بكاي آغ محمد أحمد: نخشى تدخل سلاح الجو الجزائري ضدنا بذريعة الحرب على الإرهاب
تومبوكتو ـ صحراء ميديا
منذ أكثر من أسبوع بدأت إرهاصات الحرب تتضح شمال مالي، وذلك حين بدأ الجيش في عملية إعادة انتشار واسعة في ثلاث ولايات شمالية هي تمبكتو وكيدال وغاو، فيما بدأت الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة أنصار الدين بالتحرك في نفس المنطقة.
تعزيزات الجيش المالي في المنطقة كانت بقيادة ضباط شماليين عرفوا بولائهم المطلق لباماكو منذ دخولهم الجيش في تسعينيات القرن الماضي، كما يحظون بثقة كاملة من طرف نظام أمادو توماني توري الذي أوكل إليهم قيادة المواجهات لخبرتهم في المنطقة ودرايتهم بالقتال ضد من يصفونهم بـ”المسلحين القادمين من ليبيا”.
الشرارة الأولى انطلقت يوم الثلاثاء من مدينة “منيكا” التي كثيرا ما ربطتها الحكومة المركزية بملف العائدين من ليبيا، فحسب مصادر قبلية محلية المدينة كانت مسرحا لخطة دمج أعداد كبيرة من المسلحين العائدين من ليبيا في الجيش المالي، وذلك مقابل مساعدات ومشاريع.
الجيش المالي كان قد ركز على “منيكا” والمناطق القريبة منها في تعزيزاته الأخيرة المخصصة لولاية غاو، وهو ما برره مصدر عسكري مالي، في اتصال مع صحراء ميديا، بأن معلومات تحصلوا عليها أفادت بوصول مقاتلين من الحركة الوطنية لتحرير أزواد إلى منطقة “منيكا”، مؤكداً أنهم كانوا مسلحين بشكل يفوق تسليح الجيش المالي.
في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء، حسب ما أعلنته الحركة الوطنية لتحرير أزواد، قام مقاتلوها بالهجوم على مدينة “منيكا” والسيطرة عليها دون وقوع أي خسائر، مؤكدة في نفس السياق أسر عدد كبير من الجنود من بينهم 10 من كبار الضباط إضافة إلى إسقاط مروحية عسكرية، على حد تعبيرها.
فيما نفى مصدر عسكري مالي أن تكون الحركة قد تمكنت من أسر جنود ماليين، وأضاف “لقد كنت آخر من غادر المعسكر ولم أعلم بوقوع جنود في الأسر”، فيما أكد أن إحدى مروحيات الجيش أصيبت بعيار ناري ثقيل من مدفع 14.5 نافيا في نفس الوقت أن تكون المروحية قد سقطت.
هذا وبعد ليلة هادئة تجددت الاشتباكات صباح الأربعاء، حيث أكدت مصادر محلية أن مقاتلي الحركة هاجموا مراكز الدرك في عدة مدن من ولاية غاو، لتصل هجماتهم إلى كل من انسغو، تيسي وأنتيلليت، وهي تجمعات سكنية تخلو من الجيش، وحسب نفس المصادر فإن الحركة أسرت عددا من عناصر الدرك واستولت على كميات معتبرة من الأسلحة والذخائر.
واصلت الحركة توسيع هجماتها يوم أمس حيث تمكنت من السيطرة على منطقة اجلهوك، 60 كلم شمال مدينة كيدال، وهي واحدة من أهم المناطق العسكرية في الولاية، إضافة إلى “ابيبرا” التي تسيطر عليها حركة أنصار الدين منذ تأسيسها بقيادة إياد آغ غالي.
أما “تسليت” التي تبعد عن منطقة “اجلهوك” حوالي 40 كلم، وعن منطقة “ان خاليد” التي تقع على الحدود مع الجزائر 150 كلم، وهي التي يقع فيها أحد أهم معسكرات الجيش المالي، والمعروفة أيضاً بموقعها الاستراتيجي الهام حيث كانت موضع اهتمام غربي كبير من أجل وضع قواعد عسكرية فيها، فقد تحدث أهاليها عن سماع دوي اشتباكات منذ الساعات الأولى من فجر الأربعاء.
مصدر عسكري مالي أكد أن مقاتلين من الحركة نصبوا كمينا لتعزيزات عسكرية كانت تغادر “تسليت” متوجهة إلى منطقة “اجلهوك”، فحدثت اشتباكات بين الطرفين خلفت قتيلاً واحدا وثلاثة جرحى في صفوف الحركة، إضافة إلى احتراق ثلاث سيارات تابعة لها، حسب نفس المصدر.
وبحسب مصدر محلي داخل “تسليت” فإن الاشتباكات بدأت حوالي السابعة صباحاً خارج المدينة، وعند منتصف النهار وصلت إلى داخلها، مضيفاً بأنهم رأوا سيارتين تابعتين للحركة تحترقان، على حد وصفه.
بكاي آغ محمد أحمد، في اتصال مع صحراء ميديا، قال إن سيارتين تابعتين للحركة احترقتا في مواجهات “تسليت”، مؤكداً في نفس السياق أن سياراتهم تعيد انتشارها من أجل تحرير المدينة.
وقال آغ محمد أحمد إنهم عندما هاجموا معسكر “امشاش”، 7 كلم من “تسليت”، اكتشفوا وجود “جنود جزائريين هم من يخطط ويدرب عناصر الجيش المالي”، مؤكداً أن الجزائر طلبت منهم مهلة لإخراج جيشها.
وأضاف “نحن نخاف من استخدام الجزائر لذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير شن هجوم جوي علينا، رغم علمها بعدم وجود أي علاقة لنا بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، لذلك نرجو من المجتمع الدولي عدم السماح لها بذلك”، على حد تعبيره.
وفي اتصال مع محمود آغ غالي، رئيس المكتب السياسي للحركة الوطنية لتحرير أزواد، أكد أنهم “حرروا منكا وإن تيللت واجلهوك وتسليت”، مضيفاً في نفس السياق أنهم “عازمون على تحرير كافة التراب الأزوادي”.
وأضاف آغ غالي بأن مطلبهم الأساسي هو “الاستقلال”، معتبراً أن حكم مالي جعل من مناطقهم “ساحة لكل من هب ودب، ونحن لن نرضى بأن تكون منطقتنا ساحة للخارجين على القانون والمهددين لأمن وسلامة دول الجوار”، على حد تعبيره.
وقال محمود آغ غالي إن الحديث عن عائدين من ليبيا “غير صحيح”، مضيفاً بأن “أغلب الضباط الموجودين في الحركة كانوا ناشطين في الحركات السابقة إبان التسعينيات قبل أن ينخرطوا في الجيش المالي وهاهم يخرجون للثورة مرة أخرى”.
وأضاف آغ غالي بأن “الحركة كانت دائماً تمتلك الكثير من الأسلحة، حتى قبل الأزمة الليبية”، مؤكداً أنهم “حاربوا بأسلحتهم في عدة حروب سابقة وهم ليسوا بحاجة لأسلحة ليبيا”، على حد تعبيره.
وقال رئيس المكتب السياسي للحركة إن قوات الحركة تبسط في الوقت الراهن كامل سيطرتها على مدينة منكا التي وصفها بثالث أهم مدينة في إقليم أزواد من حيث الكثافة السكانية والأهمية الإستراتيجية بعد مدينتي تمبكتو وجاوه.
وأضاف أن حركته تمكنت من أسر عدد كبير من الجنود الماليين وإسقاط طائرة مالية وإبعاد أخرى بعدما حاولتا ضرب معاقل مقاتلي الحركة.
وفيما تتواصل الاشتباكات ما بين الحركة والجيش المالي يبقى السكان المحليون من الطوارق يشعرون بخوف شديد أمام متابعتهم للتعزيزات التي يدفع بها الجيش المالي إلى المنطقة، حيث يتحدث بعضهم عن ذكريات ثورة التسعينيات “التي استهدف فيها الجيش الأطفال والنساء والشيوخ”، إضافة إلى ما يصفونه بأنه كان “محاولة إبادة جماعية”.
ورغم الخوف الذي يحس به السكان المحليين لأغلب الأقاليم الشمالية إلا أنهم مقتنعون بعدم قدرة الجيش على مواجهة مقاتلي الحركة.
هذا وينقسم الشارع في شمال مالي ما بين دعاة إلى نزوح النساء والأطفال إلى الدول المجاورة في حالة ما إذا تطور الوضع، فيما يرفض آخرون ذلك مصرين على البقاء وعدم تكرار تجارب النزوح السابقة في تسعينيات القرن الماضي.
مع كل هذا فإن أغلب السكان المحليين يحملون السلطات المالية مسؤولية ما يحدث، معتبرين أنه نتيجة حتمية للفساد وسوء التسيير فيما يتعلق بالمشاريع التنموية التي تحصل عليها مناطق شمال مالي، إضافة إلى عدم احترام اتفاقيات السلام، على حد تعبير هؤلاء.