بقلم د.محمد الحنفي ولد دهاه منسق وحدة التصوف وأستاذ مادة الفكر والحضارة الإسلامية بقسم الفلسفة كلية الآداب
مر علي الشهر الماضي (يوليو2010)وأنا خارج الوطن أقدم عملا أكاديميا شرعت فيه منذ فترة، وكم كانت غبطتي عندما طالعت في الشبكة العنكبوتية (الانترنت)أصداء بروز موسوعة الأستاذ الدكتور يحي ابن البراء المعنونة(المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى وأحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء).
ولم أدر لأيهما أفرح أبخروج هذا الإنجاز العلمي الكبير أو بالتلقي الجيد الذي قوبل به هذا العمل. وفي الحقيقة وجدتني مضطرا لأن أكتب شيئا عن هذا الجهد الذي لم شتات جزء مهم من الأمة الإسلامية من خلال جمع فتاوى علمائها وأحكامهم ونوازلهم في ديوان مستقل على طول القرون الخمسة الماضية، خاصة أنني عايشت بعض هذا العمل في السنوات الفارطة وقدرت مدى الجهد والجهد الذي بذله المؤلف حق قدره.
ولأنني قد اطلعت على بعض محتويات موسوعة المجموعة الكبرى وجدتني منشدا إلى الكتابة عن هذا العمل.
ولا شك أن ما قرأته للسيدين زكريا ولد أحمد سالم وسيدي محمد جعفر قد زاد فكري جيشانا، بل أغراني في الوسط، فكان مني هذا المقال نفثة مصدور ووفاء لحق هذا النوع من الأعمال الذي لا يخص جهة عن جهة ولا عرقا عن عرق ولا قبيلة عن قبيلة والذي جمع صاحبه فأوعى،وسد السهم فأشوى.
وهذا المقال أيضا يسعى إلى التنبيه على أن مثل هذه الأعمال ذا الطبع الوطني بل الإقليمي الذي كان ينبغي أن ترعاه هيئات ومؤسسات كما هو شأن الموسوعات في العالم’كان يلزم أن يحتفل به ويحتفي سواء من قبل القائمين على الشأن الثقافي من السياسيين والمهنيين والفقهاء والطلبة أو القائمين على الشأن العام عموما الذين يريدون لهذا البلد أن يكون له إسهامه ومشاركته في المحافل العلمية العالمية. فمن قديم كانت بضاعتنا نحن معاشر الشناقطة تكاد تنحصرفي العلم والثقافة،عرفنا بذالك في بلاد الغرب الإسلامي وفي المشرق العربي وفي بلادالسودان.
وأجدد الشكر للأستاذ المؤلف،وأهنئه على انجاز هذا العمل، وأتعجب من عدم الإعلام به على مستوى أجهزة الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزيون وإعطائه زخمه الذي يستحق.
كما أتعجب من عدم اعتناء الوزراء المعنيين بهذا الحدث العلمي والثقافي الكبير من وزير التوجيه الإسلامي ووزير العدل ووزيرة الثقافة.
أما بالنسبة للتوجيه الإسلامي فإنني أرى أن هذا العمل من صميم اهتمامات قطاعه ومن آكد المهمات التي يجب أن يعمل عليها’فهو عمل جمع معالم الشريعة الإسلامية في هذه المنطقة من دار الإسلام سواء على مستوى العقيدة حيث شغلت فتاواها مجلدا كاملا. أم على مستوى الفقه الذي أخذت مباحثه ثمانية أجزاء وبعض جزء. أم على مستوى التصوف الذي شغل حيزا كبيرا من الجزء الثاني عشر. فهذه المدونة الإفتائية التي غطت مساحة شاسعة تقترب من خمسة ملايين كلم مربع وأعراقا شتى (بظانا،طوارق ،سنغاي، فلان،تكارير ،سوننكى،وولوف…..إلخ) جمعت أكبر كم من أحكام الشريعة الإسلامية ليس في الم!
عتقد الأشعري والفقه المالكي والتصوف الجنيدي الذي هو عنوانها الكبير بل زادت على ذالك في ثنايا هذه النقاشات أصول المعتقدات الأخرى وفروع المذاهب الفقهية المخالفة.
أما بالنسبة لوزير العدل فهذا العمل بالغ الأهمية بالنسبة لقطاعه لأنه عمل جمع نوازل وأحكام وأقضية أهل هذه البلاد’ وما أحوج نظامنا القضائي إلى الاستفادة من هذه الأدبيات القضائية الطويلة الذيل والبالغة الفائدة التي ضمتها دفتا هذه الموسوعة.
أما بالنسبة لوزارة الثقافة فقد شملت هذه الموسوعة مجلدان تمهيديان الأول والثاني خصصهما المؤلف للحياة الثقافية والفكرية لسكان هذه المنطقة. فكان المجلد الأول عملية مسح للحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والروحية لمختلف مناكب هذه البلاد كما كان أيضا عرضا مفصلا عن الحياة العقدية والفقهية والصوفية. أما الجزء الثاني فقد كان تراجم للمفتيين الذين وردوا في المدونة وعددهم غير قليل يناهز التسعمائة وأكثرهم لم يترجم له قط. فهذا الجزء يمثل لحد الساعة أهم معلمة لتراجم علماء هذه المنطقة عموما.
وأوجه نداءا إلى هؤلاء الوزراء الثلاثة المحترمين الذين لاشك أنهم واعون لأهمية مثل هذا العمل في سمعة البلد وخدمة الشأن العلمي والثقافي فيه أن يقوموا بنشاطات علمية على شكل ندوات حول هذا العمل كل حسب اختصاصه.
كما أدعو رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز الذي جعل من أولوياته الكثيرة للنهوض بهذه الأمة الاهتمام بالعلم والعلماء، أن يصدر أوامره إلى الجهات المعنية للاهتمام بهذا العمل وإعادة نشره في حلة أبهى خاصة أن بلادنا ستصبح عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2011م. ولا ريب أن هذه الموسوعة تمثل عصب الثقافة الإسلامية وعمودها الفقري في هذه البلاد والبلدان المجاورة. كما أطلب من فخامته تكريم المؤلف بمنحه وساما ليكون أسوة للباحثين حتى تنجز أعمال يمكن أن نباهي بها ونفتخر بين شعوب العالم الإسلامي.
وهذه الموسوعة لاشك أنها عمل متميز كميا وكيفيا فصاحبها قد أمضى أزيد من عقدين من الزمن في البحث والعمل الجاد في إنجازها، وقد كنت متابعا لبعض الرحلات التي قام بها المؤلف على حسابه الخاص بحثا عن النصوص التي كانت في عداد المعدوم وتلمسا لأخبار كاتبيها التي ضنت بها كتب التراجم وشردت من أذهان الحفظة والرواة.
وتضم هذه الموسوعة 6800فتوى تبدأ من بداية القرن العشر الهجري حتى بداية القرن الخامس عشر الهجري تتوزع نصوصها بين النصوص الطويلة التي تتجاوز الخمسين صفحة وبين النصوص القصيرة التي لا تتجاوز السطر أو الكلمات المعدودة.
وتزيد هذه الموسوعة على معيار الونشريسي ب 2800فتوى كما تزيد عليه في عدد المفتيين حيث لايتجاوز عددهم في المعيار الثلاثمائة مفت بينما نجدهم في هذه الموسوعة يقتربون من التسعمائة.
فإذا أتينا إلى المجلد الثاني الخاص بالتراجم الذي هو أهم معلمة عن هذه البلاد لحد الساعة وجدنا أنه يزيد على معلمة ابن فرحون لعلماء المالكية المسماة ” الديباج المذهب” الذي لا يتجاوز المترجم لهم فيه الستمائة من فقهاء المالكية.
أما كتاب فتح الشكور الخاص بالمنطقة فيزيد عليه بأضعاف مضاعفة إذ لم يتجاوز مؤلفه فيه حدود المائتين من الأعلام.
وخلال عملي في أطروحة الدكتورا حول علم أصول الفقه في ولاية اترارزه كنت قد استفدت كثيرا من مجلد التراجم وهو إذ ذاك ما زال في مرحلة التسويد حتى ليمكن أن أقول إن الأعلام الذين لم أجد شيئا عن حياتهم فيما هو متاح من كتب التراجم وجدت المؤلف قد تعرض لهم في هذا المؤلف وأعطى عن كل واحد منهم معلومات تتعلق حسب منهجه بالاسم واللقب وأسم الأب والقبيلة والفخذ والتاريخ والأشياخ والتلاميذ والآثار العلمية.
ويكفي هذه الموسوعة تزكية وتقييما ماكتبه فضيلة العلامة المجدد أستاذ الجيل محمد فال بن عبد الله بن اباه شيخ محظرة النباغية فإنه تقديم أعطى عن الموسوعة صورة متكاملة وواضحة.
وفي الأخير أهنئ بلاد شنقيط وطلبة العلم فيها وأساتذتهم بهذه المادة الكبيرة من الفتاوي والنوازل والأحكام والتراجم التي أصبحت في متناول اليد فيستفيد منها أهل العلم كما يستفيد منها بلا شك المهتمون بتاريخ البلاد على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي.
وأثني بشكر المؤلف الذي أسأل الله أن يجعل عمله هذا خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله في ميزان حسناته يوم لاينفع مال ولابنون.
ولا يسعني أيضا إلا أن أثمن الجهد الكبير الذي قام به ناشر الكتاب ليخرج إلى النور وينتشر بين الناس فله بالغ الشكر وأرجوا أن يكون ماقام به مثالا يحتذي خاصة من أولئك الذين أعطاهم الله بسطة في المال ليتطور البحث العلمي وتنشر كنوز تراثنا التي مازالت تعاني من الإهمال في رفوف المكتبات الأهلية .
والله ولي التوفيق