غريب أمر هذه الدولة التي تجمع بين أحضانها كل المتناقضات وكل الغرائب والعجائب ، لا تمر عليك أيام حتى تسمع أن حكومتنا الموقرة قد تجاهلت أو سكتت على فعل فاضح يخل بالحياء العام ، ويعكر صفو السلم الأهلي الذي لا يجعلنا نتشبث بهذه الديارـ التي عفت عليها السنون وأجدبها القحظ وساد فيها أراذل القوم وعلت فيها سياسة الغاب
ـ إلا هو ، ما الذي تريده هذه الحكومة الخرقاء العرجاء التي لا تكاد تقدم رجلا في حل معضلة حتى تؤخر أخرى ، ولا تضع يدها على مشكلة حتى تتفاقم وتخرج عن نظاق السيطرة.منذ متى وموريتانيا مقطعة الأوصال تدعو بدعوى الجاهلية وتفرق بين أبنائها على أساس العرق أو اللون ، لم تكن تلك شنشنة نعهدها منها ، ولا ميزة تمتاز بها خلال تاريخها المليء بالفتوح الإسلامية التي آخت بين العرب والعجم وجعلتهم سواسية لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى ، لكن ما كان عارا وشنارا لم يعد يندى له الجبين.أليس غريبا أن تتغاضى حكومتنا عمن يمتهن الإيقاع بين مكونات شعبها الاجتماعية ويحرك النعرات ويشيع الدسائس ، وليس ذلك فحسب ، بل الأدهى من ذلك والأمر أن الحكومة سكتت عن قصد منها أو عن غير قصد أو لنقل تجاهلت معاناة وأنات أبنائها الذين صرخوا صرخة مدوية مطالبين بأبسط الحقوق وأتفهها ، ألا وهو حق الحصول على الجنسية ، وليطلبوا حقهم في العيش الرغيد والعدالة الاجتماعية والمساواة ، وإلا لماذا يتم وضع معايير لهذا الإحصاء اللعين يمكن أن تثير إحدى مكونات المجتمع وتجعلها تشعر بالنقص والدونية في وطنها؟ لماذا لا تتم طمأنة كافة شرائح المجتمع أن هذا الإحصاء البغيض لن يتجاهلها ولن يقصيها؟ أهو فشل في وضع المعايير والتدابير اللازمة لطمأنة كافة المواطنين الموريتانيين؟ أم أن هذا الإحصاء مصمم أصلا لغرض الفتنة وتنغيص حياة شعب كل شيء كان ينقصه إلا السلم الأهلي والتعايش بين مختلف مكوناته بهدوء واحترام وتقدير.قالت الحكومة أنها ستمنع كل من ليس بموريتاني الأصل من هذا الإحصاء ، كلمة حق أريد بها باطل ، من أين عرفت هذه الحكومة الخرقاء أن هذا الشخص موريتاني أم غيره ، ولنفترض أنه غير موريتاني ما الذي يمنع حكومتنا من أن تعطيه الجنسية إذا رغب فيها وإذا وفى حقوقها؟ أليس أبناء موريتانيا يحصلون كل يوم على الجنسية الفرنسية والأمريكية بمجرد تقديم طلب لها وتوفية الشروط اللازمة للحصول عليها ، أم أن الجنسية الموريتانية تفوق كل الجنسيات قيمة وعلو شأن وسمو مقدار، هذه مهزلة ما بعدها من مهزلة.أليست موريتانيا مصابة بعاهة العقم الذي جعلها في القرن الواحد والعشرين دولة لا يبلغ تعداد سكانها الثلاثة ملايين أو أقل ؟ هل يهدف هذا الإحصاء لجعل موريتانيا مليونين أو أقل؟ ثم ما الذي توفره هذه الجنسية لصاحبها سوى الفقر والعجز والجهل والمرض؟.الحمد لله أن الحكومة لا تنوي إعطاء رواتب عالية لمالكي جنسيتها والحمد لله أنها لن تعلن عن تعميم الضمان الصحي لحاملي جنسيتها ، إذا لذاق كل مواطن الأمرين ولأقامت هذه الحكومة الدنيا ولم تقعدها ولقامت بتصفيات عرقية ولأصبح الحصول على جنسيتها كالحصول على جنسية “مملكة أبروناي”.دعونا نكن أكثر صراحة مع أنفسنا ولو لمرة واحدة ، موريتانيا للجميع للموريتانيين ولمن يحبون أن يكونوا موريتانيين بالشروط القانونية المعروفة دوليا ، ثم أليس منع شخص من جنسية ما مساويا للطعن في نسبه وتاريخه وتاريخ آبائه؟ أتظن أنه يمكنك أن تتجاهل تاريخ شخص ونسبه ثم تطلب منه بعد ذلك أن يتحكم في أعصابه وأن يضبط نفسه.لنضع أيدينا على المشكلة أولا ، ولنشكل لجنة مستقلة تعنى بالتحقيق والتمحيص في كل من تعترض اللجان المعنية بالإحصاء عليه ، وأن تحكم المعايير الشرعية المتمثلة في طرق الثبوت الشرعي الذي يلحق به النسب وتقسم به الأموال وتقام به الحدود ، هذا إذا كنا مازلنا نمتلك مقدار ذرة من الغيرة على هذا الوطن الذي يتكالب عليه الأعداء وتتهدده الحرب الأهلية لهشاشة روابط مكوناته الاجتماعية وضعفها ، أما إذا كنا مصرين على التهميش والإقصاء والحيف والظلم فقل على موريتانيا السلام.