تمضي عجلة الزمن في الدوران ، وتمضيى معها رياح التغيير في الهبوب ما تذر من نظام عربي أتت عليه الا اقتلعته من جذوره .
من تونس مرورا بمصر هاهي موجات الطوفان الشعبي المنتفض تضرب البحرين فاليمن ثم … ليبيا … وعلي سطحها يطفوا أن لا عاصم اليوم من غضب الشعوب وانتقامها إلا العدل والمساواة وفتح المجال أمام الشعوب للتناوب السلمي علي إدارة شؤونها بنفسها واختيار من يحكمها بحرية وشفافية، فضلا عن التوزيع العادل للثروات وفتح المجال أمام حرية الرأي والتعبير …
وهي مطالب ظلت الشعوب العربية عقودا متتالية ترفعها في هدوء وسكينة وتنادي من أجل تحقيقها ولكن لا من يسمع أو يستجيب .
لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
من تونس الخضراء انطلقت الشرارة الاولي أواخر ديسمبر الماضي لتبدأ الشعوب العربية قصة جديدة من تاريخ علاقتها بحكام اغتصبوا أمرها، ونهبوا خيرها، وجثموا علي صدرها يبتغون الخلود .ومنذ ذلك التاريخ والمشهد يتكرر – ذات المشهد – شباب سئموا الوعود الزائفة بالاصلاح ، وأرهقتهم ظروفهم الصعبة ، وملوا هوانهم علي أولياء الامور يخرجون للتظاهر السلمي عزلا الا من إرادة راسخة و عزيمة لا تقهر لتحقيق مطالبهم المشروعة بعيش كريم أو موت مشرف في مواجهة آلة السلطة الغاصبة المتغطرسة المتشبثة بالكراسي تمسكها بالحياة .
وسعيا منها لاطفاء جذوة الصحوة الشعبية المتنامية لا تتواني الانظمة في استخدام كل الوسائل من استخدام مفرط للقوة إلي التفنن في تجريب كل ما ملكت من عدة وعتاد الشرطة والجيش والبلطجية والمأجورين الذين عاثوا في الأرض قتلا وتنكيلا واشاعة للفوضي والتخريب والسلب والنهب… ثم ما تلبث تلك الأنظمة المفلسة أن تبدأ في التراجع مهزومة أمام انتفاضة الشعوب التي تخلصت من خوفها المزمن لتبدأ رحلة السقوط المدوي الي غير رجعة .
لقد نجح المصريون – ومن قبلهم التونسيون- في التخلص من فرعونهم المحنط فأسقطوا مبارك كما أسقط التونسيون من قبل زين العابدين ليتوالى سقوط الانظمة العربية واحدا بعد الآخر، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.
وإذ عمت موجة الغليان الشعبي معظم أرجاء الوطن العربي من المحيط الي الخليج أو تكاد ،إلا أن أغلب المتابعين يرجحون الجماهيرية الليبية لتكون محطة السقوط الموالية حيث تشهد أعنف الصدامات والمواجهات بين المدنيين الغضبين وزمرة القذافي وزبانيته المأجورين الذين يواصلون كل أنواع القتل والتنكيل بأفراد الشعب المنتفض ضد النظام المخبول . مستخدمين في ذلك كل الأسلحة الممنوعة من قصف بالطائرات الي الأسلحة المضادة للطائرات والدبابات ضد أفراد الشعب العزل ، وسط تعتيم اعلامي مطبق ،وصمت دولي رهيب لم يشهد له التاريخ البشري الحديث مثيلا ، فإلي متي يستمر العالم في السكوت والتفرج علي مذابح القذافي ضد شعبه ؟ بل كم يكفي من القتلي ليفهم القذافي أن الليبيين لم يعودوا يتحملون ترهاته السخيفة ؟
رغم ما يلف الثورة الليبية من غموض جراء التعتيم الاعلامي الممنهج تتواتر الانباء عن سقوط أكثر من 530 قتيلا خلال الأيام الخمسة الأولى فقط – وماخفي كان أعظم – وهو رقم تجاوز حتي الآن ماسقط في الثورتين التونسية والمصرية مجتمعتين خلال فترة ناهزت الشهر ، كما تتورد الأنباء عن اكتتاب النظام الليبي لقتلة مأجورين من عدة دول افريقية بمرتبيات يومية تصل الى 2000 دولار يوميا ، فضلا عن استجلاب طيارين من صربيا لقصف المتظاهرين بعد رفض أغلب الطيارين الليبين قصف بني جلدتهم .
يجب التنويه هنا الي أن عدد قتلي القصف الاسرائيلي علي غزة خلال حربها الاخيرة عليها لم يتجاوز 1500 قتيل خلال 23 يوما من صب النار والقنابل العنقودية وغيرها من الاسلحة المحظورة علي الشعب الأعزل في القطاع الصامد رغم العداء ، وهو رقم تبدو الاحداث في ليبيا مرجحة لتجاوزه إذا استمر العالم في ترك الحبل للغارب للعقيد الأرعن الذي أعلن ابنه الحرب من جانب واحد علي المدنيين حتي آخر طلقة وآخر رجل وامرأة ، فيما أعلن هوأنه لن يسلم السلطة لأي كان ولن يسلم سوي أرض محروقة ، وهي أقوال وأفعال سبق القذافي اليها الكثيرون فما أغنت عنهم قوتهم لما ظلموا وما كانوا معجزين ، وإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .