عبد الله ولد حرمة الله
حياة الدولة الموريتانية عقد أخذ ألوان درره من هجين البيظان، ونصاعة التكرور، وصمود سرقلة ونبل بني انجاي.. صهيل القح الأصيل، صدع المتنبي الأنيق، سماحة مالك العبقري، وشاعرية ولد أحمد يوره، “مزوزة” هنون، عبقرية ولد أحمد عيده، ورع الشيخ سيديا، غنائية سدوم ولد انجرتو، صلاح بلال الولي، هيبة همدي، بلاط جمبت مبوتج، تاج الحاج عمر تال، عمامة المامي كان.. خضرة الحوض، وجبال آدرار، خزائن شمامة، شواطئ نواذيبو، شموخ نواكشوط، عبق تكانت.. أرض البيظان الحاضنة لعترة التنوع الثري.
أخلفت مواعيد عدة للتاريخ، لجبن نخبها المترددة في مواكبة العروسة حتى آخر زغاريد فرحها الحتمي بتجلي غيوم العدل والمساواة في سماء بحجم طموحها ومصيرها المسكون بروح الشهداء الأبطال والصالحين الأولياء!
انحرفت قاطرتها منذ أكثر من ثلاثة عقود؛ فكان الغماء في “سجون الجماهير” والتنكيل في “ولائم العار”.. أكلت “أولادها” وقطعت زرعها ومرغت روحها في وحل “نفايات” أشلاء الأشقاء.. حاولت التصالح مع “ذات” تأسيسها، فتسلل “رهط” سماسرة الأمة بنفس انتقامي من شموخ الجمهورية الإسلامية الموريتانية!
استعاد البرامكة الرباط، فأمنو الخراج.. وأعادوا القاطرة سائرة وبها ماء وحياء وعزة أعادت الدموع إلى أحداقنا كل ما رددنا، شيوخا وأطفال: يا موريتان اعليك مبارك الإستقلال، الإستقلال، الإستقلال…
في التاسع عشر من أكتوبر إحدى عشر بعد الألفية الثانية، نطقت النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء، نطقت فقرة رصينة من تاريخ المجتمع والدولة الموريتانية؛ فكان الظفر.إن اعتماد منطق الأخذ والعطاء كمرجعية ما بين ساكن “القصر الرمادي” وأغلبيته في مؤسسات الجمهورية، من جهة، والمعارضة من جهة أخرى يعتبر أبرز وأشجع القفزات السياسية في التاريخ الحديث للمغرب العربي وغرب افريقيا!
فمراجعة معايير التمثيل في الحياة السياسية إثراء لدمقراطيتنا، التي أكدنا مرة أخرى تمسكنا بها وتطلعنا لترسيخها.. كذلك إعادة توازن السلط يضع بصمة وعينا على دستورنا في عهد سيادة منطق الدساتير!
إن تجاوب مؤسسات جيشنا الجمهوري مع تبني تجريم الإنقلابات والصولات الدستورية أصدق تعبير عن تشبث الأمة الموريتانية بخيمة الإستقرار والتطلع لعمارات التنمية وعودة العدل والإبداع لأمة ترعاها السماء.ليبقى إقحام نبذ الرق في أسمى قانون، بعد تجريمه أرصع دليل على نضج الأمة الموريتانية ، وتعاليها على عقدة “نبش القبور”، التي مازالت تسكن أكبر ديموقراطيات العالم “الحر”!في ظرفية تكالب الأعداء، يجمع الجسد الموريتاني كل تفاصيله، ويمضي “شامخا كالنسر فوق الصخرة الشماء”.
إن أجيالا غبنت، تتطلع اليوم بدور تاريخي في الإمساك بمشعل التنمية حتى تسليمه أخضر يانعا لأجيال الغد. وفقت الدولة الموريتانية في مخاطبة العالم بلغة ناضجة وأسلوب متحضر مبرزة مدى تمسك أبنائها بأرضهم الطيبة، وثقافتهم المباركة التي أودعت جمال أبجديتها ترجمات القرءان والشعر الجاهلي والفلسفة الغربية إلى أعرق لغات القارة السمراء.
بالأمس كنا نقضي في غياهيب الإستبداد إن عزفنا عن “قلة لباقة” أستاذ التاريخ؛ واليوم نصنعه أنيقا متألقا صامدا فرحا مطمئنا يمشي على الأرض ويلحق شموخه السماء.. “ما أجمل التاريخ كيف أعادنا لعزة أجدادنا”!.