بقلم : عبد القادر ولد الصيام
الأمين العام للمركز الموريتاني للحوار-أمريكا
تتواصل في “قصر المؤامرات” فعاليات “الحوار الوطني” الذي تنظمه الأغلبية الحاكمة مع حزبين معارضين مع مقاطعة تامة للمعارضة التقليدية , و لم يشارك في هذا الحوار إلا حزبان ممن كانوا ضمن ” منسقية المعارضة” , و قد اتهم رئيس الجمهورية – في الماضي -زعيمي هذين الحزبين بتهم تتعلق ب”الفساد” و سوء التسيير”!! و إذا أضيف لهؤلاء “المعارضين السابقين” وجود رموز في الأغلبية الحاكمة ممن يسميهم البعض “رموز الفساد” مع آخرين من “رموز الفساد” في فترة ولد الطايع فإنه يمكن وصف هذا الحوار بأنه “حوا ر بين المفسدين”…!
و ليعذرني السادة المشاركون في “الحوار” فما أنا بالذي يتساهل في اتهام الناس و لا من الذين يرضون بانتهاك أعراضهم , و لا أنا ممن يقبل التهم الموجهة بدون دليل , و لكني أكرر هذه التهم لسببين رئيسيين :
-أحدهما : أنها صادرة من رئيس الجمهورية و رئيس المجلس الأعلى للقضاء-في الغالب- , و هو أمر رغم أني أستهجنه و أرفضه بسبب عدم الإختصاص ,إلا أن صدور بعضها من المفتشية العامة للدولة و عدم تراجعها عن ذلك يؤيد بعض هذه الإدعاءات و إن كان لا يدل على ثبوت قطعي للتهم نظرا لعدم استقلالية القضاء و المفتشية العامة للدولة و تحريكهما لدعاوى عديدة لأسباب سياسية من أجل تكميم أفواه الخصوم و تصفيتهم!
و ثانيهما : أنه لم يأت ما يفند هذه التهم من طرف المدعى عليهم و لم يحدث تراجع عن التهم من طرف المفتشية –رغم أن بعض المدعى عليهم قاموا بدفع مبالغ طائلة أثناء معارضتهم للرئيس و تم إرجاعها لهم بعد رضاه عنهم , و هو ما يثبت ازدواجية المعايير و بطلان إدعاءات “محاربة الفساد” التي يتبناها الرئيس و تطبل لها فلول الأنظمة الفاسدة المتعاقبة على السلطة و المنضوية تحت أغلبيته.
و حتى لا يظل حديثي مجردا و عاما فإنني أود بأن أذكر القارئ الكريم بأن رئيس الجمهورية الحالي و قائد انقلاب السادس من أغسطس و مرشح رئاسيات ال18 يوليو اتهم في مهرجان “النصر” في عرفات يوم السبت 11 يوليو 2009 رئيس الجمعية الوطنية بسوء التسيير و “اختلاس عشرات الملايين من ميزانية الجمعية الوطنية” , كما اتهمت المفتشية العامة للدولة رئيس حزب “الوئام” الحالي بفساد مالي و سوء تسيير يتعلق بإدارته ل”صندوق الضمان الصحي” , و تم إرغامه على دفع مبلغ قال الوزير الأول المطاح به في انقلاب السادس من أغسطس –في مقابلة مع إحدى وكالات الأنباء المستقلة- في يونيو 2009 بأنه بلغ 200 مليون أوقية من أجل “التفرغ لمعارضة النظام العسكري”- و إن كان البعض يقول بأن المبلغ لم يتجاوز 120 مليون فقط!! و قد راج في بعض وسائل الإعلام المستقلة بأن الرئيس أمر الوزير الأول بإرجاع 120 مليون أوقية لرئيس حزب “الوئام” –في شهر مارس الماضي- و ذلك بعد تقارب بين “الوئام” و الأغلبية الحاكمة!!
كما أن معظم الحاضرين خصوصا من الجالسين في الصفوف الأمامية هم من أقطاب نظام “الرئيس المخلوع” معاوية ولد الطايع و الذين عناهم الرئيس عزيز بقوله :”إنه تربى مع المفسدين و يعرفهم” , و لم نفتقد من نظام معاوية إلا معاوية نفسه , أما البقية فهم يتوزعون بين الوزارات و السفارات و إدارات و مجالس إدارات المؤسسات العمومية و يقدم بعضهم الاستشارات للرئيس و ينصحونه و قد تم تكريم كثير منهم في مناسبات حديثة !!
و إذا رجعنا إلى مواضيع الحوار الحالي –بعيدا عن الشخصيات المشاركة فيه- فإن من أهم بنوده العشرة : ( النقطة الثالثة ) و المتعلقة ب “مهنية القضاة و استغلال القضاء” كما جاء في النسخة المنشورة على بعض وسائل الإعلام , و دراسة وضعية الجيش و القوات المسلحة ( النقطة العاشرة ) و قطع الطريق أمام التغييرات غير الدستورية ….( الثورات و الإنقلابات !!).
و لا شك أن رئيس الجمهورية بجـَمعه بين رئاسة الجمهورية و القيادة العليا للقوات المسلحة و المجلس الأعلى للقضاء يشكل “حاكما مطلقا” يستجديه ضعاف الناس في أرزاقهم و يخشون من اتهامه لهم و يخافون عقابه , و هو ما يدعو إلى الفصل بين “تجميع السلطات ” و “تركيز الصلاحيات” في يد شخص واحد لا شك أنه بشر و هو عرضة للمرض و الغضب و النسيان و غير معصوم من الإفراط في استخدام السلطة و الانتقام من خصومه و معارضيه و لا يوجد من يمكنه الاعتراض على قراراته أو مراجعتها, كما أن رئيس الجمهورية الحالي قاد انقلابين رئيسيين و تتهمه المعارضة بأنه قاد “انقلابا انتخابيا” ثالثا, و قام بالتنكّر لاتفاقية داكار و تعالى على مخالفيه و اتهمهم بما لا ينبغي ولم يعط الكثير من الأدلة على ذلك, مما يجعل حديثه عن “قطع الطريق أمام التغييرات غير الدستورية” أمرا قابلا للطعن و قليل المصداقية , خصوصا إن كان من يساعده في ذلك بعض من عارض انقلابه و اتهمهم بالفساد و بعض من عملوا مع كل الأنظمة الانقلابية و العسكرية المتعاقبة على حكم البلد!
و رغم أن الحديث عن “الانقلابات” ليس مطروحا الآن عند النخبة السياسية المعارضة –أحرى المؤيدة- إلا أن بعض المتابعين للشأن المحلي يرى في طرح الموضوع في الحوار نوعا من ترهيب “عزيز” لبعض قادة المؤسسة العسكرية الحالية و الذين قد يعتريهم وهــْــمُ التفكير في الانقلاب أو “التصحيح” –عند ما تسوء الأوضاع- كما سمى الرئيس الحالي و مؤيدوه انقلابَ السادس من أغسطس!
و تعج الأغلبية الحاكمة بشخصيات عديدة اتهمت بالفساد , و منها من اتهمه الرئيس الحالي بذلك و لم يتراجع عن ذلك–كاتهامه و إقالته لبعض زعماء و أعضاء حزب “عادل” –المنضوي تحت لواء الأغلبية حاليا -و اتهام “المفتشية” لبعضهم دون تبرئتهم أو تراجع عن التهم , و هو ما يجعلني على ثقة تامة من صحة كلام رئيس حزب “عادل” و الوزير الأول المطاح به في المقابلة المشار إليها آنفا –رغم عدم إيماني بكل التهم الموجهة إليه- حيث قال بأن النظام العسكري القائم “يعتقد أنه لا يمكن لأحد سبق و أن سيّر قطاعا (عاما) أن يعارضهم , لأنه يعرف أنه عند ما يعارضهم يمكن أن يوقفوه و يحاكموه ,فهذه هي وسيلتهم , و نحن لم يكتموها عنا (..) و أؤكد أنهم قالوا لنا هذا…) كما قال معاليه!!
إن هذا الحوار الذي يسعى إلى إطالة حكم الرئيس و إلهاء الشعب عن همومه اليومية و التمكين لبعض “المفسدين” و زيادة رتبهم و مرتباتهم شابـَهُ الكثير من الأخطاء و الارتجالية , حتى أن أحد الأحزاب المشاركة فيه ( التجمع من أجل الوحدة الموريتانية/ مجد) انسحب منه و أصدر بيانا ذكر فيه أن ثمة “مساع حثيثة تخدم سعي جهات لإبقاء المعارضة مبعثرة الصفوف ” كما أنه كان “عبارة عن توقيع اتفاق بين أشخاص و ليس نتيجة مباحثات بين أحزاب و لا رؤى حزبية ساعية لتجاوز الأزمة السياسية و الاقتصادية الراهنة ” كما أن الأحزاب التي تم استدعاؤها للمشاركة “لم تشرك –أصلا- في البنود الموقع عليها , و بالتالي فهي غير معنية به, الشئ الذي يتنافى مع مبادئ الحوار و الشفافية” , و إذا كان هذا رأي من كان مشاركا في الحوار عن قرب فما بال من لم يشرك فيه أصلا و لم يقبل بالحوار من أجل الحوار؟
إن كل ما سبق يدل على أن هذا الحوار لا يسعى إلا إلى “حملة علاقات عامة” موجهة للداخل و الخارج تسعى لتجميل وجه النظام القائم و رئيسه المشغول ب”زياراته المكوكية” المكلفة و التي لا يترتب عليها الكثير من المنفعة للشعب و لا للوطن , و سيتعاقب المشاركون على منصة المؤتمر من أجل مدح الرئيس و الثناء على سياساته المؤيدة للفقراء و المحارِبة للفساد و رموزه “الذين تربى معهم الرئيس و يعرفهم جيدا” كما أخبر سابقا و حربه على “الإرهاب” و بطولاته التي يموت فيها المواطنون و يبذّر فيها المال العام و التي ستتواصل –كما أخبر سيادته-حتى ولو أنفقت الحكومة كل الأموال عليها!!!
و أعتقد جازما بأن كل ذلك لن يقنع الكثيرين
ممّن يتسمى الرئيس باسمهم و ينتسب إليهم (الفقراء) ممن يعيشون في أحياء الصفيح و “العشوائيات” حيث يرون جمهور المشاركين من المسؤولين السابقين و الحاليين ممن يملكون الكثير من العقارات و الحيوان و السيارات الفارهة و التي تتجاوز قيمتها ما يمكن أن يحصلوا عليه عشرات و مآت بل آلاف المرات من مرتباتهم , مما يعني أن الحوار- في نظر هؤلاء – “حوار مفسدين” و هو حوار يعبر عن “عبث الساسة” و السياسة في “المنكب البرزخي” , وسيأتي اليوم الذي يتحدث فيه بعض هؤلاء عن “فساد النظام الحالي” كما تحدثوا عن فساد الأنظمة السابقة , و يقتنعون بأن سياسة محاربة الفساد في عهد “عزيز” كانت “عبثية و انتقائية و انتقامية”.