مفتي قاعدة الصحراء..موريتاني جهاده ضد جبهات كل المرشحين
الربيع ولد ادوم – نواكشوط
بينما غرقت مدن موريتانيا وأريافها في أجواء حملة انتخابية هي الأسخن في تاريخها، وعاش سكان هذه البلاد على وقع تنافس محموم، لم يقطع متابعة فصول الصراع السياسي على بعض الاعلاميين سوى صوت قادم من مثلث الصحراء الشمالية الشرقية، حيث تتقاطع حدود ثلاث من أكبر دول المنطقة رقعة جغرافية (موريتانيا ـ الجزائرـ المغرب).
مرسوم جديد من “القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” يقضي بتعيين “أبو أنس الموريتاني” مفتيا لمنطقة الصحراء حيث يبسط التنظيم المتشدد سيطرته على أجزاء متحركة منها.
في شريطه الذي أصبح ذائع الصيت على “اليوتوب” ومنتديات القاعدة على الانترنت، يصف “عبد الرحمن أبو أنس” الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع، واعلي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري المترشح لانتخابات الرئاسة و محمد ولد عبد العزيز على أنهم ”في خدمة الصليبيين”
وحرّض قاضي قاعدة الصحراء من أسماهم ”أهلنا في شنقيط”، على وقف مسار الديمقراطية في البلاد التي ”غيبت الإسلام من الدولة”، قائلا إن هذا المسار ”جعل الأعداء يستأسدون علينا ودفع إلى ظهور مآس للمسلمين في ربوع موريتانيا”.
لم يكن القاضي الجديد لكتائب القاعدة في الصحراء يتوقع اختياره في هذا المنصب الذي وضعه على قائمة اصحاب الشورى في تنظيم معقد في صحراء إفريقيا المترامية، حيث يقيم المقاتلون في أدغال خطرة.. تماما كما وضعه أيضا على قائمة الإرهابيين الذين تطالب الولايات المتحدة برؤوسهم.
فعندما وصل “عبد الرحمن” إلى الصحراء قادما من نواكشوط عام 2006 كان مقاتلا عاديا استغرق وقتا ليثبت ذاته في التنظيم الذي يضع كل مقاتل جديد تحت المراقبة الدائمة.
“عبد الرحمن التندغي” هو واحد من أولئك المقاتلين الذين لا توجد عنهم معلومات كثيرة في ارشيف الأمن المركزي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط نظرا لاختفائه المفاجئ وتدرجه في تنظيم القاعدة وهو على ما يبدو سبب تعيينه قاضيا للقاعدة.
لكن “صحراء ميديا” توصلت الى معلومات حول هوية القيادي في القاعدة، وهو موريتاني الجنسية عرّفه تنظيم القاعدة بصفة ”قاضي إمارة الصحراء وعضو مجلس الشورى”، يكنى ”عبد الرحمن أبي أنس الشنقيطي” ويقدم اسم “الشيخ” على اسمه نظرا لاحترام المقاتلين لثقافته الدينية الواسعة.. وقد حرص على الظهور ملثما في التسجيلات التي تطلبها منه قيادة القاعدة.
وتفيد المعلومات الحصرية بأنه إمام من أئمة القاعدة واسمه الحركي “الشيخ أبو انس الشنقيطي” واسمه الحقيقي “عبد الرحمن ولد عبد الله ولد محمد” وهو من مواليد شتاء 1975 في مدينة نواكشوط، ويستعمل اسما بديلا في صفوف المقاتلين، وهو “عبد الرحمن التندغي” نسبة الى قبيلته في موريتانيا.
تربى بين نواكشوط ومدينة بتلميت، وعمل لفترة إماما لمسجد في العاصمة وهو خطيب مفوه، وكان من تلامذة الشيخ محمد انس، والعالم القاضي التقي ولد محمد عبد الله وكذلك الشيخ بداه ولد البصيري رحمة الله.. ويقول عن نفسه : “أنا شنقيطي تندغي أكره الأمريكيين”.
تتبع سيرة الرجل لا يخلوا من مفاجآت غريبة في حياته.. ففي نوفمبر 1998 كان عبد الرحمن على موعد مع حدث مهم حيث تم تصنيفه كأحسن هداف في دوري الشباب بحي بوحديده في العاصمة نواكشوط، وتنبأ له أصدقاءه بمستقبل كروي باهر.. لكن الأقدار حملت الشاب الذي يتمتع ببنية جسدية يحسده عليها الكثيرون، من تلك الملاعب التي يسعى فيها اللاعب لتحقيق هدف تحكمه الروح الرياضية.. الى ملاعب الإرهاب.. حيث أصبح فيما بعد مقاتلا في حرب عالمية رابعة عنوانها الموت وحروفها كتبت بالدم..!
عرف الرجل بأنه كان داعية في منابر مساجد نواكشوط في فترة ما بين 2000- 2006، وانه تلقى تعليما محظريا من خلال تجواله بين محاظر متعددة، وتفقه في “علم الرجال” فيما يتعلق بدراسة الأحاديث النبوية والتخصص في قويها وضعيفها.. كما عرف بأنه متبحر في للغة العربية وأصولها.. وقد اصدر في هذه الفترة بالتحديد أشرطة دعوية وفتاوى متشددة مثيرة للجدل حول الغربيين وطرق التعامل معهم، ولا تزال هذه الأشرطة تشهد رواجا في صفوف معتنقي التيار السلفي في موريتانيا.. وهو متزوج وله أبناء وترفض زوجته التخلي عنه كزوج بعد ان تم تخييرها –وفق مصادر مقربة من عائلتها- حول ما اذا كانت تفضل ان تبقى زوجة له، او تحصل على الطلاق بفعل سفره وظروفه الأمنية التي تمنع من العودة الى أسرته وأبنائه.
ويبدو ان القاضي الجديد للقاعدة نجا بأعجوبة من أي اعتقالات رغم ان الاستخبارات الموريتانية وضعت جميع الشباب النشطين في التيارات الاسلامية حينها تحت المراقبين بما في ذلك نشطاء الدعوة والتبليغ وعلماء الدين والإسلاميين الوسطيين.
وعلى خلاف ما يقوله رجال امن موريتانيين من كون عبد الرحمن هو احد العناصر المهمين في خلية الشيشان التي أسسها معروف ولد الهيبة المعتقل في سجن نواكشوط، فان هذا الأخير نفى ذلك في لقاء سابق مع صحراء ميديا.
الهجرة إلى القاعدة
انضم القاضي الجديد في العام 2006 لكتيبة الملثمين التي يقودها خالد ابو العباس المعروف بـ “المختار بلعور” وتدرج فيها حتى أصبح من أهل الشورى.. وكان من ضمن مشاييخ التدريس في الكتائب، حيث شاع أمره وبدأت شهرته في التنظيم، ويعلق مخبر امني حول ذلك بالقول: “ان الثقافة الدينية الواسعة لهذا الشاب مكنته من تبوء مكانة مهمة في التنظيم، والأمن الموريتاني يضعه على قائمة الإرهابيين المطلوبين”.
وتقول مصادر في ادارة الأمن الوطني ان “عبد الرحمن التندغي” وضع تحت المراقبة في ديسمبر 2005 قبل ان يختفي بعد ذلك ويتم اعلان فشل المراقبة في تتبع خطواته.. وان التقارير تفيد بكونه عبر الى الصحراء منفردا ودون اللجوء الى قنوات القاعدة المفترضة والتي تراقبها السلطات”.
من ضمن أساتذة مفتي قاعدة الصحراء الجديد الشخ أحمد مزيد ولد عبد الحق، الذي تفيد التقارير بأنه درس الألفية لأسامة بن لادن، لكن التلميذ أعلن غضبه على الأستاذ بعد عملية ألاك التي قتل فيها 4 فرنسيين والتي أدانها ولد عبد الحق بشدة.
وتقول مصادر مطلعة ان عبد الرحمن أصيب في الصحراء بوعكات صحية لثلاث مرات ترك خلالها ساحة العمليات ولجأ الى الجبال لقضاء فترة نقاهة، أولاها كانت في الـ24 من ديسمبر 2007 حيث إصابته الحمى لثلاثة ايام متوالية.. والثانية في الرابع عشر من فبراير 2008 حيث أصيب بآلام في الرأس بسبب الظروف القاسية للصحراء وفي الأيام الأولى من مارس 2008 أصيب بآلام حادة في المعدة.. وتؤكد المصادر انه لم يصب باي جروح في العمليات التي خاضها في الصحراء على الحدود الموريتانية الجزائرية، لكن مسؤول اعلام في القاعدة نفى قضية مرضه مؤكدا ان عبد الرحمن يتمتع بصحة جيدة وفي مستوى عالي من اللياقة القتالية، مضيفا ان الصحراء “ساحة إمداد” وليست “ساحة معارك” وان الجبال ليست مكانا للنقاهة بل هي مكان للتشكيلات الجهادية، ورجح ان يكون للموضوع علاقة بتسريبات أمنية هدفها التأثير على المقاتلين في القاعدة.
يوم 28 ديسمبر 2007 (بعد أربعة ايام عملية مقتل السياح الفرنسيين 18 كلم من مدينة ألاك عاصمة ولاية لبراكنة) استدعي عبد الرحمن من قبل القائد العام لكتائب تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي “ابو مصعب عبد الودود” للمجيء إليه.. ولما ذهب إليه عبر الأخير عن إعجابه بعبد الرحمن بعد ان ذاع صيته كمعلم لمقاتلي القاعدة.. خاصة لكونه يشتغل بتعليم اللغة والجهاد والحديث والإفتاء في آن واحد.
ويقول عنه المقاتلون الذين شاركوه شعاب الجبال وتشكيلات القاعدة انه كان من “أصحاب الإيثار” وأنه يتميز بالتواضع، وحول مهمته كقاضي وعن أهمية ذلك ومستوى المهمة قال المصدر قال مصدر في القاعدة: (مهمة القضاء تتعلق أساسا بكون عبد الرحمن أصبح مسؤولا عن حسم الأمور فيما يتعلق مثلا بالحصول على غنائم في الغزوات.. بالاضافة الى فض النزاعات والمظالم.. وإصدار فتاوى في القضايا المعقدة والحسم خصوصا في قضايا الانتحاريين، حيث انه توجد لوائح للراغبين من المجاهدين في انجاز مهام انتحارية، وهذه اللوائح يتفاوض فيها مقاتلوا القاعدة في من له الأسبقية في الموت.. فالكل راغب في الموت، وهنا يكون المفتي هو الفيصل بين الجميع)، مضيفا ان عبد الرحمن اصدر عدة فتاوى وكتب ومحاضرات منها “شرح بلوغ المرام” تفسير “صحيح البخاري” وان بعضها موجود على صفحات الانترنت.
و يتميز عبد الرحمن باحترافيته الكبيرة للسباحة وقيادة السيارات ويصفه المقاتلون في القاعدة بأنه “مقدام”.
شريط حول موريتانيا
بث تنظيم القاعدة بالمنتديات الإلكترونية، المروّجة لأفكار وأعمال الشبكة الدولية للقاعدة، في الـ30 من مايو الماضي خطابا لأبو أنس الموريتاني يرفع فيه سقف التهديد ضد موريتانيا، والمصالح الأمريكية والأوروبية في دول المغرب العربي الخمس إضافة إلى مالي والنيجر ومصر. وقدم ”عبد الرحمن أبو أنس” الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع، واعلي ولد محمد فال ثم رئيس المجلس العسكري المترشح لانتخابات الرئاسة محمد ولد عبد العزيز على أنهم ”في خدمة الصليبيين”.
وحرّض قاضي الجنوب في الشريط من أسماهم ”أهلنا في شنقيط”، على وقف مسار الديمقراطية في البلاد التي ”غيبت الإسلام من الدولة”، وقال إن هذا المسار ”جعل الأعداء يستأسدون علينا ودفع إلى ظهور مآس للمسلمين في ربوع موريتانيا”، وتابع ”الديمقراطية تتسبب في احتلال يهودي أمريكي.. وانتشار أحزاب الشيطان”.
وقد يكون كشف التنظيم أن قاضي إمارته في الصحراء موريتاني، الهدف منه الدفع بأنصار التيار السلفي للقيام بعمليات لصالح التنظيم.. وهو ما ظهر جليا في قيام عناصر من التنظيم بقتل مواطن أمريكي يدعى “كريستوف” في العاصمة الموريتانية نواكشوط في الـ23 من يونيو المنصرم بعد 22 يوما اطلاق عبد الرحمن لتصريحات تستهدف الأمريكيين في موريتانيا.
وقد ظهرت في الشريط صور لشخصيات ومواقع هي على التوالي: مظاهرات في نواكشوط ضد التطبيع، مواجهات نواكشوط بين السلفيين وقوات الأمن، وكيل الجمهورية، المختار ولد داداه، محمد خونه ولد هيداله ، معاوية ولد الطايع، اعل ولد محمد فال، سيدي ولد الشيخ عبد الله، محمد ولد عبد العزيز، صور قوات امريكية في الصحراء، مسعود ولد بلخير، معروف ولد الهيبة لحظة القبض عليه، قوات شرطة، قصر العدالة، مقتل السياح الفرنسيين، مواطنون يقترعون، الشيخ العافية يصافح شارون، بعض الشباب الموريتانيين في معاقل التنظيم يلقون إشعارا بالعربية والحسانية ثم يصعدون في سيارة تويوتا عابرة للصحاري، سيدي ولد سيدينا، وسلفي آخر مسجون، وبعض العلماء والقادة العرب والدوليين.