المنظمون: نسعى إلى إحياء التراث الواحاتي للمدينة التي تشكل جسرا بين واحات الشمال والجنوب
تجكجه ـ جمال ولد محمد عمر
لم يكن موسم جني التمور في مدينة تجكجة؛ وسط موريتانيا، المعروف محليا “بالكيطنة”، ليمر هذا العام، كما العام الماضي، دون حدث يؤرخ للمدينة ويبعث على تأمل ماضيها التراثي الحضاري العريق، في محاولة من نخبة وسكان المدينة التاريخية التي جمعت بين العلم والعمل لتجسيد أفكار طالما راود ت عقول وأذهان السكان من المؤسسين الأوائل.. فجاء تنظيم مهرجان للتمور استجابة لذلك المطمح القديم الجديد.
فمدينة تجكجة اليوم تعيش أجمل أيامها من خلال تنظيم هذا المهرجان الذي يدوم أربعة أيام من الـ15 إلى الـ18 يوليو الجاري، حيث تنادى إليها مختلف أبناء المدينة ومختلف الفعاليات الثقافية والفنية في البلاد، فضلا عن حضور رسمي تمثل في عدد من أعضاء الحكومة.
مهرجان التمور ينظم بمدينة تجكجة هذا العام في نسخته الثانية بعد أن احتضنت المدينة في العام الماضي النسخة الأولى لتصبح بعد ذلك حدثا جهويا – وطنيا سنويا يحتفي به سكان المدينة تثمينا وتعزيزا لمختلف الجوانب الثقافية والفنية والتراثية بتجكجة، خصوصا منها ما يتعلق بتثمين الثقافة “الواحاتية” التي تعتبر من ابرز خصوصيات المدينة؛ كما يقول رئيس لجنة تنظيم المهرجان الدكتور ادومو ولد محمد الأمين، أحد أبناء المدينة.
ويعلق على هذه التظاهرة قائلا”يسعى هذا المهرجان إلى إحياء التراث الواحاتي لمدينة تجكجة باعتبارها إحدى أهم وأكبر المدن التي تشكل جسرا بين واحات الشمال والجنوب في منطقة زراعات النخيل في موريتانيا ويمثل كذلك فرصة لجمع الواحاتيين في ضواحي المدينة لتثمين تراثهم وتعزيز خصوصيتهم“.
ويضيف ادوم معلقا على الخصوصية التي ميزت النسخة الثانية من المهرجان قائلا” لا يختصر هذا المهرجان على التعريف بثقافة الواحة وعرض الأنواع المختلفة من التمور فحسب بقدر ما انه يعد مناسبة لإبراز مختلف الأبعاد الثقافية المرتبطة بتلك الثقافة لتشمل جوانب أخرى ذات بعد تاريخي كبير”، مشيرا إلى أنه “تم توسيع برنامج مهرجان هذا العام ليشمل الجانب السياحي من المدينة كالحي القديم وأول مدرسة نظامية والمواقع التي شهدت أحداثا تاريخية وبعض المواقع السياحية الأخرى هذا إضافة إلى الجانب الفني المتعلق بزراعة النخيل وطرق المحافظة عليه ،لأن الواحة ثقافة وعادات وإنتاج وتوجد دائما حيث تنتهي الصحراء ويبدع الإنسان“.
المدينة القديمة في تجكجة أو حي “القديمة” كما يطلق عليه سكان المدينة لازال شاهدا حيا على حقبة تاريخية عاشت فيها المدينة مرحلة إشعاع ديني تجاوز الحدود الضيقة لحيزها الجغرافي، وتشهد الأزقة المتعرجة الضيقة لحي القديمة على حضور البعد الروحي في بناء ذلك الحي الذي تؤدي كل أزقته وتعرجاته إلى المسجد العتيق الذي يوجد في قلب المدينة “وهو المسجد الوحيد قبل تمدد أحياء تجكجة وقد أعيد بناؤه وترميمه عدة مرات، ويليه من حيث القيمة العلمية ما كان يعرف ب”أدويرة”وهي المدرسة الجامعة التي تخرجت منها أجيال عديدة من العلماء من دارسي مختلف المعارف الإسلامية.
وللدلالة على اعتبار زيارة الحي القديم محطة هامة من محطات مهرجان التمور يقول أحد أعضاء لجنة تنظيم المهرجان “تدخل زيارة الحي القديم في تجكجة في إطار الإطلاع على مساكن أسلاف كرسوا جهدهم لعبادة الله واعمار الأرض بزراعة إحدى العاليتين وهي النخلة التي تعتبر هذه الواحات امتدادا لها، وبما إننا نحتفل بمهرجان التمور كان لابد من زيارة آثار زارعي تلك الواحات ذات الثمار الطيبة“.
وحسب المعطيات التاريخية فان أول واحة بمدينة تجكجة قد أنشأت في نفس العام الذي أسست فيه المدينة سنة 1660 للميلاد 1070 للهجرة وأول المواضع التي غرس فيها النخيل هي (تيمررت،اغيمرت، لعوينة، لبطيحة، الشمسيات، لمبيديع، النجدية، مد الله، المبروك……) لتتمدد الواحة بعد ذلك على بعد مسافة 20 كم شرقا و12 كم غربا ،بينما يقدر عدد النخيل بتجكجة بما يزيد على 50000 نخلة متنوعة حسب لون الثمار وفصيلته.
مدينة تجكجة الحديثة التي أسستها الإدارة الاستعمارية الفرنسية سنة 1919 م تشكل امتدادا لتجكجة القديمة حيث لم تقم على أنقاضها ولم تشكل بديلا عنها نظرا لبقاء الحي القديم بمعظم معالمه العمرانية ،وهو ما يعني أن تجكجة اليوم تعد امتدادا لروح ومضمون تجكجة الأمس مع ما يقتضيه ذلك من التعاطي مع شروط المعاصرة، ولذا ظل الحفاظ على المخطوطات النفيسة والمكتبات العريقة عادة لدى سكان المدينة التي يوجد بها اليوم حوالي 19 مكتبة انتظمت مقتنياتها في معرض على هامش مهرجان التمور.
ويقول الأستاذ سيدي ولد عمارو ولد النمين؛ رئيس رابطة أصحاب المخطوطات “نحن نعمل على جمع وصيانة هذا التراث والمخطوطات منذ حوالي عشرين سنة، ونهدف من خلال هذا المهرجان إلى تثمينها، كما ان الحفاظ على هذه المخطوطات من طرف أصحابها يساهم في الحفاظ على علاقات التواصل بين افراد العائلة، وهي تضم الكثير من النوادر والتراث المادي على مستوى الحبر وورق الغزال، كما تشمل مختلف المجالات العلمية كالعلوم التشريعية والهندسية والمنطقية…”؛ يضيف سيدي ولد النمين.
لكن معظم أصحاب المخطوطات وتثمين التراث يطالبون بالمزيد من الدعم خاصة في مجال الصيانة للحفاظ على تلك النفائس التاريخية التي رفدت هذا المجتمع بالكثير من العلم؛ كما يقول محمد الامين ولد بد الباحث في مجال المخطوطات.
مهرجان تجكجة اسيختتم مساء اليوم، بعد أيام من العروض لأجود أنواع التمور التي تنتجها المدينة ،عاش خلالها السكان والوافدون سهرات فنية وتراثية تخللتها جلسات علمية، كما ساهم في إنعاش الجوانب السياحية والتجارية من خلال حركية سوق بيع التمور وهو ما عكس ارتياحا لمنتجي هذه الثمرة حيث اجمعوا على أهمية هذا المهرجان السنوي الذي يفتح أمامهم العديد من آفاق التسويق والتعريف بتراثهم وإنتاجهم.