لا جدال في أن ثقافة المستعمر الغربي غير ثقافتنا، وأن دينه يختلف عن ديننا، وصحيح أن الطينة التي صور منها مغايرة لطينتنا، وأنه لم يكن يألو جهدا من اجل طمس هويتنا وحضارتنا ومسخ مجتمعنا .
ولا جدال كذلك في أن تاريخنا الحديث- بحسب ما قرأنا بل وحكت لنا الأمهات والآباء وأكابر الإخوة- شهد إبادات وملاحمه كبيرة بلغت خسائرها من دولة واحدة مليون شهيد أو تزيد، وأن آلافا ومئين وعشرات هنا وهناك قد استشهدت بوسائل وفي ظروف شتي، فضلا عن سجون ملئت بالشيوخ والشباب والنساء والرجال والأطفال ،أناس من كل الأعمار والمستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية .
اجل كل هذا حصل وغيره كثير لكن ألم يرحل ويترك للأمة حكاما من أنفسهم يتقاسمون معهم اللغة والثقافة والطينة؟ ثاروا عليه ونعتوه أسوأ النعوت وغرسوا في أذهان الأمة من قبيح صنعه ما لم تتصور أن الاشتراك في الإنسانية يسمح بالوصول إليه.
لكن وبعيدا عن التاريخ وحديثا عن العين المجردة فإننا قد نشك في كل تلك المسلمات التاريخية إذا استحضرنا بعض الوقائع المعاشة ،فمثلا نتحدث عن مجتمع كالمجتمع الايطالي مهذب ومتمدن يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا اتهم زعيما سياسيا كبيرا مثل برلسكوني باستغلال قاصرة، ويقيم الملاجئ للأفارقة والآسيويين مرشحي الهجرة السرية، ويفرق بين من قد يتعرض منهم لسوء المعاملة إذا رجع إلي أهله فيمنحه حق اللجوء السياسي ويعيد الآخر بالطائرات إلي حيث أتي .
قد لانتصور أن من أسلاف هؤلاء القوم من يكون أسوأ أو حتى مثل حاكم يؤرخ لإبادة السبعينيات والثمانينيات، ويتوعد شعبه بالتطهير والإبادة، وخوفا من أن لاتحمل تلك الكلمة كامل معناها يفصل دلالة التطهير عنده: شبرا شبرا بيتا بيتا ، وأدوات التطهير عنده هي الجمر والنار دونما رحمة ولا شفقة يقتل الشيوخ و الأطفال الرضع والنساء أبشع قتلة،فلم يسمع بقول خير الخلق صلي الله عليه وسلم :لاتقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا هرما .-هذا إن حل القتل- فمثل هذا مع أهله وعشيره حين أرادوا إنهاء حكمه لا يمكن أن نتصور ما قد يكون عليه إن أراد غير الأهل والعشير منه ذلك، ماذا عساه يفعل؟ فليس بعد النار من تنكيل أو عذاب .
بعد كل ما شهدنا وشاهدنا، لن يكون بإمكان أساتذة التاريخ أن يقنعونا رغم سهولة ذلك عليهم سلفا ،أن الحاكم الفرنسي أو الايطالي اشد حرصا على بقاء سلطته بموريتانيا أو المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا من زعمائها الأشاوس، وأن هؤلاء الحكام أكثر زهدا في استمرار أحكامهم من أن يسجنوا أو يكلموا أو يقتلوا إخوة لهم في الدين والثقافة والطينة ،فكيف لو تحكموا في شعوب غير شعوبهم؟
تصور معي حاكما غربيا تؤدي سياساته المعلنة إلى قتل احد مواطنيه كيف يكون حاله أمام جماهيره؟ سوف يعتذر ألف مرة ولن يكفيه ذلك، وسيعلن استقالته من مقعده الوثير،وهيهات أن ينتهي الأمر عندها ، بل ربما اقتيد إلى العدالة وظلت لعنة الخطيئة تلاحقه ما حيي.
أما القادة الملهمون أصحاب الرأي النير والسديد والحكيم…… فحدث عن قتل سياستهم في الداخل والخارج وفي السجون ،دون أن يستقيل حتى مسير سجن بله وزير عدل، وحتى دون أن يكون الخطأ القاتل جاء بسبب تقدير مصلحة عامة وإنما حين يصرح الحاكم لنزوة أو يمارس هوايته في العظمة والحكمة.