ملاحظة: البحث مقدم من طرف المرشح الذي قدمته موريتانيا لشغل منصب المدير العام للمنظمة: الأستاذ محمد الأمين ولد الكتاب.
إن وضع خطة متكاملة لتحسين أداء المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم في نطاق المسؤوليات المناطة بها. يقتضي منا أولا بأول أن نستشعر المكانة التاريخية لهذه الأمة وأن نستذكر إسهامها في بلورة المعارف و الفنون و العلوم عبر العالم على مدى عدة قرون. كما يتطلب منا أن نضع في الحسبان الأهمية الإستراتيجية للفضاء الجغرافي الذي يكتنفها و حجم الكتلة البشرية التي تتكون منها ووفرة الموارد التي تمتلكها. مما يمنحها مقومات أكيدة لتشكيل فضاء اقتصادي و جيو سياسي بالغ الأهمية. و يستلزم وضع هذا التصور كذلك أن نأخذ في الاعتبار الاختلالات و الإخفاقات المفارقة التي ينبغي الإسراع بالتغلب عليها و كذا التحديات الجسيمة التي يلزم رفعها و الرهانات الكبيرة التي يتوجب كسبها في هذه الحقبة المفصلية من تاريخ البشرية.
و تتمثل كما هو معلوم المسؤوليات الخاصة المسندة إلى المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم في مواصلة الجهود الحثيثة من خلال توظيف هيآتها الجهوية و مختلف آلياتها و شركائها الدوليين من أجل تحديث و تعميق نجاعة ووظيفية قطاعات التعليم و الثقافة و العلوم و الإعلام على مستوى البلدان العربية و بذل المزيد من الجهود من أجل توطيد الصلة و توثيق العلاقة بين مختلف جوانب هذه القطاعات و متطلبات تكوين الموارد البشرية عالية التأهيل القمينة بإحداث النقلة النوعية نحو تعميم و ترسيخ الرقمنة و اتساع نطاق العلوم و الفنون و الثقافة و صولا إلى اقتصاد المعرفة و ما يواكبه من عقلنة ووعي مواطني و مسلكيات متمدنة تتماشى و مقتضيات العصرنة و التنمية المستدامة والرقي الحضاري.
و سوف نومئ بإيجاز شديد إلى المكانة التاريخية للأمة العربية و دورها في بلورة المعارف عبر العالم على مدى قرون متوالية وذلك استلهاما لماضي الأمة المشرق و استنهاضا لهمم أبنائها. و سنلمع باختصار إلى أهمية الفضاء العربي جغرافيا و بشريا و اقتصاديا سعيا لخلق الوعي بثقله الجيو استراتيجي و لإدراك الجهود الواجب بذلها و لتعميق الإحساس بالإخفاقات والإختلالات الضروري تلافيها. وسنذكر التحديات التي تواجه الأمة ضمن السياق الدولي الحالي المأزوم في منظورالإنزياحات الشاملة الجارية عبر العالم. وذلك حثا على الاستعداد الممنهج للتموقع على خارطة العالم الجديدة الآخذة في التشكل. علما أن السبيل الأوحد لبلوغ هذه الأهداف و تحقيق تلك الطموحات هو التفوق الكامل في مجالات التعليم بمختلف أسلاكه و التميز البين في البحث العلمي بمختلف أبعاده و في شتى مجالاته و الإنتاج الثقافي في كل تجلياته و كذا الإبداع الفني و الاختراعات التكنولوجية على اختلاف أنواعها، إضافة إلى التمكن في مجالات الإعلام و التواصل و الرقمنة و الحوسبة…و الاضطلاع بهذه المنجزات يستلزم قسطا كبيرا من لاستقراء و المنهجية و الاستشراف و ذلك من خلال تقديم برنامج عمل مستقبلي يتضمن مشروعات كبرى قمينة بالوفاء بالاحتياجات التربوية و الثقافية و العلمية للدول العربية تسترشد به المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم في ما تزمع انجازه من الأعمال ذات الصلة خلال السنوات الخمس القادمة و ذلك بعد تنقيحه و تصويبه وتزكيته من قبل المؤتمر العام. ولتعميق الإحساس بثقل المسؤوليات الملقاة على عاتق المنظمة و بخطورة التقاعس عن الإسراع بإنجازها نستعرض المعطيات ذات الدلالة الكبيرة الآتية :
• المكانة التاريخية للأمة العربية
تمثل الأمة العربية حجر الزاوية للأمة الإسلامية التي قال الله عز و جل فيها ” كنتم خير أمة أخرجت للناس”. و هي أيضا وريثة حضارات إنسانية كبرى نذكر منها على سبيل المثال الحضارتين النبطية و الحميرية. و اللغة العربية التي تتكلمها هذه الأمة من أقصاها إلى أقصاها هي لغة القرآن الكريم. وقد سادت العالم لعدة قرون بحيث شكلت لغة العلوم و الآداب و الفنون و الثقافة و التجارة و الدبلوماسية و التواصل بين الأمم على مستوى كل القارات.
كما أتاحت للعالم من خلال ما قد تم إنجازه من استقراء و ترجمة و تمحيص، الإطلاع على معارف و تراث الأمم القديمة و الانطلاق منها لتحقيق الطفرة الفكرية التي أسست للإنفجارات المعرفية اللاحقة.
وتضم هذه الأمة أعراقا غير عربية دينامكية و فعالة مثل الأكراد و الأقباط و البربر و الزنوج و غيرهم. مما جعلها تتسم بتعددية و تنوع يشكلان مصدر ثراء و قوة لها .هذه الخصائص ينبغي كما أومأنا إليه أن تظل ماثلة في أذهان أبناء الأمة لاستنهاض هممهم و تقوية عزائمهم على استرجاع المكانة السامقة التي تبوأتها أمتهم لفترة من تاريخها الحافل.
• مقومــــــــــــــات الريادة
إذا ما تدبرنا الحالة الراهنة للأمة العربية من حيث موقعها الجغرافي و حجم ساكنتها و مواردها الطبيعية ألفينا أنها تتوفر على المقومات اللازمة لتشكيل فضاء جيوستراتيجي و سوسيو ثقافي و اقتصادي لا يقل أهمية و لا ثقلا عن باقي التكتلات الإقليمية الكبرى عبر العالم في ما يخص إمكانية التنافسية و الندية حيال الفضاءات الأخرى القائمة اليوم.
فالفضاء العربي يمتد على مساحة تبلغ 14،2 مليون كلم مربع أي 10،2% من مساحة العالم و ضمن هذه المساحة الشاسعة تتنوع المناخات و التضاريس و صنوف التربة وتتعدد مصادر المياه و تتنوع المحاصيل الزراعية و المعدنية و مصادر الطاقة التقليدية و المتجددة.
ويمتلك العالم العربي ثروة حيوانية هائلة قوامها ميئات ملايين رؤوس المواشي. و تخوله سواحله الممتدة على 22،7 ألف كيلو متر من إنتاج 2،6 % من الثروة السمكية في العالم.
و من حيث المعادن، يتوفر العالم العربي على 65 % من الاحتياطي العالمي من النفط و ينتج 26% من إجمالي الإنتاج العالمي و 23% من الفوسفات و 3% من الحديد على سبيل المثال للحصر.
و من حيث السكان يكتنف الفضاء العربي كتلة بشرية تربو على 327 مليون نسمة أي 4، 9% من سكان العالم إضافة إلى 100 مليون عربي يعيشون في الشتات.
• الإختلالات و الإخفاقات
على الرغم من حجم و تنوع الموارد التي يتوفر عليها العالم العربي و بالرغم من الوجود الموضوعي لكل المقومات الضرورية لتحقيق التميز و تأمين التفوق و تسنم موقع الصدارة على الساحة الدولية فإن الأمة العربية و على نحو مفارق تعاني من إختلالات و إخفاقات عديدة مربكة تبعث على القلق و تتطلب التقويم و التصويب بالسرعة المستطاعة. ويتعلق الأمر على وجه الخصوص ب:
– تفشي الأمية، حيث تصل نسبتها إلى 40% أي ما يناهز ضعف المتوسط العالمي (تقرير معهد اليونسكو للإحصاء 2008)
– تدني نسبة التحاق الأطفال بالتعليم ألما قبل المدرسي (من 1% إلى 74% حسب البلدان العربية) و انخفاض نسبة التمدرس في الوطن العربي، إذ لا تتجاوز 75% إلا في عدد قليل من الدول العربية (تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية و التقرير الدولي لمتابعة برنامج التعليم للجميع – EPT) في حين تبلغ نسبة التمدرس 100% في بعض البلدان الإفريقية الفقيرة مثل المالاوي و بوروندي! و توضح تقارير اليونسكو بهذا الصدد أن العالم العربي يأتي إجمالا في مؤخرة العالم في ما يتصل بعملية التمدرس.
– الانخفاض الشديد في مستوى القراءة و الترجمة و التأليف و البحث العلمي حيث لا يقرأ المواطن العربي في المعدل إلا 6 دقائق في السنة (تقارير اليونسكو 1991 و 2004) كما أن ما تنتجه الدول العربية مجتمعة من الكتب لا يمثل أكثر من 1، 1% مما ينتجه العالم إجمالا. و لا يترجم العالم العربي بكامله سنويا سوى 330 كتابا أي خمس ما يترجمه اليونان! بل أن كل الكتب التي تمت ترجمتها في العالم العربي منذ عهد الخليفة العباسي المأمون في القرن الثامن الميلادي إلى اليوم لا يتجاوز 100 ألف كتاب أي ما يعادل ما تترجمه اسبانيا في سنة واحدة (إصدارات مركز القاهرة الأعلى للثقافة).
– الضعف الشديد للإنفاق على البحث العلمي حيث أن الدول العربية مجتمعة لا تخصص للإنفاق على البحث العلمي سوى 0،3% من ناتجها القومي ألإجمالي في حين تخصص الدول المتقدمة ما بين 2،5% إلى 3% من ناتجها القومي الإجمالي لهذا الغرض و تخصص له إسرائيل 4،7%. وبخصوص مكانة الجامعات العربية بالنسبة للجامعات الأجنبية المتميزة فقد أظهر تقرير هيأة الترتيب الأكاديمي للجامعات العالمية لسنة 2011 – 2012 (the academic ranking of world Universities) أنه لا توجد جامعة عربية واحدة من بين المائة جامعة المتميزة عبر العالم بينما توجد من ضمنها أربع جامعات إسرائيلية و جامعات صينية و أخرى هندية و برازيلية و حتى بلجيكية!
• التحديات الإستراتيجية التي تواجه الأمة
تواجه الأمة العربية اليوم تحديات هائلة يعتبر الاستعداد المحكم لرفعها جزءا من المعركة من أجل البقاء و انتزاع المكانة اللائقة بين بقية الأمم. ومن بين هذه التحديات:
– تبعات الاحتباس الحراري المتمثلة على وجه الخصوص في الكوارث الطبيعية و الجائحات الماحقة مثل الجفاف و التصحر و ما يواكب ذلك من شح في المياه و مجاعات مهلكة.
– انعكاسات الرأس مالية المتوحشة و العولمة و العولمة المضادة على الأوضاع الاقتصادية عبر العالم و ما ينجم عن ذلك من أزمات متعددة الأبعاد و بالغة التأثير.
– تداعيات تغير موازين القوى على الصعيد الدولي المتمثل في تراجع النفوذ الأمريكي و تنامي نفوذ الصين و روسيا إضافة إلى اتساع تأثير الدول الصاعدة الجديدة مثل الهند و لبرازيل و تركيا مما قاد إلى قيام تعددية قطبية كانت قد اختفت مع اختفاء الإتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
– اتساع نطاق التشدد الديني و الإرهاب و تفاقم معاداة العرب و الإسلاموفوبيا في الغرب نتيجة لتنامي نفوذ تيارات عنصرية و شوفينية حاقدة في اوروبا.
– استفحال الخطر الصهيوني الناجم عن التهويد الممنهج لفلسطين و التهديد المتزايد لسلامة و أمن كل الوطن العربي من قبل إسرائيل و القوى المتصهينة الداعمة لها.
– مخاطر الانزلاقات المحتملة و تحويل مسارات بعض الثورات العربية التي قامت ضمن حراك الربيع العربي.
كل هذه العوامل و ما سوف يترتب عليها من تداعيات متعددة الأبعاد على المديين المتوسط و الطويل تفرض على الأمة العربية إعادة تقييم أوضاعها و العمل الجاد و الموحد من أجل تحقيق قفزة نوعية توصلها إلى احتلال مكانة متميزة ضمن الخارطة العالمية الجديدة المتوقعة. وذلك من خلال استعمال ممنهج و متبصر لإمكاناتها الاقتصادية و مواردها البشرية و الآليات المختصة التي تتوفر عليها، و التي من ضمنها المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم التي تعرضنا في ما تقدم لذكر المهام المحددة المنوطة بها و المسؤوليات الخاصة الملقاة على عاتقها . فهي تسعى منذ نشأتها في بداية السبعينيات إلى تحقيق أهداف إستراتيجية متعددة الأبعاد تعد مصيرية بالنسبة لتطوير و عصرنة البلدان العربية و الارتقاء بها إلى مصاف الأمم المتقدمة. وقد وضعت من أجل ذلك عدة تصورات و بلورت عبر مسيرتها الطويلة عدة برامج و خطط عمل توسلتها لترجمة تلك الأهداف إلى واقع ملموس. و رغم الجهود التي تم بذلها و الانجازات التي تم تحقيقها في هذا المضمار إلا أن النتائج الإجمالية المتحصل عليها مازالت كما رأينا دون الطموحات. وقد لا يرجع ذلك إلى عدم تماسك و اتساق ووجاهة و صواب الخطط المقدمة و التي كان آخرها خطة العمل المستقبلي للفترة 2005-2010، بقدر ما يرجع إلى عدم توفر الموارد الضرورية لترجمة تلك الأهداف إلى واقع ملموس. و أيا كانت نسبة إنجاز هذه الخطة التي لا شك أن الهيئات المختصة للمنظمة ستقوم بتقييمها و بقياس درجة نجاحها في استفاء إغراضها، فإننا اليوم بصدد و ضع تصور لخطة جديدة و بلورة برنامج جديد لفترة 2013-2018 .
وبصفتي مرشح الجمهورية الإسلامية الموريتانية الى الإدارة العامة للمنظمة فإنني أدلي بدلوي في هذا الميدان على أن يكون منطلقي في ذلك هو الاعتقاد الراسخ بأن طبيعة الأهداف المنشودة هي التي ستحدد السبل اللازم انتهاجها نحو تحقيق تلك الأهداف وهي التي يلزم أن تملي بالتالي البرامج و خطط العمل الضروري اعتمادها و تنفيذها لذات الغرض.
فما هي على وجه الدقة الأهداف التي ينبغي العمل على بلوغها خلال الفترة 2013 – 2018؟ والتي ينبغي أن تحدد كما ذكرنا البرنامج وخطة العمل الذين سيشكلان الإطار الناظم لأنشطة وإنجازات وأداءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للفترة المذكورة .؟
• الأهداف المنشودة
إن الطموح الأعلى الذي يتطلع إليه العرب جميعا والذي تسعى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عبر برامجها وخطط عملها واستراتيجياتها المتوالية ، يتمثل في التحليل النهائي في شقين اثنين .
الشق الأول هو الانتقال بالإنسان العربي على نحو متدرج صعودا من وضع رعية سالبة إلى وضع مواطن مثقف، متنور، متمدن، ومؤثر في محيطه. له إلمام كامل بالمعارف والتقنيات العصرية الأساسية، متوفر علي حس نقدي مرهف وعلى ذائقة فنية رفيعة. مواطن واع لمسؤولياته تجاه وطنه وأمته ، متصالح مع خصوصياتها الحضارية والدينية ، غيور على هويته الثقافية وفي ذات الوقت متفتح ومتسامح، قابل بالأخر ومتفاعل مع التطور الحضاري للبشرية، باختصار مواطن يجمع بين متطلبات العصرنة في كل تجلياتها ومقتضيات الأصالة في كل اشتراطاتها الايجابية.
و الشق الثاني هو تهيئة الظروف الملائمة لقيام مجتمعات متنورة ومتفتحة وعلى درجة كبيرة من التطور الاقتصادي والاجتماعي والفكري والعلمي والتكنولوجي تسود فيها الحكامة الحسنة والعدالة الاجتماعية وتنعم بالسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي ولها إشعاع ثقافي ونفوذ سياسي ووزن استراتجي وإسهام حضاري على الساحة الدولية .
هذه هي الأهداف السامية التي يطمح كل العرب إلى تحقيقها والتي يفترض أن تسعى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تبعا لذلك إلى تحويلها إلى واقع ملموس. وما البرامج وخطط العمل التي قد تم وضعها في هذا الصدد على مدى العقود الماضية سوى تلمسا للسبل المثلى للوصول لهذا المبتغى.
والبرنامج وخطة العمل اللذان نتقدم بهما هنا يندرجان في هذا السياق ويتغيآن نفس المأرب .
• تصور لبرنامج وخطة عمل
يقوم البرنامج المقترح من قبلناهنا وخطة العمل المتصلة به على ثماني محاور وهي:
1ـ زيادة تفعيل رأس المال ا البشري
2ـ تعزيز التعاون والتنسيق العربي في مجا ل التعليم العالي والبحث العلمي
3ـ الارتقاء بالثقافة العربية وتقوية إشعاعها عبر العالم.
4ـ وضع الأسس الضرورية لقيام مجتمع المعرفة
5ـ توسيع نطاق إسهام المجتمع المدني في عملية التمدن والإندياح الحضاري
6ـ زيادة تحديث ووظيفية قطاع الإعلام والتواصل
7ـ توسيع نطاق الشراكة والتعاون العربي و الإقليمي والدولي
8ـ تكثيف المساعي لتعبئة الموارد المالية الضرورية لتنفيذ برامج المنظمة.
وسوف نحاول في ما يلي أن نقف على مدى ملائمة محاور هذا البرنامج و مقتضيات تحقيق الأهداف التي نوهنا عنها في ما تقدم.
1 ـ زيادة تفعيل رأس المال البشري
يشمل هذا المحور عدة جوانب وهي:
اـ تعليم الكبار ومحو الأمية الأبجدية والوظيفية والرقمية والمدنية
وذالك سعيا إلى تخليص المواطن العربي من الجهل والجلافة والتخلف والعقل الخرافي والارتقاء الدؤوب بمستواه المهني ورفع مردود يته وتحسين كفاءاته وأدائه على كل الصعد.
ومن أ جل بلوغ هذا الهدف ينبغي إنشاء الآليات الضرورية وتعبئة الموارد اللازمة وبلورة الإطار القانوني والمؤسسي المواتي. حيث يلزم في هذا المضمار:
ـ إنشاء قطاعات وزارية هدفها السهر على محاربة الأمية.
ـ إجبار المستخدمين في كل القطاعات الاقتصادية على تنظيم دروس لمحو الأمية لفائدة عمالهم الأميين .
ـ تخصيص محفزات مالية وإدارية كالعلاوات والترقيات للأميين الذين يقبلون بجدية على التخلص من الأمية.
ـ إكراه الأميين المتقاعسين بمختلف الطرق على الإقبال على دروس محو الأمية. على أن يقوم كل بلد عربي حسب الوتيرة المتاحة له بتحديد أفق للتخلص نهائيا من هذه الظاهرة المشينة وما يتصل بها من أضرار.
بـ ـ التعليم الما قبل المدرسي
هذا النوع من التعليم بشقيه النظامي والأهلي لم يلق بعد كل العناية التي يستحقها على الصعيد العربي كما رأينا في ما تقدم على الرغم من كونه يشكل مرحلة بالغة الأهمية من المسار التعليمي للمواطن .
ففيه تتم التنشئة الأولى للطفل وفيه يكتسب مهاراته اللغوية وخلاله يتشكل وعيه بذاته وبمحيطه وأثناء هذه المرحلة تتكشف المخائل الأولى لمواهب وعبقرية الطفل الكامنة.
وعليه فإن هذه المرحلة بالغة الأهمية في ما يخص وضع اللبنات الأولى من مدارك ومهارات الناشئة.
ومن ثم فإن من الأهمية بمكان أن يصار إلى الاهتمام الكامل بتكوين المنعشين والمربيين والمؤطرين المشرفين على هذا القطاع من التعليم وأن يشمل الاهتمام كل المؤسسات المعنية به وأن توفر لها الأدوات البيداغوجية الضرورية من كتب و ألعاب و ما شا كل ذالك .
ويجب أن يعمم هذا النمط من التعليم وييسر ولوجه أمام سكان الأرياف والفئات الاجتماعية الضعيفة وأن لا يكون حكرا على الميسورين دون غيرهم. وينبغي أن تصرف نفس العناية للأطفال الملتحقين بالكتاتيب والمدارس الأهلية التقليدية ويجب أن يوضع على مستوى كل بلد عربي برنامج محكم لدعم وتشجيع ومتابعة وتأطير دور الحضانة وسائر الموسوسات المختصة بالتعليم الما قبل المدرسي .
ج ـ التعليم الإبتدائي والإعدادي
إن هذين السلكين من المنظومة التعليمية ينبغي أن يستهدفا أساسا تلقين المعارف القاعدية كالقراءة والكتابة وأسس الحساب فضلا عن المبادئ العامة المتعلقة بالتربية الدينية و المدنية و الوعي الصحي إضافة إلى بعض المهارات اليدوية والتقنيات الأولية في مختلف مجالات الحياة.
ولسد الطريق في وجه الأمية يلزم أن تكون هذه المرحلة من المنظومة التعليمية إجبارية. وتلقين بعض المهارات لتلاميذ هاذين السلكين من التعليم خاصة في مجالات المعلوماتية والأعمال اليدوية ومختلف التقنيات البسيطة الأخرى كفيل بتسهيل عملية إدماج المتسربين منهم في عملية الإنتاج مما يحول بينهم وبين الأمية الوظيفية في المقبل من أيامهم . وينبغي أن يوضع في الحسبان أن إجبارية هذه المرحلة من التعليم هي السد المنيع ضد مختلف أنواع الأمية التي تعتبر بحق أخطر عوامل التخلف الاقتصادي والانحدار الحضاري. ويجب إعداد المنهاج وتكوين المكونين المؤهلين وتوفير التسهيلات التربوية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي .
د ـ التعليـــــــــــــــم الثانوي
إن الضرورة الملحة لموائمة مخرجات المنظومة التعليمية مع متطلبات الاقتصاد واحتياجات سوق العمل من اليد العاملة الماهرة والأطر المتوسطة المؤهلة يستلزم بإلحاح متزايد إعادة النظر في نوعية التعليم الثانوي الذي كان قائما في البلدان العربية والذي كان يوفر تعليما عاما في مجالات العلوم الإنسانية وبعض العلوم الدقيقة المجردة كالعلوم الطبيعية والرياضيات . بحيث يصار إلى إعادة هيكلته وإعادة تعريف أغراضه ونوعية المخرجات المتوخاة منه . فبدلا من أن تقتصر مؤسسات التعليم الثانوي على مدارس ثانوية تكوَن أساسا في الإنسانيات واللسانيات وتعدً السواد الأعظم من الطلاب لدراسة الآداب والحقوق والعلوم السياسية والاقتصاد وما شاكل ذالك، تصبح هناك مؤسسات تعليم ثانوي مهنية وتقنية
وحرفية …….تكون في مجالات التكنولوجيا والمعلوماتية والتجارة والفندقة والبستنة والخياطة العليا وصناعة الجلود والخشب والكهرباء والتبريد والميكانيكا إضافة إلى الفنون الجميلة كالمسرح والرقص والسينما والغناء والرسم و النحت وغير ذالك . وهذا التغيير الجذري لخارطة التعليم الثانوي يستوجب إعادة النظر في المناهج ومحتوى الكتب المرجعية وأساليب التقييم كما يتطلب رسكلة المكونين و إعادة تأهيل المؤطرين التربويين والإداريين.
وإعادة تكيف للتعليم الثانوي كهذه، يجب أن لا تكون إعتباطية وعشوائية بل يجب أن يمهد لها في المنبع ويتم الاستعداد لتداعياتها في المصب .فلا بد أن تأخذ متطلباتها في الحسبان عند إعداد برامج ومناهج سلكي التعليم الإبتدائ والإعدادي السابقين لها ويلزم أن تراعى نتائجها في هيكلة التعليم العالي الذي سيستقبل مخرجاتها . وسعيا إلى توسيع نطاق هذا النمط من التعليم الثانوي فأنه يلزم استخدام تقنيات التعليم عن بعد وينبغي فتح المجال أمام المستثمرين الخصوصيين للإسهام في تطويره وتحديثه والإمعان في ملائمة مخرجاته مع حاجيات سوق العمل .
ه ـ التعليم العالي والبحث العلمي
إن تكييف التعليم الثانوي الذي تحدثنا عنه أعلاه وبينا وجاهته ونجاعته بخصوص توطيد العلاقة بين تكوين الموارد البشرية ومتطلبات الاقتصاد ، يجب أن يقود إلى إعادة هيكلة التعليم العالي وتعزيز نجاعته هو الآخر وتقوية التصاقه بحاجيات الاقتصاد ومتطلبات التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والفكري.
فبدلا من أن تكون مؤسسات التعليم العالي التي تستقبل أكبر عدد من الطلاب الواردين من التعليم الثانوي هي كليات الآداب والحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية والعلوم الدقيقة المجردة كما هو الحال اليوم و التي لايحتاج الاقتصاد الوطني إلا إلى النزر القليل من خريجيها، تصبح هناك أعداد وافرة من الطلاب معدة للالتحاق بالأكاديميات و المعاهد و المراكز المختصة والمدارس العليا ……. إضافة إلى الذين يلتحقون بمختلف الكليات التقليدية. وهكذا تتعدد الاختصاصات والاختيارات والمسارات والمسارب أمام الدارسين والساعين إلى التكوين الأكاديمي والمهني والفني والتقني والحرفي ……..وفقا لمتطلبات الاقتصاد ولاحتياجات المجتمع الحديث . ومن أجل إعداد المناخ الملائم لامتلاك ناصية العلوم الدقيقة وتوطين التنكنولوجيا وردم الهوة في مجال المعلوماتية وفتح المجال أمام الاختراعات والابتكارات والاكتشافات في مختلف حقول العلوم والتقانة، يجب تكثيف تدريس الرياضيات والكيمياء والفيزياء ورصد النوابغ من أصحاب المواهب والعبقريات المتميزة في هذا المجال وإعطائهم اهتماما خاصا. كما ينبغي تشجيع وتحفيز المختصين في الرياضيات والكيمياء والفيزياء والمعلوماتية .. ومدهم بالوسائل والتسهيلات الضرورية لتعميق مداركهم في مجالاتهم المختلفة. وفيما يخص دفع البحث العلمي بشقيه الأساسي والتطبيقي ، فإنه يلزم دعم وتطوير الدراسات العليا التي يحسن أن تكون في مجالات تتصل بمتطلبات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية والفكرية ، تسهيلا لتوظيفها ورسملتها بما يعود بالنفع على الباحثين والمجتمع على حد سواء. إذ يلزم أن يكون البحث العلمي وسيلة لتنمية الرصيد العلمي ورافعة اقتصادية للارتقاء بالمستوين المعيشي والحضاري .
2- تعزيز التعاون والتنسيق العربي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي
إن عقلنة تدبير الموارد الاقتصادية المتكاملة في تنوعها وتمايزها ضمن الفضاء العربي المتصل وخفض تكاليف تكوين رأس مال البشري العالي التأهيل يقتضيان قيام تعاون وثيق ومتعدد الجوانب بين البلدان العربية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي . حيث يتخذ هذا التعاون شكل إنشاء وتفعيل وتوظيف أقطاب تميز جامعية متوزعة في الفضاء العربي حسب توزع الموارد والثروات الطبيعية داخله ، على أن تكون هذه الأقطاب متغايرة التخصصات ومتوفرة على شروط الجودة الفائقة في مجالات تخصصها. ويصار إلى جعلها ذات طابع إقليمي أكثر منها محلي . حيث يمكن بهذا الصدد خلق أقطاب تميز في مختلف البلدان العربية، يكون من بينها على سبيل المثال:
ـ قطب تميز للغة العربية وعلومها وآدابها يدعى جامعة سيبويه
ـ قطب تميز في الرياضيات يدعى جامعة الخوارزمي
ـ قطب تميز للعلوم الدقيقة يدعى جامعة جابر إبن حيان
ـ قطب تميز للطب والبيطرة يدعى جامعة أبن سينا
ـ قطب تميز للدراسات الإسلامية يدعى جامعة الإمام الغزالي
ـ قطب تميز لتقنيات الترجمة يدعى معهد إسحاق ابن حنين لتقنيات الترجمة
ـ قطب للموسيقى والفنون و تقنيات الغناء والرقص يدعى معهد زرياب للموسيقى ….
على أن تعمل البلدان العربية مجتمعة على تضافر جهودها وحشد إمكانياتها للإرتقاء بهذه الأقطاب إلى مستوى الجامعات الدولية المتميزة التي لا يتوفر العالم العربي إلى حد الآن على مثلها كما سبقت الإشارة إلى ذالك. وينبغي أن يفتح ولوج هذه الجامعات أمام الطلاب العرب و غير العرب المتميزين وأن تساهم كل البلدان العربية في تمويل وطبع ونشر وتوزيع الأبحاث العلمية المنتجة في هذه الأقطاب المتميزة، علما أن إيجاد مثل هذه الأقطاب وتسييرها والسهر على الارتقاء المضطرد بمستوياتها يتطلب كفاءات اكادمية وإدارية عالية وموارد مالية ولوجستية كبيرة لكن مفعولها وانعكاساتها على تطوير وتحديث المجتمعات العربية لاتقدر بثمن.
3ـ الارتقاء بالثقافة العربية وتقوية إشعاعها عبر العالم
يلزم إعطاء الثقافة بكل إبعادها وتجلياتها عناية خاصة لكونها حصيلة معارف وتجارب ومسلكيات الأمة وباعتبارها نتاج عبقريتها ومستودع عاداتها وتقاليدها وأسلوب عيشها وقيمها الاجتماعية والأخلاقية والروحية وميسمها الحضاري المميز. على أن يمتد هذا الاهتمام إلى اللغة العربية بصفتها وعاء و حاضنة هذه الثقافة.
وبما أن الثقافة بوجه عام عنصر من عناصر الهوية ومحفز قوي من محفزات التماهي والتوحد والالتحام . وبما أنها سبيل من سبل ارتقاء وتقدم للأمم وعامل من عوامل إثبات الذات وبسط النفوذ وتسنم الريادةعلى المشهد الدولي ،فإنه يلزم مواصلة الجهود بكل الوسائل المتاحة للنهوض بالثقافة العربية ورفع مستوى حاضنتها التي هي اللغة العربية.
ولهذا الغرض لابد من العمل الدوؤب والممنهج على أكثر من صعيد حيث يلزم بهذا الصدد بلورة إستراتجية متكاملة تشمل عدة جوانب بما فيها:
ـ العناية بثقافة الطفل بما تقتضيه من كتب ومجلات ووسائل تسلية وترفيه وتربية وتوجيه و توعية مما يستوجب تحفيز وتعزيز قيام الصناعات الثقافية في ميدان كتب الأطفال والرسوم المتحركة وبرامج المعلوماتية المختصة.
ـ العمل على تطوير الفنون الجميلة وتشجيع الإقبال عليها . ويتعلق الأمر بالمسرح والسينما والموسيقى والرقص والفلكلورو الأهازيج الشعبية والفنون التشكيلية والعمارة وفنون الطهي والطرز والخياطة والألعاب التقليدية …
ـ القيام بتنظيم مهرجانات حول الرقص بمختلف أنواعه والغناء والأمداح الدينية والموسيقى والشعر وفن الحكي وألعاب المجتمع و الفروسية وسباق الهجن وغير ذالك من الفنون الشعبية .
ـ العمل على تشجيع وتكثيف أعمال الترجمة من وإلى اللغة العربية بحيث تضاعف الجهود من أجل ترجمة المزيد من أمهات الكتب العربية إلى اللغات الأجنبية ونفائس الكتب الأجنبية حول مختلف المعارف العلمية الحديثة إلى اللغة العربية على أن يصاحب هذه الجهود المزيد من طباعة ونشر وتوزيع الكتب والمطبوعات ومختلف الإصداريات إضافة إلى رفع وتيرة معارض الكتب العربية عبر الفضاء ين العربي والدولي .
ـ تخصيص جوائز تحفيزية للفاعلين الثقافيين المتميزين في مجال من مجالات الثقافية (الفنون الجميلةـ التأليف ـالسينما ـ المسرح -الاختراعات التقنية في الحقل الثقافي …)
ـ تنظيم الندوات و الملتقيات حول تقييم الأوضاع الثقافية في الوطن العربي وسبل النهوض بها
ـ زيادة الاهتمام بالمخطوطات من حيث إحصاؤها وتطوير تقنيات ترميها وصيانتها وتحقيقها ونشرها .
ـ العناية بالكنوز البشرية والتراث المادي واللامادي والآثار والمآثر الشعبية المتميزة.
ـ تفعيل برنامج الاحتفال بالعواصم الثقافية العربية وتوسله لتعريف العالم العربي بثقافته وإطلاع العالم الخارجي على الموروث الثقافي الهائل الذي تتوفر عليه الأمة العربية
ـ خلق فضائيات مختصة في بث والتعريف بمختلف جوانب الثقافة العربية سواء منها العالمة أو الشعبية.
ـ تقوية إشعاع اللغة العربية من خلال تطوير وتحديث تقنيات تدريسها لغير الناطقين بها و تحبيبها لغير العرب من خلال الموسيقى والفنون الخطية ( لارابسك) وتوسيع نطاق بثها عن طريق شبكة متنامية من المراكز الثقافية العربية والمدارس الخاصة عبر العالم ولا سيما في أماكن تواجد الجاليات العربية وفي البلدان المصاقبة للعالم العربي وتلك التي تستعمل الحرف العربي
4 ـ وضع الأسس الضرورية لقيام مجتمع المعرفة
إن قيام مجتمع المعرفة يأتي على نحو متدرج نتيجة لتراكمات عديدة تنجم عن تضافر عدة عوامل . وهذه العوامل لاتتوفر بشكل تلقائي بل تستو جب جهودا حثيثة ورعاية مخططا لها تخطيطا معقلنا.
وقد تعرضنا فيما سبق لأهم هذه العوامل التي تتمثل في محو الأمية وتعميم التمدرس وتوظيف الجامعة الإنتاج المعرفة وتعبئة الموارد الكافية بنشر وإشاعة المعارف المنتجة والمتصلة بشتى مناحي الحياة .ومن أهم أسس قيام مجتمع المعرفة هو تحديث التعليم وتقوية نجاعته الداخلية وتوسيع نطاق الرقمنة واعتماد التقنيات الجديدة للإعلام والاتصال وتوطين التكنولوجيا وتطويع المعلوماتية وتوسل وسائط الإعلام والاتصال لتدفق المعارف والمعلومات وانتشار التقنيات على أوسع نطاق . هذه هي المقومات الأساسية للسياق المواتي لقيام مجتمع المعرفة الذي لم يعد التقدم والرقي ممكنين بدونه.
5ـ توسيع نطاق إسهام المجتمع المدني في عملية التمدن والرقي الحضاري
إن تحقيق الأهداف المنشودة في مجالات التربية والثقافة والعلوم لن يتم على الوجه الأكمل ما لم يتم إشراك مختلف فعاليات المجتمع المدني المهتمة بهذه المجالات في الجهود الضروري بذلها لهذا الغرض.ولذا فإن السعي إلى النهوض بالثقافة ودفع البحث العلمي وتكثيف إنتاج المعارف واستدراج الإبداع والابتكار يستوجب إشراك الفعاليات المدنية المهتمة بهذه القطاعات. ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بالمنظمات الطلابية ونقابات المدرسين والجمعيات الثقافية والوداديات والمنتديات والتعاونيات والنوادي واتحادات الفنانين والكتاب وغيرهم من تكتلات الفاعلين في حقول التعليم والثقافة والإعلام . ولذا فإن البحث عن النجاعة والحرص على توسيع دائرة الأعوان والداعمين لعملية التمدن و التقدم يقتضي إشراك كل هذه الفعاليات في الجهود التي يتوجب بذلها لتحقيق الأهداف المأمولة.
6ـ زيادة تحديث ووظيفية قطاع الإعلام والتواصل
تشكل وسائل ووسائط الإعلام النواقل الأساسية للبرامج التثقيفية والتوجيهية و التوعوية ذات التأثير الكبير على الجماهير العريضة ضمن الفضاء العربي وخارجه . ولذالك فإن من الضروري العناية التامة بمحتوى هذه البرامج ومضامينها وإيحاءاتها زيادة على الاهتمام بالطرائق والتقنيات التي تستعملها وصولا إلى جعل الإعلام والتواصل عاملين لنشر العلوم النافعة وترقية الفنون الرفيعة وإشاعة الوعي الحضاري والحس المدني وتوفير التسلية والترفيه وتعميق حس الجمال والذوق السليم . مما يستلزم التعاون والتنسيق في مجال استعمال التقنيات الجديدة للإعلام والتواصل وتكوين الخبرات والمهارات العالية في مجال رقمنة المعطيات والصناعة اللسانية وتقنيات تعددية الوسائط(Multi -Media) وصناعة البرامج (Logiciels) فضلا عن تشجيع البحث العلمي في مجالات التقانة التطبيقية وتوسلها في صناعة المحتويات الثقافية والتربوية والترفيهية وكذا استعمال اللغة العربية في ميدان الصناعات الرقمية . كما ينبغي العمل على إنشاء محطة تعنى خصيصا بالشأن الثقافي في مختلف أبعاده والاستفادة من الإمكانات الفنية التي يتيحها القمر الاصطناعي العربي (Arab Sat) وغيره من الأقمار الأخرى لبث الثقافة العربية والتعريف بها على أوسع نطاق عبر العالم .
7 ـ توسيع نطاق الشراكة والتعاون العربي والإقليمي والدولي
يتوجب أن تضاعف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم جهودها من أجل تكثيف التعاون وتقوية الشراكة على المستويات العربية والإقليمية والدولية. فعليها إضافة إلى تعزيز تنسيق العمل المشترك بين البلدان العربية في شتى ميادين اهتمامها أن تعمد إلى توطيد التواصل والتعاون مع:
ـ المكتب العربي للتربية بدول الخليج
ـ مؤسسة الفكر العربي
ـ منظمة الاسيسكو
ـ الجمعية الإسلامية العالمية
ـ منظمة اليونسكو
ـ المنظمة الدولية للفرنكوفونية
ـ معهد العالم العربي بفرنسا
ـ الإتحاد اللاتيني
ـ المنظمومة الابيروامريكية للتربية والثقافة والعلوم
ـ المجلس الأوروبي
ـ مؤسسة “الليكادو أندلوسي” الاسبانية
ـ معهد الدراسات الشرقية للآكادمية الروسية للعلوم ………..
على أن يستهدف هذا التعاون من ضمن ما يستهدف :
ـ تبادل الخبرات والتجارب ووضع برامج موحدة ترمي إلى تحقيق أهداف متقاطعة
ـ الإطلاع والإستفادة من كل الإخترعارات والتجديدات في ميدان الثقافة والعلوم والبحث العلمي والإعلام عبر العالم .
ـ تقوية التواجد العربي في المحافل الدولية .
-التعريف بالثقافة و الحضارة العربية وتحسين صورتها على الصعيد الدولي
ـ توسيع دائرة إشعاع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
ـ تنسيق الجهود والمواقف العربية تجاه المنظمات الإقليمية والدولية
ـ تعزيز التواصل والحوار مع الثقافات الأخرى.
ـ توسيع نطاق التعاون الدولي في المجالات ذات الصلة.
ـ البحث عن مصادر التمويل لمشاريع المنظمة…..
8ـ تكثيف المساعي لتعبئة الموارد الضرورية لتنفيذ برامج المنظمة
إن هذا البرنامج وخطة العمل التي يتضمنها وغيره من البرامج التي سبقته وتلك التي سوف تليه لن تكون ذات جدوائية إلا إذا توفرت الموارد المالية الضرورية لترجمتها إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع. وبدون ذالك ستبقى مجرد تصورات ورؤى افتراضية طوباوية لاتأثير لها على الواقع القائم . والسمة التي ما زالت تميز قطاعات التربية والثقافة والعلوم على المستوى العربي هي التي ذكرناها فيما تقدم. واصفين إياها بالمقلقة ومن ثم فإن أشد أولويات المنظمة العربية للتربية الثقافة والعلوم إلحاحا يظل تعبئة الموارد المالية اللازمة لتحقيق الأهداف التي تحددها بما فيها تلك التي رسمناها هنا وبينا الأهمية الإستراتجية القصوى التي تكتسيها بالنسبة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والتكنولوجي للوطن العربي . فبدون الموارد المالية الضرورية لا مجال على الإطلاق لبلوغ الأهداف المسطرة مهما كانت وجيهة ومغرية.وهذا مايستوجب وضع خطة تحسيسية و توعوية تستهدف صناع القرار بالوطن العربي وصولا إلى استدرار الإرادة السياسية اللازمة للعمل العربي المشترك والبناء في هذا المجال، على أن تستهدف كدلك الفاعلين الاقتصاديين من مصارف وشركات مختلفة ومن فاعلي الخير على المستويين العربي والدولي . فبالإمكان في هذا الصدد العمل على جعل الحكومات العربية تقرر سن ضريبة ولو زهيدة على الفاعلين الاقتصاديين بل وحتى على المواطنين الميسورين لفائدة قطاعات التربية والثقافة والبحث العلمي و الإعلام و التواصل الهادف إلى ردم الهوة الرقمية القائمة في الوطن العربي سعيا إلى قيام مجتمع واقتصاد المعرفة الذين ستعم فوائدهما الجميع في أقصر الآجال وبأقل التكاليف.
وما لم يصر إلى توفير الموارد المالية الضرورية فإن التصورات والخطط والبرامج و الإستراتيجيات أيا كانت وجاهتها وفرادتها لن تتيح بلوغ الأهداف المرسومة ولا تحقيق الطموحات المأمولة .
إلا أن تحديد ملامح هذه الأهداف ووضع خارطة طريق دقيقة كفيلة بالإيصال إلى تحقيقها سيكون من شأنهما تسهيل إنجاز هكذا أهداف عندما تتوفر الإرادة الكاملة للقيام بذالك. وعلى أي فإننا نعتبر هذا البرنامج خطاطة توفر إطار تفاكر وتذاهن للخبراء والأخصائيين لبلورة برنامج شامل ومتكامل ومتسق ناتج عن تزاحم عقول أصحاب الاختصاص و تكامل رؤى ذوي التجارب الميدانية الطويلة.و”ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم”، أو كما قال صل الله عليه وسلم . و الله الموفق لما فيه خير هده الأمة.
——————–
. محمد الأمين ولد الكتاب
نواكشوط 22 مايو (أيار) 2012