محمد عبد الجليل ولد يحي ـ طالب بجامعة نواكشوط
إن المراقب لما تعيشه اليوم جامعة نواكشوط من هزات وتجاذبات يتخل له أن البعض من مكونات الشعب الموريتاني سياسيين وإعلاميين وعسكريين أجمعوا على أن يسحبوا البساط من هذه القلعة العلمية الشامخة اليتيمة بعد أن نهل من معينها الثر، الكثير من أبناء جلدتنا في الثمانينات والتسعينات وحتى بعد الألفين وأحد عشر فخرّجت الأدباء والقانونيين والاقتصاديين والتقنيين والأطباء… إلخ.
أما اليوم وفي هذه السنة 2012 المليئة بالأحداث “المتسرِّعة” أو “المتسارعة” فكأن الكل يجلجل بصوت واحد “حان لهذا الصرح العلمي أن يندثر، لقد انتهى تاريخ صلاحيته“.
لقد حاولت جاهدا أن يطاوعني قلمي في أن أتطرق بشيء من التفصيل عن الأسباب والمؤشرات التي تدل على صدقية المقولة الآنفة، فأبى أن يطاوعني قلمي وجاء رده سريعا” أليس الكل يعرف جيدا أن لا حضارة لأمة ليس لها رجال قانون ولا رجال اقتصاد ولا أدباء ولا أطباء… فقلت صحيح، فعدت الكرة ثانيا فساعدني ولم يطلق لي العنان، فقسم أن لا يرشح بتحميل المسؤولية لأي شخص بعينه، فقلت لبيك لبيك، إنما أحاول سرد بعض القصص التي تحاك داخل أروقة الحقل الطلابي من خلال نقاشات هادئة علَّها أن تكون هادفة.
إنما يحدث في جامعة انواكشوط من تدخل سافر للسياسيين والأمنيين ومزايدات إعلامية قل لها النظير تنبأ بأننا قادمون إلى طريق مسلكه وعر.
القصة الأولى، يتخيل لي وأنا قادم في أوقات الدراسة إلى هذه الجامعة أن مشروع مرسوم صادق عليه مجلس الوزراء يقضي بتحويلها إلى مقر للإدارة الجهوية للأمن أو مدرسة عسكرية، فلا يكاد يخلو أي باب أو نافذة من هذه القلعة العلمية من وجود أفراد قواتنا البواسل، فأتساءل لِمَ لا يلبسون الزي المدني ويخلعون البزَّة العسكرية ويجلسون على كراسي تلك المدرّجات إذا كانوا أتوا من أجل الدراسة؟ فيجيب آخر لا لم يأتوا لأجل الدراسة وإنما جاءوا من أجل حماية جامعتنا الفتية من التخريب والدمار وأن لا تكون السنة بيضاء أو سوداء أو رمادية اللون، فتساءلت مرة أخرى ومن يريد تخريبها؟ فرد علي قائلا “بعض من أبنائها”،فقلت هذا لا يعقل ولا يصح أن يكون، يضيف آخر صدقت الأمر ليس كذلك بل هناك أيادي تتحرك في الخفاء تقف وراء تلك المظاهر الأمنية لم ينكشف غمامها بعد، فقلت في نفسي هذا أقرب إلى الواقع.
تبدأ القصة الثانية وغمام الأولى لم ينقشع بعد.
ألا وهي المزايدات الإعلامية، قد ساهم بعض المواقع الإلكترونية للأسف في رفع راية محاولة شلّ الدراسة الجامعية، مما أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أحد تلك المواقع بالخصوص (يعرف نفسه جيدا) ما يرفعه من شعار “الاستقلالية” ليس إلا سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماء وهو ليس كذلك، بل ينفذ أجندات إملائية حزبية بحتة، وكان لتلك الوسيلة الإعلامية الحظ الأوفر في المساهمة في تثبيط الكثير من الطلاب عن الحضور لبعض الدروس المستمرة في الجامعة وذلك من خلال ما يكتب في ذلك “الموقع” ورسائل الاشتراك من معلومات “متسرِّعة” ففي الأسبوع الماضي كل يوم كان يكتب ذلك الموقع أو تلك المواقع ما مفاده “إضراب شامل في جميع كليات الجامعة” وهذا الخبر قطعا عار من الصحة خاصة في كلية القانون التي كنت أحضر الدروس التي تلقى فيها من حين لآخر في أوقاتها المحددة، فمنذ يوم السبت وحتى الخامسة مساء الخميس كانت الدروس تقام في هذه الكلية بطريقة عادية ولم ألاحظ للأمانة غياب يذكر لزملائي الطلاب ولا طوقا أمنيا أضخم مما أصبح للأسف منذ شهرين أو أكثر روتينيا ، وأتذكر أنني في بحر الأسبوع الماضي تصفحت بعض المواقع ورسائل “الاشتراك” فإذا بها تفيد بمعلومات مصدرها قيادي في الناقابات المطالبة بالإضراب مفاد تلك المعلومة “إضراب شامل في الجامعة” فوقفت حائرا وتساءلت لماذا تقتصر هذه المواقع على مصادر تشهد لنفسها،؟ ولم لا تأتي وتشاهد بأم أعينها ما يحدث،؟ استجابة للمثل القديم ” ليس من رأى كمن سمع” ولو افترضنا أنه في الصباح الباكر شلّت الدراسة بسبب الصدامات من هنا وهناك فلم لا يتابعون الحدث لحظة بلحظة وإذا تمت السيطرة على الوضع وعادت الأمور إلى نصابها تكتب ما استجد في الوضع، إذا كان شعار” الاستقلالية” الذي ترفعه سامقا غير مُمَوَّهْ، أم أن الأمر كما قيل” تُشُوِرَ فيه بليل” وبالتالي “الهدف والغاية المساهمة في نجاح ما يدعوا له البعض من إضراب من أجل سنة “بيضاء” أو سوداء” أو رمادية“.
بيد أنما أريد التأكيد عليه قبل ختم هذه العجالة هو أن أولئك القائمين على ذلك “الموقع” أو تلك المواقع يجب عليهم أن يتحلوا بمسؤولية الإعلامي، ألا وهي الصدق والأمانة في الخبر، وإشاعة روح التثقيف والتنوير، لا إشاعة روح التثبيط عن الدروس والإضراب.
وتبدأ القصة الثالثة: لقد أصبت بصدمة عندما تناولت وسائل الإعلام ما اصطلح عليه أخيرا بمسرحية “فندق الخيمة” فتساءلت حتى” المسؤولون الكبار” يدخلون عالم العمل النقابي الطلابي؟ يجيب آخر المسرحية مفبركة الأمر ليس بتلك الدرجة بل إن مجموعة الطلاب كانت منضوية تحت لواء إحدى الاتحادات ولاحظت في الآونة الأخيرة أن ذلك “الاتحاد” ليس هدفه العمل النقابي البحت، بل هو فرع من أصل يعمل وفق أجندات ذلك الأصل، فكان هذا هو السبب من وراء انسحابها لتصف نفسها فيما بعد ب”الأحرار”، فتساءلت أهذا صحيح؟ يضيف آخر لا وكلا بل هناك جهات سياسية موالية للنظام تعمل على شق الصف الطلابي المتمسك بالعروة الوثقى، يتدخل آخر ويضيف “ألم يعتلي على عرش منصة ساحة ابن عباس رئيس حزب معارض ويجلجل بصوته بكلام تنفاح منه رائحة تلك العلاقة الوطيدة ما بين الأصل والفرع، وكان الوقت مناسبا لذلك زمانا ومكانا، وشجع تلك النقابة على صمودها وإضرابها حتى ولو وصل الأمر إلى شل الدراسة الجامعية لتكون النتيجة “سنة بيضاء” ويكون الهدف الأول والأخير المساهمة في النهوض بتلك الورقة السياسية التي يروج لها بعض ساسة المعارضة المحترمون الساهرين على مصلحة الشعب والأمة.
بيد أن ما يبدو من خلال سرد هذه المعطيات من هنا وهناك يظهر بجلاء أن مستقبل جامعتنا الفتية مجهول، ما لم تكفَّ تلك الجهات السياسية الموالية أو المعارضة أياديها المتلطخة بأزمة الجامعة المفتعلة، وتترك الطلاب يناضلون عن مطالبهم المشروعة بحرية بأسلوب حضاري طلابي بحت، وتبتعد كل البعد تلك الجهات عن التدخل السافر في الحقل الطلابي ومحاولة إقحامه في تجاذبات لا ناقة له فيها ولا جمل،”أخنى عليها الذي أخنى على لبدي“.
وفي الأخير فإلى متى يستمر نزيف “الجامعة” المثخنة بالجروح؟ أما آن لتلك الجراح أن تندمل؟