بقلم/ محمد المختار ولد محمد فال*
في ظل واقع ينذر برد فعل غير محسوب، بفعل تدهور الوضع المعيشي لعموم ساكنة البلد وشبه انسداد في الأفق السياسي، وحالة تذمر تكاد تشمل الجميع: موالاة ومعارضة، تشكل اليوم أبرز بطاقة حمراء في وجه النظام الحالي وسياساته المنتهجة، تحدث الرئيس محمد ولد عبد العزيز مساء الخامس من أغسطس الماضي لساعات طوال وأبدي استعداده الكامل للإجابة علي جميع الأسئلة، المحرج منها والمنوه وبذل جهودا مضنية للظهور بمظهر الواثق من نفسه والراضي عن نهجه وأسلوب إدارته للبلد، دون أن يبدي استعدادا للدفاع عن سياسات المراحل التي كان خلالها نافذا ومتنفذا، بل صاحب القرار فيها أحيانا وله رجاله داخل مراكز النفوذ واتخاذ القرار.
قد يكون الدافع لذلك هو: ثقته في ضعف ذاكرة الكثيرين في موريتانيا وقد يكون بدافع تخفيف العبء عن كاهله أمام واقع يري خصومه السياسيون أنه مزري وتقع مسؤوليته الكبري عليه هو بالدرجة الأولي وبصفة شخصية، خلفية تبدو حاضرة من خلال اختياره للخامس من أغسطس، بدلا من الثالث والسادس من نفس الشهر- رغم أنه منفذ الإنقلابين وبطلهما دون منازع، الشيء الذي قد يدخله في دائرة “غينس” داخل الفضاء الموريتاني دون منازع بوصفه الإنقلابي الأول وصاحب نماذج انقلابية لم تكن معروفة من قبل.
ورغم أن الرئيس ولد عبد العزيز قد نجح في حملة العلاقات العامة – خلال ندوته السياسية هذه- في طرح تصوره الشخصي المتعلق بمجمل القضايا المطروحة، سواء ما كان منها داخليا علي المستوي السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو الأمني أو ما كان منها علي المستوي الإقليمي والدولي وقد بذل الرئيس جهدا لافتا من أجل خلق انطباع إيجابي عن شخصه المتسم بالجمود والتكلس في نظر الكثيرين وإبدالها بأخري مغايرة، تظهره شخصا تلقائيا ولديه تصور واضح لجميع السياسات التي ينتهجها، همه الأول هو: خدمة الفقراء بصفة خاصة والوطن بصفة عامة.
كما أن شجاعته المتمثلة في مواجهة الجميع وجها لوجه واستعداده اللافت للإجابة علي أكثر الأسئلة إحراجا، دون تبرم أو شعور بالحرج، كلها أمور تحسب له وقد يكون السباق فيها إذا نحن قارناه ببقية الرؤساء السابقين.
هناك حقيقة أخري لابد من الوقوف عندها، لأنني أجد فيها أهم نصير للرئيس ولد عبد العزيز خلال معاركه السياسية مع خصومه السياسيين، تتمثل في استخفافهم به والتقليل من شأنه، لذا نلاحظ أنه صرعهم خلال مناسبات كثيرة بدوا خلالها وكأنهم منتصرون وأضحي كل شيء جاهز لقطفهم الثمار اليانعة، فإذا به هو المنتصر وهم المهزومون بشكل مهين يدعو إلي السخرية والشفقة في نفس الوقت.
حقيقة لا بد من إيرادها لفهم نواحي جوهرية في المشهد السياسي الحالي، قد تبدو مستعصية علي الفهم وخارج إطار المعقول ولعل الإنتخابات الرئاسية الأخيرة والإستدراج الفعال لزعيم المعارضة وتفرد رئيس الجمهورية برئيس الجمعية الوطنية في السابق واليوم والذي يمثل الشق الثاني من المعارضة الوازنة، لأبرز دليل علي هذه الحقيقة، التي قد تجد جزءا من تفسيرها من خلال الكيمياء الشخصية لبعض قادة المعارضة التقليدية، لكن خلفية الإستخفاف بالخصم تبقي هي الأساس والمبرر المنطقي.
وانطلاقا من هذه الملاحظة الجوهرية التي قد تفسر غياب الساسة عن المشهد الإحتفالي وحضور الموظفين والعامة فقط، وهو حضور قد يجد تفسيره في ثنائيتي الخوف والطمع بالنسبة للموظفين وبريق الأضواء بالنسبة للعامة، أما الخاصة فقد كان غيابها واضحا وضوح غياب الساسة عن هذا المشهد “المبهر” علي مستوي الصورة،والذي لن يستمر مفعوله- لنفس السبب- إلا للحظات معدودات.
ورغم هذا كله ألا يحق لنا أن نتساءل حول هذا اللقاء الذي اختير له أن يكون شعبيا وشاملا والذي دام لأكثر من أربع ساعات من الحديث المتواصل مع سكان الأطراف والمركز ومع الناطق والأبكم و المتعلم والجاهل والمستمع والمشاهد والذي نقل مباشرة إلي القاصي والداني عبر المعمورة، فهل نجح الرئيس في أن يجيب علي جميع الأسئلة المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا؟وهل أفلح في تغيير الصورة التي سعي “معارضوه” لبلورتها داخل وعي أكبر شريحة من المواطنين؟ وهل أقنع المواطن البسيط الذي لديه أولويات تختلف جذريا عن مطالب الساسة والتي لا يجدي معها الإحتماء بلغة الأرقام والبيانات، التي ظلت ورقة توت تتخفي وراءها مختلف الأنظمة، منذ ظهور حقب التصحيح والإنقاذ وإنقاذ الإنقاذ….إلخ من الأوصاف التي مل الجميع سماعها وسئمها العقلاء المنصفون.
– فعندما يصبح التاجر- بعد هذه الليلة الطويلة- ويتوجه إلي محله فهل سيجد في حديث الرئيس جوابا يشفي غليله حول حالة الكساد التي تعصف بتجارته؟ وهل سيجد الموظف المعدم جوابا يدفعه للأمل في غد قد يخفف من معاناته اليومية ومن همومه المعيشية التي فاقت كل تصور في عهد رئيس الفقراء، الذي نعته البعض بأنه يسعي إلي إفقار الجميع، كي يصبح رئيسا فعليا لجميع الموريتانيين دون منازع؟
– ما طرحته المعارضة كمقدمة لحسن النوايا والذي يتمثل في صيانة حرية التعبير والتجمع والولوج إلي وسائل الإعلام العمومية وحق الصعود في كافة دوائر الدولة، دون إقصاء أو تميز وهي مطالب تري أنها يفرضها القانون وتستدعيها الديموقراطية الحقيقية ومن واجب أي رئيس للجمهورية تنفيذها وحماية حقوق الجميع دون تمييز، لكن الرئيس أدمجها خلال لقائه مع ” الشعب”ضمن نتائج الحوار، الذي يبدو أنه سيكون بمثابة حوار الطرشان ودون أن يقدم التفسير المنطقي لموقفه هذا.
– نظرته لمستقبل موريتانيا لم تتوضح ولم يبرز معالمها بالنسبة له- باستثناء ما وصفه ب” تجديد الطبقة السياسية” وهو شعار يري غيره أنه مجرد حق أريد به باطلا، لكثرة الأشخاص المستهلكين سياسيا في المراكز الأمامية للنظام الحالي وضمن محيط الرئيس الخاص ولكونه يدير الدولة بطريقة فردية وهو ما سيحرم عمليا البلاد من صعود خبرات جديدة أو متجددة.
– كونه نسب جميع الأخطاء لمن سبقوه ولم يجب علي السؤال المفترض حول دوره في إصعاد أشخاص فاسدين خلال مراحل نفوذه البارز بعد2005 علي الأقل كما أنه لم يعترف بأخطاء ارتكبها في السابق وهو ما يضعه ضمن دائرة المعصومين الذين لم نجد لهم ذكرا خارج دائرة الأنبياء والمرسلين.
– بما أنه دشن عهده بالحديث عن إمكاناة هائلة يزخر بها هذا الوطن، معللا أسباب الفقر في موريتانيا بالفساد والمفسدين، فلم يقدم لنا رئيس الفقراء هذه المرة تفسيرا للأسباب الموضوعية التي جعلت المواطنين أكثر فقرا في عهده ولمظاهر البؤس التي أضحت أكثر تجذرا بعد ثلاث سنين من حكمه هو شخصيا بغض النظر عن تلك المرحلة التي حكم البلاد خلالها من وراء حجاب، فهل نفذت تلك الثروات؟ ألم نصبح في طليعة الدول الإفريقية المصدرة للذهب ؟ هل جفت مياهنا الإقليمية؟ وهل ضنت تربتنا بإنتاج ما يكفي لتغذية ثلاثة ملايين شخصا؟
– التأكيد علي انتهاء ظاهرة الكزرة قبل يونيو 2011 وتعميم الكهرباء علي جميع أحياء نواكشوط، قبل نهاية 2010 أليست هذه مواعيدكم سيادة الرئيس؟ أليس من الضروري أن تفسر للناس لماذا تأخر تعميم الكهرباء ولماذا حتي الآن لم تحل مشكلة الكزرة ؟
– إذا كانت هذه هي حقيقة الإلتزامات الماضية فبم تطمئن القيادة مواطنيها اليوم علي آفاق مستقبل لا يملكون أدني تصور حول ملامحه العامة ولا السياسات المتبعة لصالح الأجيال اللاحقة؟
– ألا تشكل سياسة محاربة الفساد، مبررا لظهور فئة معتبرة من الأشخاص غير المفسدين يتبوأون المقدمة في مراكز القرار وضمن دوائر التخطيط والبرمجة ولهم اليد الطولي داخل نظام يدعي أنه جاء لتجديد الطبقة السياسية ولبناء البلاد علي أسس جديدة؟ ما هي هذه الأسس؟ ومن غيرك يدري أو يستطيع أن يجيب علي هذا السؤال؟
– ألم تبرز مظاهر التحلل علي سطح الحياة العامة والخاصة؟ ألم يصبح كل متطرف أهوج حرا في استخدام جميع معاول الهدم لهذا الوطن؟ من هم أصحاب الصوت العالي اليوم؟ ألا نشاهد يوميا سعي البعض إلي تطبيق القانون بيده يجرجر السلطة ويجبرها علي أن تقوم صاغرة ب” احترام” القانون؟
ما تفسيركم لتطاول الجميع علي ثوابت الوطن وعلي الدستور؟ لماذا لاتبرزو -سيادة الرئيس- موقفكم الصارم اتجاه المخاطر الجدية التي تهدد البلد و التي لا تشكل القاعدة إلا جزءا يسيرا منها؟
– لما ذا لم نجد تطويرا جديا وفعالا لعلاقتنا المغاربية؟ ولماذا في عهدكم تم إلغاء كتابة الدولة للشؤون المغاربية؟
أسئلة كثيرة بقيت بدون جواب خلال ” لقاء الشعب والرئيس” والتي أعتقد أنه كان من الواجب أن يقدم جوابا عليها وعلي أخري منطقي أنها تدور اليوم في ذهن الكثيرين وقد لاأنتبه إليها.
فقد لايكو مهما بالنسبة للمواطن المزيد من الكلام، لكن الأكثر حيوية هو: أن نجد أجوبة عملية علي هذه الأسئلة التي أري أنها غابت عن حديث الرئيس ونتمني –مخلصين- أن تجد الترجمة الفعلية فيما هو قادم من القفزات السياسية التي ندعو الله أن لا تبقي دائما باتجاه المجهول وأن تنزل إلي واقع الناس، لتنفعهم.
فأما الزبد فيستحيل أن يتحول إلي نقيضه أما نحن فحسبنا أن نكون ضمن دائرة من يهدي للرئيس جوانب مهمة لدي المواطن والمتابع ولم تجد صدي لها داخل لقائه الطويل مع الشعب، فمتي نجد الجواب الشافي- سيادة الرئيس- علي أسئلتنا المشروعة والمحقة هذه؟
ـــــــــــــــــــــ
*كاتب صحفي