تعقد الحكومة الموريتانية الجديدة، اليوم الأربعاء، أول اجتماع “عملي” منذ تعيينها، وسط تحذيرات من “أزمة غذائية” تلوح في أفق منطقة غرب أفريقيا والعالم، فهل نجح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في ترتيب خطوط الفريق الحكومي الذي سيواجه هذه الأزمة.
تقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، التابعة للأمم المتحدة، تتحدث عن استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا، إذ سجلت زيادة بنسبة 20 في المائة، بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، ورشحت المنظمة الأسعار للصعود أكثر خلال الأشهر المقبلة، وخاصة أسعار الزيوت النباتية ومنتجات الألبان والحبوب واللحوم.
ولكن ما يثير القلق هو ارتفاع أسعار المحروقات في الكثير من مناطق العالم، وبدأ ذلك يظهر في بعض دول الجوار، وحين ترتفع أسعار المحروقات فكل الأسعار الأخرى مرشحة للارتفاع، بسبب ملامسته لقطاعات حيوية، من أهمها النقل وسلسلة التوريد.

موريتانيا تعتمد نظام السوق المفتوح، وتعمل بقاعدة العرض والطلب، وتبتعد الدولة عن التدخل، لذا فهي تجدُ نفسها أمام أزمة تتطلب مراجعة عميقة للنموذج الاقتصادي المعتمد، من أجل منح الدولة حيزا من المنافسة والقدرة على التحكم في السوق، حتى تخفف مستوى تحكم التجار، على غرار ما جرى في بلدان عديدة.
خلال خطاب ولد الشيخ الغزواني أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، كان صريحًا حين تحدث عن اختلالات في الإدارة وطالب بتقريب الخدمة من المواطن، ولكن في خطاب مرتقب أمام القطاع الخاص غدًا الخميس، سيتحدث عن قضية الأسعار وتموين السوق.
لا توجد أي معلومات عن الخطوات التي سيعلن عنها ولد الغزواني، من أجل التحكم في طرفي المعادلة القائمة على تخفيف وطأة الأسعار وضمان تموين السوق، وكيف ستكون طبيعة العلاقة بين الدولة والتجار، ولكن تعيين يحيى ولد أحمد الوقف وزيرًا أمينًا عاما لرئاسة الجمهورية، يكشف بعض التوجهات التي يضمرها ولد الغزواني.

إن مهندس التطبيقات الإحصائية ذات الطابع الاقتصادي، كانت بداية مساره الوظيفي وثيقة الصلة بالأمن الغذائي، حين عملَ مع برنامج الغذاء العالمي لفترة طويلة امتدت من 1989 وحتى 1999، كما تدرج في مناصب مرتبطة بالاقتصاد بعد ذلك، ويوصف بأنه “خبير اقتصادي متمكن”.
المصادر تتحدث عن دور “محوري” ومساحة تحرك كبيرة يمنحها ولد الغزواني لهذا الخبير الاقتصادي، من أجل وضع خطة لمواجهة الأزمة المقبلة، أو على الأقل للتخفيف من أضرارها، وهي التي تحمل تهديدا جوهريا للأمن الغذائي العالمي، مع عودة الحرب إلى القارة الأوروبية.
مراكز الدراسات الدولية تحدثت عن جوانب أخرى للأزمة، تتمثل في تقلبات اجتماعية واضطرابات أمنية، قد تعيشها دول العالم الثالث، فيما قالت منظمة (الفاو) إن الوضع مثير للقلق بعد “تضافر عوامل النزاع والتغير المناخي والأزمة الاقتصادية بسبب الجائحة”.
رغم حالة الاستقرار التي تعيشها موريتانيا، في محيط إقليمي ملتهب، يبقى الوضعُ غير مطمئن، خاصة مع اضطراب الحدود مع دولة مالي، ما دفع ولد الغزواني إلى تعيين وزير داخلية جديد هو مدير ديوانه السابق ورجل ثقته القوي محمد أحمد ولد محمد الأمين.
الرجلُ الذي تربى في أحضان الإدارة الموريتانية، سبق أن شغل منصب وزير الداخلية في المرحلة الانتقالية، حين كانت موريتانيا تواجه خطر الجماعة السلفية للدعوة والقتال (الجزائرية)، التي شنت هجمات لمغيطي وتورين والغلاوية، ضد حاميات الجيش الموريتاني، قبل أن تتحول الجماعة فيما بعد إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
عصف ولد الغزواني بأكثر من نصف أعضاء الحكومة، في التعديل الأخير، ولكنه حافظ على رجالٍ لم يفقد الثقة فيهم، على راسهم وزيره الأول محمد ولد بلال، وإسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي أسند إليه مهمة مدير ديوانه، قادمًا من وزارة الخارجية وإدارة الدبلوماسية الموريتانية لعدة سنوات.
ولد الشيخ أحمد الذي يمتلك خبرة وتجربة واسعة في المنظمات الدولية، يتحدث عدة لغات ولديه شبكة علاقات دولية واسعة، ستكون مفيدة لمن يشغل منصبًا بهذه الحساسية والقرب من رئيس الجمهورية، على حد تعبير مصدر مطلع على خفايا أروقة الحكم.
الشيء اللافت هو أن ولد الشيخ أحمد بدأ مساره المهني في مفوضية الأمن الغذائي، نقطة يشترك فيها مع ولد أحمد الوقف، ولكنه سرعان ما غادر البلاد للعمل في هيئات تابعة للأمم المتحدة في سوريا وليبيا واليمن، وفي غرب أفريقيا أيضًا.
يضيف المصدر أن تعيين محمد سالم ولد مرزوك في منصب وزير الخارجية، يأتي في سياق إعطاء نفس جديد للعلاقات مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة العلاقة المعقدة ما بين دولة مالي المجاورة من جهة، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) من جهة أخرى.
تحديات داخلية وأخرى خارجية تنتظر الحكومة الجديدة، التي تعقد اليوم أول اجتماعٍ “عملي” منذ تعيينها، ولكن التحدي الأبرز هو موجة غلاء الأسعار التي يعاني منها الموريتانيون، فهل تنجح هذه الحكومة في تغيير قواعد تعاملها مع السوق، لتخفيف وطأة الغلاء؟