بداية ليس من أغراض هذه المشاركة (المقال) المزايدة السياسية، ولا الدخول في عراك الغرائز السياسية الذي أصبح شائعا، وإنما تهدف للمساهمة بدل التمادي في اللامبالاة التى تطبع مواقف كثير من النخب، والتي عليها مسؤولية وواجب المساهمة كل من موقعه في حلحلة أزمات بلده إذ البلد لا يقبل الحياد.
فالواقع العنيد أصبح يضغط على كل من يتمتع بذرة من وطنية أن يعبر عن موقفه، وأن لا يتورع عن التغيير بيده ولسانه في فتنة البلد السياسية. فالراشدون من الرجال في هذا البلد قلبوا السياسية إلى لعبة أطفال،فأصبح حال الساحة السياسية لا يسر أحدا، يطبعه التشرذم والارتجالية، وعدم الاتفاق في الحدود الدنيا على تعريف واضح للمصلحة الوطنية، والتواضع على قواعد لعبة سياسية معترف بها، تترفع عن المصالح والإغراءات الضيقة والميول الخاصة، إلى مدى أوسع من العمل لمصلحة الجميع.
والخطأ هنا في مقابلة هذه الدعوة ليس وقفا على المعارضة، وإنما يطال أيضا قوى الموالاة ( الأغلبية) لفشلها في ترجمة رغبة وسياسة الرئيس، الذي يدعمونه ( لو صح منك الهوى أرشدت للحيل ) فإعلان ندوة أو محاضرات علنية حول الحوار ،هو في أحسن الأحوال نشاط ثقافي هام ، وليس أسلوبا جديا لاستقبال الدعوة، ولا لنزع الفتيل في ظرف سياسي دقيق كالذي نمر به ،ولا يمكن أن يرقي إلى مستوى جدية طاولة حوار سياسي منهجي ومبرمج ، حوار تحدد أطرافه ومضامينه وأغراضه وجداوله الزمنية بشكل واضح ومثمر، والمنطق العقلاني يدعوا الأغلبية والأقلية إلى التحلي بروح المسؤولية، وأن يشرع كل طرف بإعداد ورقة خلفية تلخص وجهة نظره للحوار المطلوب، ويتم التفاهم والتفاوض حولها ويرافق هذا الحراك المسؤول والجاد تهدئة سياسية ،تطال الكف عن التصريحات والبيانات والكتابات النارية وعدم النزول وعرض القوة في الشارع . ودعوتنا المخلصة لطبقتنا السياسية هي التعجيل بالحوار والتفاهم الذي لا بديل عنه بغض النظر عن “طاولة بروكسل” وللمعارضة أن تجاوب فقط على سؤال واحد ما هو موقفها أمام الناخب الموريتاني في حالة نجاح أو فشل لقاء بروكسل وهي ترفض الحوار؟ فهذا الاجتماع سواء نجح – إن شاء الله – أو فشل – لا قدر الله – فالرهان أولا وأخيرا يجب أن يكون على موريتانيا والموريتانيين وعلى ثروتهم الحقيقية ، الإنسان الموريتاني بحكمته وجلده وتقاليده العريقة في السلم والتفاهم والإيثار.
والمعول عليه أولا وأخيرا بعد الله. هو أن يصل أطراف عمليتنا السياسية إلى بلورة رؤية للسلم والتنمية، تعتمد على مخزوننا الروحي والاجتماعي والإنساني والمادي ،فرغم الأهمية الخاصة للتعاون والشراكة مع العالم، إلا أنها لا يمكن أن تمثل بديلا عن الاعتماد على الذات، و عن السياسات الوطنية الرشيدة والعلمية، التي تقارب واقعنا من داخله وهو سر التنمية الشاملة والناجحة . فالواقع العنيد وطبيعة التحديات الماثلة، يحتم على المنتظم السياسي الوطني بكل أطيافه، انتهاج مقاربة أكثر إيجابية من أجل الحوار الإيجابي فحاجة موريتانيا للاستقرار والشروع في العمل البناء واضحة جدا.
وأخيرا نهيب بأن تقوم بعض الأطراف من نخبنا العلمية والمثقفة والتاريخية ، والتي تجد في نفسها الاستعداد والقدرة إلى تشكيل لجنة مساعي حميدة من العقلاء والحكماء، والذين لهم من الخبرة والتجربة والحكمة والقبول، ما يؤهلهم لتضييق شقة الخلاف بين أطراف اللعبة السياسية ، بل والمبادرة إلى عقد حوار وطني شامل يتصدى لمعالجة القضايا الحيوية ، والتفكير في مختلف الصعوبات التي تواجه مسيرة مجتمعنا دينيا وتربويا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا… لنؤسس فعليا لمنظور قابل للتطبيق يحقق وحدتنا الوطنية ويصون تعايشنا التاريخي ويمثل تصورات منيعة في سبيل البناء والاستقرار المنشود.