ميمونة بنت سيد ناعمر
صحفية بإذاعة موريتانيا
أعرف أني لا أطيق الوداع، ولا أتحمل لحظاته، بل إن كل من يعرفني عن قرب أضحي يفوت علي سفره ويخفي عني أخباره؛ وأقرب مثال علي ذلك ما وقع من أخي” صلاح الدين” الذي لم أعلم بسفره حتي رن هاتفي مظهرا رقما خارجا ليخبرني أنه وصل بخير إلي “لواندا” عاصمة “أنغولا” قبلة الشباب الحالمين بالثراء السريع.
لكني حاولت يوم (28- سبتمبر) أن أختبر نفسي وعبرة عيني، حين لبيت الدعوة لاجتماع مع رؤساء المصالح ومديري الإذاعة لتوديع المدير العام السيد/ أحمدو السالم ولد بوكه؛ الذي انتخب رئيسا لإتحاد إذاعات الدول الإسلامية؛ من بين عدد من المتنافسين علي هذا المنصب.
كان أغلبهم من دول لها وزنها الإسلامي، وهو منصب مشرف أيضا لمسيرته الإعلامية، التي ترقي فيها من منعش برامج، حتى أصبح مديرا عاما قبل انتقاله إلي مدينة “جده” السعودية، مقر عمله الجديد، كما أنه مهم بالنسبة لبلادنا التي قل تمثيلها علي رأس أجهزة المنظمات العربية والإسلامية والدولية؛ رغم الكفاءات التي يحوز علها بعض أبنائها..
عودة إلي لاجتماع الذي شهدته قاعة التكوين بالإذاعة؛ القاعة التي مازالت تنتظر تعيين مدير جديد خلفا للمرحوم “زيدان ولد التراد” الذي قضى في حادث سير مفاجئ؛ تاركا فراغا في المؤسسة ليس علي مستوى العمل فقط وإنما علي مستوى الأخلاق والمرح والنكات.
إذن كانت القاعة مثيرة لللوعة والحزن والذكريات خاصة وأن كلمات المغفور له “زيدان” لازالت تتردد في أرجائها. كنت الوحيدة من بين السيدات التي حضرت الاجتماع قبل أن تلتحق بي الزميلتان “فاطمة بنت حم”.. من إدارة المحاسبة، واتبيره بنت أحمد لولي، عن مصلحة الأشخاص، حيث أن أغلب الزميلات كن في إجازة.
ولعلكم تعلمون أن تمثيل المرأة في المناصب الإدارية في الإذاعة ظل متقدما علي مؤسسات الإعلام الرسمية الأخرى حيث تحتل المرأة منصب «مدير الأخبار» وهي القطاع الأكثر حيوية وحساسية.
حضر المدعوون وافتتح المدير العام الحديث مودعا ومقيما فترة عمله الأولى والثانية في الإذاعة التي كانت الأخيرة منها – حسب توصيفه- هي التي عرفته أكثر علي قدرات طاقم العاملين في الإذاعة الذي كان مجدا ومميزا -علي حد قوله- رغم شح الوسائل والإمكانات؛ ما يدل علي إيمانهم وإخلاصهم للوطن والمواطن.
المدير كان في حديثه متواضعا علي عادته، حيث نسب كل تميز وتألق لغيره، وكل هنات وتقصير لنفسه، داعيا الجميع إلي مواصلة العطاء ومنوها بالمدير الجديد الذي كان عونا له في كل ما تحقق.
مودع آخر كان في القاعة هو الإعلامي “عبد الله ولد محمدو” الذي تعرفت عليه قبل عام من الآن حين أسند لي برنامج “ملحمة التحدي” إبان مسطرة الإذاعة الخاصة بخمسينية الاستقلال؛ وكنت حينها بحاجة إلي من يرشدني إلي جوانب وزوايا المعالجة في الموضوع الذي تناول مرحلة هامة من تاريخ البلاد ( فترة الاكتشافات الأوربية) ودخول الاستعمار الفرنسي لموريتانيا.
قصدته بحثا عن الخبرة والتوجيه السليم، الذي يضمن لي التحلي بالمهنية والموضوعية في تناول المعطيات والوقائع التاريخية بأمانة وتجرد.
شدت النصائح والتوجيهات التي أسدى لي من عزيمتي وإصراري في البحث عن المراجع والمعلومات المتعلقة بالموضوع؛ فبدأت أتصل بالأساتذة والباحثين الذين ساعدوني كثيرا رغم انشغالاتهم الجمة أذكر منهم علي سبيل التنويه الدكتور/ ددود ولد عبد الله والدكتور/ محمد سالم ولد حمينه والأستاذ/ بون عمر لي الذي مازال حديثه عن كفاح “الضفة” واستماتة أهلها في الذود عن عقيدتهم وهويتهم؛ رغم آلة المستعمر وبطشه وتنكيله محفورا في ذاكرتي .. والأستاذ/ حبيب الله ولد أحمد الذي أفاض هو الآخر في ذكر مناقب الشناقطة ودور علمائهم في نشر العلم وعلوم اللغة..
هكذا كان الاجتماع مثيرا لحرقة الوداع خاصة لمن تعودت عينه علي أن لا تبخل بدمعها في هكذا مناسبات، سيما مع توالي كلمات الزملاء التي أشادت بجو العمل وأريحيته مع من آذنونا بالوداع.
لكن المدير الحالي كان مشفقا علي جفوني التي كادت تغرق في بحر الدموع؛ حين أعلن نهاية الاجتماع، بعد اتصال طارئ من السفارة السعودية، التي تتولي إجراءات سفر المدير السابق “أحمدو السالم ولد بوكه” حينها أدركت أني لا أقوى علي الوداع.