شنقيط مدينة موريتانية تفترش الرمال وتلتحف السماء والنجوم وضوء القمر، وبين حنايا كثبانها تحتضن بحنو كبير، مكتبات عريقة تضم أقدم المخطوات الاسلامية والعربية وأشعة من نور الثقافة. وفي شنقيط يمضي الزمن بطيئا فلا ينتبه أهلها الطيبون الى أن عاما قد انتهى وآخر هلّ .
يضيء أهل شنقيط مصابيح الزيت فتزهو ثيابهم ( ملاحف النساء المزركشة ودرَّاعات الرجال الزرقاء او البيضاء) ، فالكهرباء دخيلة ثقيلة الظل على أهل المدينة الهانئة، وغالبا ما يهجرون الكهرباء للسمر تحت خيمة.
ما أبهاك يا شنقيط تحت ضوء القمر، فلا كهرباء انقطعت، ولا تلفزات تبث حقدها في مزرعة الطوائف، ولا بهرجات فنادق النجوم الخمس، وانما سهرة بسيطة تحت خيمة، ونار موقدة، ومجموعة من المنشدين يمدحون الرسول تارة ويرجِّعون صدى قصائد الحب والغزل تارة اخرى.
وفي أول أيام العام الجديد، ان تسمع ثغاء نعجة او رغاء جمل أو حنين ناقة وصياح ديك، وأن تبعث اليك الصحراء نسيمها الصباحي العليل يوقظك وانت نائم هانيء تحت خيمة، فان في الأمر سحرا يبعث فيك التاريخ العربي البدوي القبلي الأصيل، فتنسى قبائل داحس والغبراء في بلدك، وتنسى اقتتال الطوائف والمذاهب المتطاحنة على مزبلة الحاضر.
لا كرواسان هنا، ولا كنافة بالجبن ولا مناقيش ولا فول مدمس، وانما قليل من تمر شنقيط ومن حليب نوقها، وثلاثة أكواب من الشاي الأخضر بالنعناع أعدها مضيفنا بعد صلاة الفجر في المسجد المجاور، وابتسامة من أم علي التي تختزن بين تجاعيد الوجه قصة بلد يحب العرب والعرب لا يعرفون عنه الكثير .
ما أجمل أن يبدأ العام في مدينة العلم والثقافة والمخطوطات، مدينة الناس الطيبين والنوق والأبل والنخيل، وتفكر وانت هنا لو أن ثريا عربيا واحدا ضحى بليلة رأس سنة واحدة لأنقذ شنقيط ووادان وولاته وتيشيت تلك المدن التاريخية العريقية في موريتانيا من زوال محتم .
ويأتي السائق أحمد ليعيدك في الطريق الطويلة من وادان التاريخية العريقة ( مدينة واديي النخيل والعلم) والتي خرَجت من شارع واحد فيها 40 عالما عبر التاريخ، وانت تفكر كم هو جميل أن يبدا العام ببساطة أهل شنقيط وطيبتهم….. وبعيدا عن سياسيين في بلدك همهم أن ينغصوا على أهليه فرحة العام الجديد……. وكل عام وانتم بخير.