نحن في عصر النهايات والكل يتحدث بطريقته الخاصة عن هذه الحتمية التاريخية, فقلق الوجوديين يبررونه بالخوف من النهايات والمؤرخون يؤكدون أن عصرنا هو عصر نهاية التاريخ , فقد صرح بذلك فوكوياما في مقاربته السكونية تكريسا للنموذج الأمريكي وعولمته.
وقد أشار إلى ذالك قبله فيلسوف ومنظر الدولة البروسية هيجل حين اعتبر أن الحكم البروسي قد حقق المطلق معبرا بذلك عن نهاية تاريخ الإبداع السياسي ،وأخيرا وليس آخرا تحدث ابو العباس عن نهاية العود الأبدي , كما أن بعض السياسيين والمنظرين يرون في أدبياتهم أن الربيع العربي يحيل إلى نبوءات كارل ماركس حول سيادة البروليتاريا في مرحلة ما قبل انحلال الدولة باختفاء الدكتاتوريات والاستبداد, كذالك التيولوجيون والباحثون في هذ المجال يتحدثون بقناعة أن هذ العصر عصر المهدوية وعودة عيسى عليه السلام التي تشير إلى نهاية الدنيا بالمفهوم الإسلامي ,أ ضف إلى ذلك آراء بعض المحللين الاقتصاديين الذين توصلوا في مقارباتهم إلى أن نضوب البترول مؤشر قوي على نهاية عصر التكنولوجيا والحضارة في ظل غياب بدائل للطاقة الكهربائية حتى الآن تكون صديقة للبيئة, وعلماء البيئة هم كذالك أعلنوا عن قرب تلاشي طبقة الأوزون مما ستترتب عليه نهاية الحياة البيولوجية على كرتنا الأرضية .
ولم تتخلف بلاد الأرض السائبة هذه المرة عن الركب ، اذ اعلنها القائد المظفر حربا لا هوادة فيها على الفساد منهيا تاريخ مسلسل الفساد والمفسدين , ولم تشذ المعارضة بشقيها عن هذه النظرية فالمعارضة المحاورة بالقوة ! تتحدث عن نهاية حكم العسكر وعن نهاية دستور 20 يوليو 1991 طبعا بعد التعديلات التي اجريت عليه , وكذلك انتهاء تاريخ صلاحية وشرعية البرلمان , اما المعارضة المحاورة بالفعل! فقد اعلنت من جانبها عن نهاية الازمات السياسية والى الابد كما اعلنت بصفة استثنائية عن نهاية علم المنطق ! منتقدة بعبقريتها العظيمة الاطروحات الأرسطية القائمة على المبادئ العقلية التى أسس عليها علم المنطق معلنة نهايته .
فنحن إذا في بلد اللامنطق بعد ان أثبتت المعارضة المحاورة بالفعل ! وعلى ارض الواقع فشل صدقيه المبدأ العقلي الشهير (مبدأ عدم التناقض) وهومبدأ من مبادئ العقل بنى على أساسه المناطقة اليونان الأقدمون نظرياتهم، حيث يقوم هذ المبدأ على استحالة الجمع بين النقيضين في آن واحد كالوجود والعدم , الصدق والكذب !, الخير والشر !,العدل والظلم! الإصلاح والفساد! ,النظام والفوضى!, المصلحون والمفسدون !, المعارضة و الموالاة !….الخ .
وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن هو آخر من طبق نظرية (مبدأ عدم التناقض) بعد أحداث نيويورك سيتي 11 أيلول سبتمبر 2001 حين أعلن أن العالم أصبح فسطاطين متناقضين لا يمكن الجمع بينهما فإما أن تكون معنا في حربنا على (الإرهاب) وإلا فستعتبر في محور الشر وبالتالي فأنت إرهابي يعني بذلك أن دول العالم إما أن تكون صديقة أو تكون عدوة للولايات المتحدة مستندا على المبدأ العقلي الشهير( مبدأ الثالث المرفوع) ، مستبقا الأحداث قبل أن تعلن المعارضة المحاورة بالفعل! في بلاد الأرض السائبة نهاية علم المنطق وقبل أن تضيع الفرصة ، فلربما أوعز إليه بعض الحكماء انه يوشك في زماننا هذ ظهور قوم في الضفة الأخرى للأطلسي سيعلنون انتهاء صلاحية علم المنطق . فكيف إذن أنهت عبقريتنا الفذة تاريخ مسيرة علم المنطق؟ و كيف حطمته بعد أن استعصى هدمه على نظريات المنطق الرياضي و الهندسات اللاإقليدية المعاصرة لكل من Riemann, Lobatchovesky , J.S.Mill ؟
كان ذالك الحدث العظيم ! في ليلة ليلاء ذات شأن في حلقة (الحوار) التلفزيوني الشهير التي كان من المفترض أن تكون حول التعديلات الدستورية إلا أنها لم تكن في نظر البعض إلا مجرد إعلان عن تعديلات ستجريها أطراف( الحوار) في مبادئ علم المنطق وفي منظومة ممارستنا الديمقراطية(أعني ما حدث في تلك الحلقة) قبل أن تكون حلقة (حوار) حول التعديلات الدستورية , اذ جلست المعارضة المحاورة بالقوة ! في الجانب الأيسر من الصحفي اللامع تقي الله الذي استمات في سبيل ان يكون اسمه دالا على مسماه , في حين كانت تجلس المعارضة المحاورة بالفعل ! في الجانب الأيمن المخصص للموالاة جامعة بذلك بين محرمتي الجمع (معارضة وموالاة) متحدية بذالك مبدأ عدم التناقض , معلنة نهايته , مقصية للثالث المرفوع ! من الحياة السياسية .كم نحن موهوبون!أن أصبحنا نحن القوم الذين تحدث عنهم حكماء ومستشارو جورج بوش من الضفة الأخرى للأطلسي ، كم نحن فخورون ! بعبقريتنا وسعة خيالنا المنطقوسياسي كم نحن محظوظون ! أن كنا نحن من سيوقف علم المنطق عند حده ! كم نحن مسرورون! أن كنا هذه المرة نحن السباقون إلى ابتكار آليات جديدة في تقنية الحوار اعترافا منا بضرورته وحتميته ، فالمنطق أو اللامنطق السياسي يفرضان على الموالاة والمعارضة بشقيها ضرورة تنظيم حوار جاد وبناء قبل فوات الأوان ، وما يترتب عن ذلك من أجراء تعديلات على الدستور وعلى علم المنطق ، يشارك فيه جميع الفر قاء السياسيين حول مختلف القضايا الشائكة في هذ البلد كتنظيم المؤسسات الدستورية و إشكالية العلاقة وتوازن الصلاحيات بينها:(الفصل بين السلطات الأربعة التنفيذية ,التشريعية ,القضائية ,والإعلامية) كذلك إشكالية التناوب السلمي أو غير السلمي ! على السلطة ومعضلة التعليم (إشكالية الهوية)وما يترتب على ذالك من قضايا اجتماعية و ثقافية…الخ . ولا أدل على ذالك من أن السيد الرئيس عبر ولازال يعبر عن هذ الموقف علنا او ضمنيا في زياراته التفقدية لمختلف المرافق العمومية وكذالك نواب الاغلبية يستميتون في التعبير عن ذالك والمعارضة بشقيها المفاوضون بالفعل ! والمفاوضون بالقوة ! تنادي هي الأخرى ان لا مهرب من الحوار إلا إليه .هذا في الوقت الذي لا تزال مشكلة الحوار تراوح مكانها فما المشكلة اذا ؟ مما قد يوحي – للبسطاء الذين لا يفهمون علم منطق السياسة أوعلم لا منطقها , والذين لا يدركون كنه ما يجري وراء الكوليس- بالتساؤل حول ماهية هذ الحوار هل هو غاية ام وسيلة ؟؟! هل هم جادون في ذلك ؟؟! من غير ان يستبعد هؤلاء طبعا من حساباتهم المبدأ المكيافيللي فالغاية تبرر الوسيلة .
والخلاصة أن أطراف الحوار بالفعل ! ترى في مقاربتها أنها أتت بما لم يستطعه الأولون فاني وان كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
وأنها تستحق على الجميع أن يقف إجلالا لها وتسليمها براعة اختراع ، إذ أنها استطاعت بحنكتها وعبقريتها السياسية إنهاء تاريخ علم المنطق الصوري الأرسطي واستبداله بالمنطق المادي مع فرانسيس بيكون ورفعها لهذ الإشكال بجمعها بين المتناقضات فهي( معارضة موالية ) وهذا في حد ذاته في نطر البعض إنجاز عظيم يضاهي ما تحقق على أرض الواقع .
أما أطراف الحوار بالقوة ! فهي ترفض نتائج هذ (الحوار) وتصفه بالمهزلة وانه لا يقدم ولا يؤخر بل إن قيمته في نظرها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتب به رافضة بذلك نتائجه ممتنعة عن إنهاء علم المنطق -خوفا من الوقوع في الخطأ- لعلها تكون يوما مــــــا (محظوظة ) لتتولي هي بنفسها الإعلان عن نهايته . لم لا ؟ فالسياسي براجماتي بطبيعته.
بقلم محمدعبد الله ولد محمد يحي
[email protected]