فقد تولى قبلها، الإدارة العامة للبيطرة، والأمانة التنفيذية في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية، وحقيبة وزارة التنمية الريفية.
السياسة من باب الهياكل
يُنظر إلى لوليد ولد وداد الذي دخل السياسة من باب «هياكل تهذيب الجماهير» أنه كان «رجل دولة»، وفني مُتمرس، أكثر من كونه سياسي، مع امتلاكه للكثير من مقومات السياسي، وصفاته التي تتجلى في الكياسة، وحدة الذكاء، والموسوعية في شتى المعارف” حسب وصف بعض اللذين عرفوا الراحل لـ(صحراء ميديا).
كما كان مصنفاً في الوسط السياسي الموريتاني، بأنه صندوق ولد الطائع الأسود، ورجل الظل الذي يعرف الكثير من الكواليس المهمة التي وقعت خلال «العهد الطائعي»، من موقعه كمدير للديوان، وصديق مقرب جداً من الرئيس.
نهاية عهد، وبداية آخر..
ففي يوليو 2003، وتحديداً بعد شهر من محاولة الانقلاب على نظام ولد الطائع، التي نفذها «فرسان التغيير»، وهي الفترة التي خرج منها لوليد من إدارة الديوان إلى الوزارة، والأمانة العامة للحزب، وصفت ماري بيير أولفاند مراسلة «إذاعة فرانسا الدولية بموريتانيا -RFI» لوليد ولد وداد بأنه ” الرجل الذي يعرف أسرار معاوية ولد الطائع”، نتيجة مرافقته له مدة 25 عاماً كان فيها له “رفيقاً موثوقاً وغامضاً”.
وكان الباحث الفرنسي، المختّص في موريتانيا، آلن آنتيل Alain Antil يعده، مع قلة قليلة، أحد رجال ولد الطائع الموثوقين الذي استمروا في نظامه طويلاً. ويعلل ذلك، بإيجاز، أن هؤلاء الرجال، الذين منهم لوليد، كانوا يدينون بمناصبهم لعواملَ أكثر من “الانتماء القبلي والولاء المطلق”.
وبحسب غابرييل حتي (زميله في الدراسة والعمل) كان لوليد ولد وداد أحد أبرز المدنيين الذين ساهموا في ظل الحكم العسكري في دمقرطة مؤسسات الجمهورية.
لوليد الذي لعب دور رجل الدولة في سنواتٍ عديدة، وانخرط في ممارسة سياسية عامة، كان أيضاً زعيماً تقليدياً في وادان بآدرار-منطقته الأصلية، التي ستنتخبه فيما بعد نائبا عنها في الجمعية الوطنية (البرلمان).
حصل ذلك أساساً، بعد رحيل نظام ولد الطائع، حين أسس مع بعض رفقائه في نظام ولد الطائع حزباً سياسياً حمل إسم “الوئام”، وكان من ضمن قيادييه مع الراحل، عدة مسؤولين سابقين في نظام ولد الطائع، كمحمد يحظيه ولد المختار الحسن، وباب ولد سيدي، وغيرهم من الوجوه المعروفة في تلك الحقبة.
وقتها، اعتقد الكثيرون أن “رجال العهد القديم” هؤلاء، قرروا تأسيس حزب «الوئام» ليكون ناديا للذكريات عن زمنٍ ولى، وكانت أغلب التحليلات وقتذاك تقول إنهم لن يشكلوا أكثر من جانب مختفٍ في المشهد السياسي في البلاد. إذ كانت هنالك تساؤلات كثيرة عن موافق الحزب الحقيقية. لكنهم سرعان ما أثبتوا معارضتهم لنظام محمد ولد عبد العزيز، وبذلك حجزوا مكانهم في «المنسقية».
البرلمان كخاتمة للمشوار..
استطاع هذا الحزب الذي أسس في الفترة الانتقالية التي تلت عزل الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله من طرف الجنرال محمد ولد عبد العزيز، (2010) من دخول معترك السياسة، في وقت ارتسمت فيه ملامح الخريطة السياسية، وفرض نفسه على أجندة السياسة، وتشكيل قواعد شعبية في وقت وجيز.
تلك الفترة التي كان فيها لوليد أقرب إلى صفوف المعارضة في ممارسته السياسية، إذ كان داعماً قوياً لأحمد ولد داداه، رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية.
واستمر الراحل في ممارسة السياسة في إطار حزبه، “حزب الوئام” الذي قاد لائحته على مستوى وادان في الانتخابات التشريعية 2013، ودخل الجمعية الوطنية نائباً عن المقاطعة.
وكانت تلك التجربة البرلمانية هي آخر تجارب الراحل في عالم السياسة، إذ انسحب بعدها عن أضواء السياسة، والإعلام، ململماً خلفه تاريخاً زاخراً من التجارب والممارسة السياسية من مختلف المواقع، والرُتب الوظيفية، من “الرجل الثاني” في نظام حكم لمدة 21 سنة، إلى نائب بالبرلمان عن دائرة منطقته الأصلية، التي ولد وشب فيها.