اختبار لرئيس حزب الإتحاد من أجل الجمهورية
في ورقة الميلاد ، اتخذ القرار رقم 1… كتب بخط جميل : ولد في بومديد.
كان ذلك منذ زمن بعيد، ولم تمضي يومها سوى لحظات محدودة في ممارسة الحياة.
كانت الدقة يومها ذاك مطلوبة تماما لإعتبارات مادية محضة، ومع ذلك لم أتأكد إلا بعد بسنوات عديدة من صحة الجملة…
لا ذكريات ، ولا حتى معارف… لاقبور لآباء ولا أجداد…انتهى كل شيء بتلك الجملة… الجملة التي يبدوا أنها ستظل ترافقني حتى النهاية
انقطعت الصلة بيننا ،ولم أفتح عيني على هذه المدينة ، إلا بعد اكثر من عشرين عاما حينما وجدتني بين جدران إدارة أمن الدولة انتظر تتفيذ قرار الإقامة الجبرية في هذه المدينة النائية وسط بحر الرمال بين ولايات لعصابة والحوض الغربي وتكانت
كان ذاك هوالقرار الثاني …
احسست يومها بشعور عصي على الضبط : مسلوب الحرية ومع ذلك تتاح لي فرصة التعرف والارتباط بالمنطقة التي أريد لي أن ارتبط بها حتى من دون ذكريات ولا آثار …
مضت سنوات وسنوات… ، وأخيرا وجدت نفسي أنسجم مع ما أريد لي من دون إرادتي… هكذا أنا، وبمجرد الفضول، أهتم بالتفاصيل الدقيقة في هذه المدينة …
عدد سكانها وقراها … أطرها وقبائلها…مراعيها وجبالها…كل شيء يتعلق بها..
ومع ذلك لا أحد من سكانها يعرف بعلاقتي بها، وارتباطي الذي ارغمت عليه حتى صارت جزءا من المشهد اليومي في حياتي..
اليوم وبعد أكثر من ثلاثين سنة… أبوح بسر العلاقة…
منذ أسابيع أعلن عن تجديد ممثلها في مجلس الشيوخ، فتساءلت في نفسي ترى على من يقع الإختيار؟
ولأني ابن المدينة بالإكراه، ولأنه لا يحق لي مع ذلك حضور اجتماعات ابنائها لعدم وجود إعمار أو آثار، ولأن الفضول ممزوجا بشعور الإنتماء يدفعاني بإلحاح للإجابة على التساؤل، عدت للأرشيف أبحث عن جواب …
بحثت وتساءلت…وبعد جهد كبير في تحليل الأرقام والوقائع والمعطيات..خطر ببالي أنه ربما أكون هذه المرة بحاجة لقرار ثالث يؤكد انتمائي بحق لهذه المدينة أو يريحنى من هم التطفل على موائدها…
اختبار في غاية البساطة…
قبل اقل من سنتين تسلم محمد ولد عبد العزيز مقاليد الأمور في البلد، ووعد ب”موريتانيا جديدة”..
مرت شهور وأوكل مهمة انشاء حزبه الخاص لأحد أبناء المدينة…بومديد…خرج المكتب السياسي للحزب، وقيل “أوجه جديده ورؤية عصرية”…
اليوم تدخل هذه ال”أوجه(ال)جديده و(ال)رؤية (ال)عصرية” أول تحدي حقيقي في الميدان…
بخصوص مقاطعة بومديد( والتي يكاد الأمر يقتصر فيها على هذا الحزب لعدم وجود مستشارين بلدين خارج دائرته باستثناءات قليلة) تقول آخر معطيات انتخابية أن عدد المسجلين فيها يبلغ حوالي 4550 ناخب موزعين حسب بلدياتها الثلاثة على النحو التالي:
بلدية بومديد: 2100
بلدية احسي الطين 1800
بلدية لفطح 650
في هذه البلديات الثلاثة المشكلة لعموم المقاطعة تقطن ثلاث قبائل لكل منهما بلدية خاصة بها، ومنذ سنوات عديدة وحتى اليوم، تستأثر القبيلة القاطنة في بلدية بومديد بمنصبي الشيخ والنائب فضلا عن العمدة المركزي، مستغلة الخلافات السياسية بين باقي المجموعات ، واعتبارات أخرى…
وحسب ما اطلعت عليه من معلومات فإن حزب الإتحاد من الجمهورية أوفد مؤخرا بعثة للمقاطعة لتقديم مقترح لتسمية المرشح لمجلس الشيوخ، وقد وقفت البعثة على الوضع في الميدان على النحو التالي:
مجموعة بلدية بومديد (التي كانت أصلا تستأثر بالمقاعد الانتخابية) تقدمت للمنصب منقسمة إلى مجموعتين، وبأسماء متعددة
مجموعة بلدية احسي الطين تقدمت للمنصب ككتلة واحدة بمرشح موحد
مجموعة لفطح تقدمت للمنصب منقسمة إلى ثلاث مجموعات وبأسماء متعددة
فهل ستختار ال”أوجه(ال)جديده و(ال)رؤية (ال)عصرية” طريق “الشفافية” و”موريتانيا الجديدة”؟ أم أن وجود الرجل الثاني في النظام والأول في المؤسسة العسكرية، ووجود رئيس الحزب الحاكم من أبناء الشريحة المسيطرة سياسيا على المقاطعة سيعيق السير في هذا الطريق؟
في انتظار القرار الثالث بإعلان المرشح المختار لشغل مقعد شيخ مقاطعة بومديد، ستتضح الصورة أكثر على صعيد الانتماء الشخصي للمدينة، وعلى صعيد “موريتانيا الجديدة” و أوجه(ها) (ال)جديده ورؤية(ها) (ال)عصرية” من جهة أخرى..
في الحالة الأولى سأكون سعيدا… ببساطة.. أصبح بإمكاني أن ارتبط حقا بهذه المدينة كمواطن ليس من الدرجة الثانية …إنما مواطن بنفس الحقوق والواجبات … حينها لن أخجل حينما أسأل بطريقة استفزازية عن مكان ميلادي… أنا مولود في أول مدينة تدشن موريتانيا الجديدة بحق…