التفكك الأسري والفشل الدراسي في مقدمة أسباب الظاهرة..
محمد ناجي ولد احمدو
يقف عثمان الطفل ذو الاعوام العشرة، كل صباح عند تقاطع الطريق، شمال سوق العاصمة الكبير، حاملا خردة علبة طماطم ، مستجديا من يمر بجانبه أن ينفحه بما تيسر.. بعضهم يعطي وبعضهم يمنع.
عثمان غادر أهله في بابابي (بولاية لبراكنة جنوب غرب البلاد) قبل سنوات، من اجل دراسة القرآن الكريم في مدرسة أهلية في العاصمة نواكشوط، لكنه لم يدرس غير فنون التسول والمبيت في الشارع.
ويختلف عبد الله (12 عاما) مساعد ميكانيكي في ورشة إصلاح سيارات، بحي لكصر، بوسط العاصمة نواكشوط، عن زميله عثمان في أن أخاه الأكبر هو من وجهه الى تلك المهنة، رغم صغره.
يقول محمد شقيق عبد الله إن شقيقه فشل في الدراسة، وبالتالي لم يعد أمامه إلا أن ينضم إلى عصابات اللصوص أو يعلمه عملا نافعا، يوفر له حياة كريمة، واختار الحل الثاني
وفقدت فاتيماتا (الصورة) بنت الاثنتي عشرة عاما، فرصة ثمينة كانت تجد من خلالها بعض المال يساعد أمها المنفصلة عن زوجها في تسيير أمور البيت، عن طريق عملها خادمة منزلية، بعد تسريح مشغليها لها، تحت تأثير خشيتهم من العواقب القانونية لتشغيل القصر.
فيما يقضي الطفل عزيز نهاره قرب تقاطع الطرق، في منطقة كارفور مدريد، بقلب العاصمة نواكشوط، وهو يحمل أدوات تنظيف بسيطة: سائلا منظفا ومنشفة ويدا صغيرة، أرغمت ان تدخل الميدان الخشن، وينظف زجاج السيارات التي يرغمها الزحام أو الضوء الأحمر على أن تتوقف ولو لدقيقة.
مرة يزجره احد السائقين، وأحيانا لا تقابل مجهوداته بأي تعويض مادي، فبعض السائقين يظنون أن عمله يدخل في باب الهواية والحفاظ على المنظر”السياحي” للمدينة، ولا يدرون أن وراء الأكمة ما وراءها، وأحايين أخرى ينفحه بعضهم بنقود قد تكثر او تقل، تبعا لمزاج صاحب السيارة، ومدى أريحيته في لحظات التوقف أمام الضوء الأحمر.
يعود عزيز العامل الصغير في المساء متعبا.. ولكنه يعود بمبلغ مالي يساهم على أي حال في تدبير المنزل متعدد الأسر.. وفي الصباح موعد له مع رحلة أخرى..فـ”الرأس الذي تحته الرؤوس ما ايظل ولا ايبات” على حد تعبير المثل الحساني.
عزيز ولد سيدي محمد ولد صالح، المولود عام 1996 في ابيدجان.. وصل إلى نهاية المرحلة الابتدائية في المدارس الايفوارية، لكن موت الأب ونزوح الأم فرض عليه، وهو الضعيف البنية أن يكون معيلا قبل الأوان.
أرغمت الهجرة بسبب اندلاع الحرب في البلد المستضيف الطفل عزيز على العمل، فيما ارغم البقاء في الوطن أطفالا غيره على العمل.
ويرى باحثون اجتماعيون إنه ” تقف خلف الظاهرة عدة أسباب لعل أهمها هو التفكك الاسري في ضوء غياب إطار ترعاه الدولة يكفل ضمانا اجتماعيا للأطفال الضحايا“.
ويعتبر عمل الأطفال من أكثر الظواهر الاجتماعية المقلقة في موريتانيا، والتي تشهد نموا كبيرا منذ سنوات مع تزايد الفقر في المجتمع الموريتاني.
ورغم أن موريتانيا من أول البلاد التي صادقت على المواثيق الدولية التي تجرم عمالة الأطفال، لكن البعض يدعو إلى سن المزيد من القوانين المحلية للحد من الظاهرة التي تشير الأرقام الرسمية أنها تبلغ 13 بالمائة، في حين تؤكد بعض المصادر أن النسبة الحقيقة تفوق هذا الرقم بعدة أمثال.
ويعمل أغلب الأطفال الموريتانيين في ورشات الحدادة والنجارة وميكانيكا السيارات وأعمال أخرى لأسباب مختلفة، منها الحالة الاقتصادية المتراجعة والدخل المتدني لدى بعض الأسر الذي يدفعها لتشغيل أولادها.
ويقول مختصون ان الحد من ظاهرة عمل الأطفال في موريتانيا “لن يكون بقوة القانون حسب الكثيرين، لأن اللجوء لاستخدام الأطفال في أعمال شاقة شر لا بد منه“.
ويرى البعض أن الجهل والأمية ليسا السببين الرئيسيين وراء انتشار عمالة الأطفال في موريتانيا، مشيرين إلى عوامل أخرى منها الفقر ونقص التعليم لدى الأهل، في إشارة إلى أن الظاهرة تحمل بعدا اقتصاديا واجتماعيا.
ويقول الباحث الاجتماعي سيدي محمد ولد الجيد أنه “توجد قوانين زاجرة لكن المشكلة هي في تطبيقها، وفي هذه الحالة بالذات المشكلة ليست في القصور عن تطبيق القانون، وإنما في المجتمع الذي لا يمكنه أن يستوعب تطبيق تلك القوانين، المجتمع يعيش فقرا مدقعا“.
ويؤكد أن كثيرا من الأسر الموريتانية تعيش على سواعد أبنائها القُصّر “فإذا منعتهم عن ذلك فعليك أن تقدم البديل، مادامت الدولة عاجزة عن سد تلك الثغرة فإن النتائج ستكون عكسية وكارثية“.
وترى الكاتبة زينب بنت محفوظ في مقال لها أن “عمالة الأطفال هي ظاهرة يرفدها الفقر والجهل و غياب الدولة, إضافة إلي طبيعة المجتمع الموريتاني الحديث التي سمحت بتشكل فئة تقبع تحت فقر مدقع يسكنون في مناطق عشوائية في مساكن لا تصلح للاستخدام الآدمي“.