جاءت محاولة اغتيال الرئيس عزيز بإطلاق الرصاص على أحشائه كاشفة عن التناقضات الخطيرة في أحشاء الدولة الموريتانية، وتذكيرا لمن يهمه الأمر في الداخل والخارج أن الوضع السياسي الموريتاني لا يمكن بقاؤه على ما هو عليه. وأتمنى من قلبي للرئيس عزيز موفور العافية، ولأسرته الكريمة تجاوز محنتها، كما أتمنى له حياة مديدة، وراحة طويلة مع أسرته بعيدا عن المغامرات السياسية التي دخلها من الباب الخطإ، ويبدو أنه سيخرج منها من الباب الخطإ. بيد أن ما حدث يوم 13 أكتوبر أمر أكبر من شخص عزيز، فهو يلامس حياة كل الموريتانيين في الصميم، ويؤثر على مستقبل وطنهم وأبنائهم وأحفادهم. لذلك لزم الفصل بين جانب التعاطف الإنساني مع الرئيس وأسرته، وبين المصلحة السياسية للدولة والأمة. وفي سياق الفصل بين الاعتبارين تأتي هذه الملاحظات داعية إلى التفكير في صيغة عملية للانتقال من حكم عزيز إلى حكم الشعب.
لقد جاءت محاولة اغتيال عزيز في سياق محلي وإقليمي متفجر، أهم سماته:
أولا: ثورات شعبية في المنطقة، عصفت بعروش في الجوار كانت راسخة، وجعلت أخرى تترنح وتوشك على السقوط بعد أن تحررت الشعوب من الخوف وتسلحت بالأمل.
ثانيا: تطلع شعبي عميق إلى الانخراط في موجة التحرر، وبناء ديمقراطية حقيقة بعيدة عن الجزمة العسكرية التي أفسدت الحياة السياسية ببلادنا منذ العام 1978.
ثانيا: حرب مطلة برأسها على الحدود مع جمهورية مالي، ستكون لها آثار مدمرة على موريتانيا باعتبارها الخاصرة الرخوة والملجأ الذي سيلجأ إليه مقاتلو القاعدة في ساعة الحرج.
وإذا كانت المقابلة المهلهلة التي التي أجراها التلفزيون الموريتاني مع من أشيع أنه استهدف عزيز قد دلت على شيء، فإنها دلت على سخافة جهود التستر حول طبيعة العملية ودوافعها. فالضابط الشاب الذي “تخصه الخبرة”-بتعبير قائده المصاحب له- أريد له أن يلعب دورا لا يتقنه في عملية التستر، وفشل في ذلك فشلا ذريعا. وربما أثارت شهادةالضابط الشابا من الريبة حول دوافع قيادة الجيش أكثر مما رفعت من اللبس في ذهن المواطن.ومهما يكن من أمر، فإنلدى عزيز من الأعداء الألدّاء والمنافسين الأقوياء ما يكفي لفهم محاولة تصفيته دون تلفيق، كما أن موريتانيا يحيط بها من التجاذبات الإقليمية والدولية ما يكفي لتفسير الحادث دون تزويق..
على أن الأهم من إنصاف عزيز ممن حاولوا قتله ومن الكشف عما حدث له، هو إنصاف موريتانيا من عزيز وصحبه، والكشف عما ينبغي أن يحدث لها بعد هذا الحادث. فنحن نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التعافي من الصراعات الخفية في أحشاء الدولة الموريتانية، والتواضع على عقد اجتماعي جديد يضعنا على درب المجتمعات الحرة الكريمة. ولن يكون ذلك إلا بجعل هذه الحادثة نقطة تحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، ومن حكم الجيش إلى الحكم المدني. فنحن نعيش في مناخ من الثورات يُلقي بظلاله على موريتانيا، ومن الحكمة أن نتحرك إلى هذا التحول التاريخي قبل أن يتحرك إلينا، حقنا لدمائنا الزكية، وصيانة لنسيجنا الاجتماعي المترهل، وحماية لبلادنا الهشة من العواصف المتراكمة على الحدود.
وفي هذا السياق أدعو جميع الفرقاء الفاعلين في المشهد الموريتاني اليوم إلى التحلي بالجرأة والمسؤولية، والتحرك بسرعة نحو نقل السلطة إلى أيدي المدنيين بطريقة سلمية، تراعي الأعراف الدستورية، وتتسم بالحكمة السياسية، دون شماتة بالرئيس الجريح، أو جرح لمشاعر أهله وذويه.
ومن الممكن التوصل إلى هذه الخطوة الضرورية بالتعاون بين ثلاث جهات:
الأولى: المجلس الدستوري الذي هو المسؤول القانوني عن إعلان الفراغ في السلطة. وقد أعلن المجلس في فتواه الشهيرة التي سوّغت انقلاب عزيز على السلطة المدنية المنتخبة أن “منصب رئيس الجمهورية لا يحتمل الفراغ ولو للحظة واحدة، لما يترتب على ذلك من مفاسد كبيرة.” وهو اليوم أوْلى بإعلان فراغ السلطة بناء على الدلائل التي لا يختلف عليها اثنان حول محاولة اغتيال عزيز وتدهور صحته. على أن المجلس ليس هو صاحب المبادرة في اللحظة الحالية وإنما عليه انتظار طلب من الجهة الدستورية المخولة (رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان).
الثانية: أحزاب المعارضة التي يتعين عليها التعامل الإيجابي مع الوضع، والتشبث بزمام المبادرة، بدلا من تضييع الوقت في المخاوف والحسابات الصغيرة والخطى الوئيدة المترددة. فليس من ريب أن الوضع الموريتاني معقد اليوم، لكن ميزة رجل الدولة الحق هو أنه لا يفقد الحس العملي في أكثر الظروف تعقيدا. وتستطيع الأحزاب أن تسهم في انتقال السلطة اليوم من خلال التقدم بمبادرات إلى المجلس الدستوري وإلى الجيش وإلى الرأي العام في هذا المنحى، ومن خلال الاتفاق على ميثاق للتحول يضمن شفافيته القانونية والسياسية، وعدم هيمنة العسكريين عليه. وكون البرلمان يقوده رئيس حزب معارض اليوم أمر مُعين على التحرك.
الثالثة: قيادة الجيش التي هي الحاكم الفعلي في البلاد اليوم، والمتحكم بخيوط اللعبة، سواء الظاهر منها أو المستتر. وتسطيع قيادة جيشنا أن تدخل التاريخ من بابه الواسع إذا سارت على خطى الجنرال عمار في تونس، أو الفريق السيسي في مصر، وأسهمت في انتقال سلس إلى الديمقراطية الحقيقية في هذه اللحظة التاريخية الحرجة التي تتجه فيها كل الشعوب تلك الوجهة. ومن السهل على قيادة الجيش الموريتاني اليوم أن تستصدر من رئيس الوزراء طلبا للمجلس الدستوري يعلن فراغ منصب الرئاسة، ويسير في اتجاه الديمقراطية.
على أن مجرد ملء الفراغ الدستوري ليس حلا في ذاته، فقد يأتي من بعد عزيز من العسكريين من هو أشد استبدادا وتشبثا بالكرسي، وذاك (حشف وسوء كيلة) كما يقول المثل العربي. وتجربة القوى السياسية الموريتانية مع الجيش عامي 2005 و2008 تثير الريبة في قادة الجيش وتدعو إلى سوء الظن بهم. لذلك يتعين على قيادة الجيش الموريتاني أن تدرك يوم 06 أغسطس 2008 الذي أطاحت فيه بالرئيس المدني المنتخب قد نسخه يوم 17 دسمبر الذي أشعل فيه محمد البوعزيزي ثورة في الجسد العربي كله.. ومن الحكمة لقادة جيشنا أن يسايروا الموجة التاريخية بفطنة وأريحية،ويكونوا جزءا من حركة حركة التغيير لا عائقا من عوائقه، فأيُّ شدٍّ لبلانا إلى الوراء سيكون مؤذيا لهم ولشعبهم على المدى البعيد.
فعمل القوى السياسية مع الجيش اليوم لملء الفراغ الدستوري ووضع أساس لديمقراطية حقة يجب أن يتخذ المفاصلة بين المجال العسكري والمجال السياسي منطلقا وغاية، فعمل الاثنين معا في المرحلة الانتقالية غايته ضمان استقرار الدولة واستمرارها، ليسلك كلٌّ طريقه الخاص فور اكتمال الانتخابات الرئاسية والتشريعية: قيادة سياسية مدنية ينتخبها شعبها ويخُضعها للمراقبة والمحاسبة، وجيش وطني يأتمر بأوامر القيادة المدنية الشرعية وينأى بنفسه عن السياسة. فما تحتاجه موريتانيا اليوم هو الانتقال من سلطة عزيز إلى سلطة الشعب، لا الانتقال إلى من يد عسكرية إلى أخرى..
لقد جاءت محاولة اغتيال عزيز في سياق محلي وإقليمي متفجر، أهم سماته:
أولا: ثورات شعبية في المنطقة، عصفت بعروش في الجوار كانت راسخة، وجعلت أخرى تترنح وتوشك على السقوط بعد أن تحررت الشعوب من الخوف وتسلحت بالأمل.
ثانيا: تطلع شعبي عميق إلى الانخراط في موجة التحرر، وبناء ديمقراطية حقيقة بعيدة عن الجزمة العسكرية التي أفسدت الحياة السياسية ببلادنا منذ العام 1978.
ثانيا: حرب مطلة برأسها على الحدود مع جمهورية مالي، ستكون لها آثار مدمرة على موريتانيا باعتبارها الخاصرة الرخوة والملجأ الذي سيلجأ إليه مقاتلو القاعدة في ساعة الحرج.
وإذا كانت المقابلة المهلهلة التي التي أجراها التلفزيون الموريتاني مع من أشيع أنه استهدف عزيز قد دلت على شيء، فإنها دلت على سخافة جهود التستر حول طبيعة العملية ودوافعها. فالضابط الشاب الذي “تخصه الخبرة”-بتعبير قائده المصاحب له- أريد له أن يلعب دورا لا يتقنه في عملية التستر، وفشل في ذلك فشلا ذريعا. وربما أثارت شهادةالضابط الشابا من الريبة حول دوافع قيادة الجيش أكثر مما رفعت من اللبس في ذهن المواطن.ومهما يكن من أمر، فإنلدى عزيز من الأعداء الألدّاء والمنافسين الأقوياء ما يكفي لفهم محاولة تصفيته دون تلفيق، كما أن موريتانيا يحيط بها من التجاذبات الإقليمية والدولية ما يكفي لتفسير الحادث دون تزويق..
على أن الأهم من إنصاف عزيز ممن حاولوا قتله ومن الكشف عما حدث له، هو إنصاف موريتانيا من عزيز وصحبه، والكشف عما ينبغي أن يحدث لها بعد هذا الحادث. فنحن نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التعافي من الصراعات الخفية في أحشاء الدولة الموريتانية، والتواضع على عقد اجتماعي جديد يضعنا على درب المجتمعات الحرة الكريمة. ولن يكون ذلك إلا بجعل هذه الحادثة نقطة تحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، ومن حكم الجيش إلى الحكم المدني. فنحن نعيش في مناخ من الثورات يُلقي بظلاله على موريتانيا، ومن الحكمة أن نتحرك إلى هذا التحول التاريخي قبل أن يتحرك إلينا، حقنا لدمائنا الزكية، وصيانة لنسيجنا الاجتماعي المترهل، وحماية لبلادنا الهشة من العواصف المتراكمة على الحدود.
وفي هذا السياق أدعو جميع الفرقاء الفاعلين في المشهد الموريتاني اليوم إلى التحلي بالجرأة والمسؤولية، والتحرك بسرعة نحو نقل السلطة إلى أيدي المدنيين بطريقة سلمية، تراعي الأعراف الدستورية، وتتسم بالحكمة السياسية، دون شماتة بالرئيس الجريح، أو جرح لمشاعر أهله وذويه.
ومن الممكن التوصل إلى هذه الخطوة الضرورية بالتعاون بين ثلاث جهات:
الأولى: المجلس الدستوري الذي هو المسؤول القانوني عن إعلان الفراغ في السلطة. وقد أعلن المجلس في فتواه الشهيرة التي سوّغت انقلاب عزيز على السلطة المدنية المنتخبة أن “منصب رئيس الجمهورية لا يحتمل الفراغ ولو للحظة واحدة، لما يترتب على ذلك من مفاسد كبيرة.” وهو اليوم أوْلى بإعلان فراغ السلطة بناء على الدلائل التي لا يختلف عليها اثنان حول محاولة اغتيال عزيز وتدهور صحته. على أن المجلس ليس هو صاحب المبادرة في اللحظة الحالية وإنما عليه انتظار طلب من الجهة الدستورية المخولة (رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان).
الثانية: أحزاب المعارضة التي يتعين عليها التعامل الإيجابي مع الوضع، والتشبث بزمام المبادرة، بدلا من تضييع الوقت في المخاوف والحسابات الصغيرة والخطى الوئيدة المترددة. فليس من ريب أن الوضع الموريتاني معقد اليوم، لكن ميزة رجل الدولة الحق هو أنه لا يفقد الحس العملي في أكثر الظروف تعقيدا. وتستطيع الأحزاب أن تسهم في انتقال السلطة اليوم من خلال التقدم بمبادرات إلى المجلس الدستوري وإلى الجيش وإلى الرأي العام في هذا المنحى، ومن خلال الاتفاق على ميثاق للتحول يضمن شفافيته القانونية والسياسية، وعدم هيمنة العسكريين عليه. وكون البرلمان يقوده رئيس حزب معارض اليوم أمر مُعين على التحرك.
الثالثة: قيادة الجيش التي هي الحاكم الفعلي في البلاد اليوم، والمتحكم بخيوط اللعبة، سواء الظاهر منها أو المستتر. وتسطيع قيادة جيشنا أن تدخل التاريخ من بابه الواسع إذا سارت على خطى الجنرال عمار في تونس، أو الفريق السيسي في مصر، وأسهمت في انتقال سلس إلى الديمقراطية الحقيقية في هذه اللحظة التاريخية الحرجة التي تتجه فيها كل الشعوب تلك الوجهة. ومن السهل على قيادة الجيش الموريتاني اليوم أن تستصدر من رئيس الوزراء طلبا للمجلس الدستوري يعلن فراغ منصب الرئاسة، ويسير في اتجاه الديمقراطية.
على أن مجرد ملء الفراغ الدستوري ليس حلا في ذاته، فقد يأتي من بعد عزيز من العسكريين من هو أشد استبدادا وتشبثا بالكرسي، وذاك (حشف وسوء كيلة) كما يقول المثل العربي. وتجربة القوى السياسية الموريتانية مع الجيش عامي 2005 و2008 تثير الريبة في قادة الجيش وتدعو إلى سوء الظن بهم. لذلك يتعين على قيادة الجيش الموريتاني أن تدرك يوم 06 أغسطس 2008 الذي أطاحت فيه بالرئيس المدني المنتخب قد نسخه يوم 17 دسمبر الذي أشعل فيه محمد البوعزيزي ثورة في الجسد العربي كله.. ومن الحكمة لقادة جيشنا أن يسايروا الموجة التاريخية بفطنة وأريحية،ويكونوا جزءا من حركة حركة التغيير لا عائقا من عوائقه، فأيُّ شدٍّ لبلانا إلى الوراء سيكون مؤذيا لهم ولشعبهم على المدى البعيد.
فعمل القوى السياسية مع الجيش اليوم لملء الفراغ الدستوري ووضع أساس لديمقراطية حقة يجب أن يتخذ المفاصلة بين المجال العسكري والمجال السياسي منطلقا وغاية، فعمل الاثنين معا في المرحلة الانتقالية غايته ضمان استقرار الدولة واستمرارها، ليسلك كلٌّ طريقه الخاص فور اكتمال الانتخابات الرئاسية والتشريعية: قيادة سياسية مدنية ينتخبها شعبها ويخُضعها للمراقبة والمحاسبة، وجيش وطني يأتمر بأوامر القيادة المدنية الشرعية وينأى بنفسه عن السياسة. فما تحتاجه موريتانيا اليوم هو الانتقال من سلطة عزيز إلى سلطة الشعب، لا الانتقال إلى من يد عسكرية إلى أخرى..