عبد الله ولد حرمة الله/ عضو اللجنة الإعلامية لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية
إن الحياة السياسية لأي أمة تعكس المستوى الحقيقي للنخب التي “تتصورها”، تماما كالحياة الأدبية بصفة خاصة والثقافية بصفة عامة، لذا تبقى كل محاولة لضبط ملامحها قاصرة، ما لم تأخذ بعين الاعتبار مستوى ونوايا منعشيها، وكلما سما مستوى النخب الفاعلة اخضرت برامجها وتناثرت ورود الأمل على مشاريعها الطموحة “فأتت بما لم تستطعه الأوائل”؛ وربما أحالت “الحمى” إلى تفصيل أستتيكي، يبدع من الواقع، فيحيله “جملة” سهلة على كل إرادة صائبة، وممتنعة على النوايا المنعدمة والإرادات المبعثرة
عندما تتناول المغالطة السياسة يولد الحقد، وعندما يتناول الفشل الطموح يختفي الأمل؛ ساعتها تتجرع السياسة كأس “حطيئة” مفرغة من كل إبداع! عندما تطوع السياسة للتفرقة، والديمقراطية للمغالطة، فمن حقنا أن نتسائل إن كانت السياسة وسيلة للمرور بالإنسان إلى عالم الرفاه المادي، أم حتمية تسكع أبدي في دهاليز “قلقشندية” لما يفترض أنه مشروع دنيوي، يطمح لنصرة الإنسان في معركته لصيانة الكرامة!
لنسقط هذه الآليات “الجمالية” على ما يعتبر اليوم “خطابا” للمعارضة لنعرف إلى أي مدى “أبدعت” في تناول الواقع!
عندما تقول عبر هامش الحرية المتاح لكل الموريتانيين إن “الأمة الموريتانية بنخبها الدينية والعلمية والمالية، وحتى الروحية تستغل رموز السيادة المادية والمعنوية لتبقي على الاسترقاق…” يفاجئني تسامح أهل بلدي، وأذرف دمعة ساخنة على هزل “نخب” كان يفترض أن تنظر لتصويب نواقص أسلوب الحكامة في البلد! أفيقو ياجماعة فعهد “نيرون” أودعناه صحفنا التي بدأت تأخذ من الحرية بريقها ومن أمل الجماهير بهاء طلعتها.. في انتظار ذلك دعونا “نحارب الفقر” ونقطع دابر “الفوارق”.. دعونا نصنع أجيالا قادرة على قهر الفقر عدوها الحقيقي الذي يختبئ في كل مكان، حتى في بيت الجيران !
عندما تستمر المعارضة في إلاكة علك “التطبيع”، وفي صفوفها من سبق وجعل من الجمهورية الإسلامية الموريتانية سوطا يجلد الطفل الفلسطيني في عز “الانتفاضة الثانية”، من فتح “بوابة” العالم العربي الغربية “لرهط” الصهاينة يعيثون فيها فسادا، من دفن “نخيلنا” الذي كان شامخا في المحافل الدولية، حتى في عهد الحزب الواحد.. عندما تستمر القيثارة في عزفها البذيء، يمضي رجل فيهدى أرامل ديرياسين، ويتامى صبرا “مواسات” جرافات عربية ، تقودها شبيبة تنطق الضاد منقوطة، وتعصف متأنية جزءا من “سيادة” النجم الخماسي.. هذا الرجل صنع التاريخ؛ ليخرج أجيالا أثبتت عجزها من جغرافيا الهم العام…
للمرة المملة، بان أحد قادتها على حقيقته: دون وصفه؛ رسم ساعة حس بهزيمة “أجيال مدارس الجمهورية” بدموعه “الهينة” استقالة مبدئية، وبأخرى حاول النفخ في هشيم قد يأتي عليه، ساعة تنهزم تمائم دموع تماسيح الهمجية! إن حرية الأفراد ورفاه الجماعات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبقى رهينة تصعيد طلسمي! إن الحياة ثم الحرية أسمى من انتجاع تجاعيد العبثية التي لن تكبل أبدا مواطن الجمهورية.
بعد “سب” جماهير شعبنا التي اختارت؛ فأبدعت “تغييرا بناء” أعتبركم مستقيلا من خندق الحرية، وليكن! لا مبرر بعد الديمقراطية في التطاول على الحرية، ولن نقبل بأي حال من الأحوال المس من رئيس الجمهورية، الذي يحرص أكثر على ملئكم لفراغ أحكمتم عليه شغورا غافلا…
عندما تصف المعارضة تنظيم الأحياء العشوائية ومنح القطع الأرضية لمواطني الضواحي “بالترحيل”، فإنها لا تسب النظام بقدرما تحتقر الشعب الذي تريد له أن يبقى في “مداجن” تجسد فشل وتحايل الحكومات السابقة من قادتها الحاليين..
إن مناهضة برامج الإصلاح والدفاع عن المفسدين من مصاصي دماء الشعب الموريتاني على مدى عقود عدة دون أدنى مسائلة، أصبحت المرجعية “الأخلاقية” للمعارضة ، بحديثها ومستحدثها!
إن الأطر والمناضلين الذين جسدوا شرارة المعارضة الديمقراطية في مطلع التسعينات من القرن الماضي، منهمكون اليوم في تطبيق مشروعهم، الذي تبناه رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، والذي دفع الكثيرون من أجله حياتهم (ضحايا نواذيبو 1992)، وحرياتهم، وجزءا كبيرا من شبابهم في مواجهة المعتوه الذي تربص على عقولنا طيلة عقدين، هجرت خلالهم العقول وتناثرت الأجساد على ساحات الجوع والمرض والبغاء! المعارضة ليست حتمية، ولا حتى أزلية، بل هي أسلوب رفيع من تبني هموم الشعوب، ملزمون به، حتى في ممارسة السلطة.
بعد إفراغ المعارضة من محتواها “السياسي”، إثر صفعة الثامن عشر من يوليو، كان من الأجدر بنخبها أن تحاول إعادة التفكير في صياغة خطاب جديد يلائم الوضعية الجديدة، وقادة جدد نظيفين من أكل المال العام ومصادرة الصحافة وحل الأحزاب السياسية وسجن قادتها، أشخاص لايحركهم الحنين إلى الماضي البغيض!
لقد أقرت المعارضة رفض العمل الديمقراطي بتنازلها عن مبدإ التناوب السلمي، والدعوة إلى العنف ـ وإن عجزت عنه ـ “لإسقاط” إرادة الشعب الموريتاني، لذا يستوجب على الأغلبية الحاكمة ومنظمات المجتمع المدني وشركاء موريتانيا في التنمية، التفكير بتريث وصرامة في “حماية” الديمقراطية من هؤلاء الذين فقدوا أبسط رغبة في ممارستها!
المعارضة أضحت “مهنة ليبرالية” لم تنتظم بعد! فمن الذود عن حماة “أمن واستقرار” المستبد إلى الاستماتة في محاولة إعطاء بعد “اجتماعي” قذر لمحاربة الفساد! إلى رفع صور دكتاتور السباخ الداكنة والمطالبة بعودته.. لقد تجاوزت الحدود؛ وطفقت تجلد عقولنا بعد أن حاولت عبثا مع ما تبقى من شرفنا…
لقد “شاخت” المعارضة ولم تمت! لأن مشروعها الوحيد المعلن هو “السلطة” دون التفكير في طريقة الوصول إليها.. تتجدد القواعد المناضلة بمناسبة كل “تغيير” وتبقى القيادات التي تعودت “امتهان” المعارضة!
منذ الاستقلال والطبقة السياسية هي هي.. فنحن مجتمع لا يعرف التقاعد وتروعه الاستقالة.
ما ذا لو أقنعنا قادة المعارضة بفضل “منح” سخية بالإقلاع عن “الحبو” نحو ساحة “ابلوكات” والشروع في كتابة مذكراتهم ليحسوا على الأقل أنهم أكملوا العمرين الافتراضي والتقديري وهم لايزالون في منتصف “إيابهم” السيزيفي من مرابع ملعب العاصمة.
أنتم أحرار في كل شيء، حتى الاستمرارية في لاشيء، لكن إقحام منطق القبيلة ومفهوم الجهة والعرق في مشروع الدولة أمر لن نقبل به أبدا، حتى إن استدعى الأمر “…” من نوع آخر؛ نحن في أمس الحاجة إليه.