المذرذره ـ محمد ناجي ولد أحمدو
أشجار البروسبيس؛ المعروفة محليا بـ”اكرون لمحاد”، تنتشر كابحة من سرعة زحف الرمال الذهبية، التي تود لو طوقت خصر المذرذرة؛ كبرى مدن منطقة “إيكيدي”؛ جنوب غرب موريتانيا.
“اكرون لمحاد”، التي تسمى أيضا “اسدر النصارى”، في إشارة إلى اعتبار المخيال الشعبي الموريتاني لها نباتات غريبة على البيئة المحلية، انتشرت أول ما انتشرت في المنطقة، بعيد دخول الفرنسيين المنطقة، قبل قرن وعقد من الزمن، الذين اعتبروا المذرذرة قاعدة لهم هناك، مما أكسبها اسم “الصنكه” التي تعني الثكنة العسكرية.
على قمة الكثيب الرملي؛ تتموقع القلعة، التي اتخذها الاستعمار مقر إقامة وعمليات حاكمه، غدا المكان مع ميلاد الدولة الوطنية مقر إقامة حاكم مقاطعة المذرذرة، وبلدية المدينة.
في السفح يتموقع سجن المدينة القديم، الذي سبق وأن آوى الشاعر امحمد ولد أحمد يوره، والمقاوم محمد ولد امسيكه، والمدرسة التي كانت أول مؤسسة تعليم نظامي في البلد، ويستعد ساكنة المدينة لتخليد مئويتها، التي تمثل مئوية التعليم في موريتانيا، خلال السنة الجارية.
بقيت المدرسة والسجن شواهد على فترة الاستعمار، حيث كانت المدينة عاصمة دائرة الترارزة.. هنا كان الحل والعقد.. وهنا ايضا ينام التاريخ بين كثبان الرمال.
اليوم وبعد اكثر من قرن على “طلوع النصاري” على أهل المدينة، ما زالت المذرذرة تحتفظ ببنايات تعود إلى تلك الحقبة.. المنازل القديمة المسنمة الأسقف ما زالت موجودة في الشارع الرئيسي لها.
غير ان المذرذرة الحالية أصبحت مدينة مترامية الأطراف، ورغم ذلك قلمت أظافرها فلم تعد عاصمة دائرة، واكتفت بأن تكون عاصمة إحدى ست مقاطعات تتبع للولاية السادسة.
انقطاع الكهرباء الإجباري عند الساعة الواحدة صباحا، يحرم الليليين من أبناء المدينة من السهر مع القنوات الفضائية، التي لا يخلو منها أي منزل هنا.
مع أولى خيوط الفجر تتخذ نساء الطبقة الفقيرة في المدينة مواقعهن أمام دكان التضامن الواقع في الشارع الرئيس جنوب غرب مبنى حاكم المقاطعة.. فيما يهرع أصحاب المحلات التجارية المتناثرة على جانبيه إلى دكاكينهم ليبدؤوا يوما من العمل.
تتبع لمقاطعة المذرذرة خمس بلديات،هي إضافة إلى البلدية المركزية، تكند، الخط، التاكلالت، وابير التورس، ويعد ساكنتها قرابة الثلاثين ألفا، غير أنهم يشكون مما يسمونه العزلة، فعدا عن طريق روصو الذي يمر بمدينة تكند، لا يوجد طريق مسفلت في طول المقاطعة ولا في عرضها.
استبشر أهالي المذرذرة خيرا بتدشين طريق تكند ـ المذرذرة، الذي سمي “طريق الوفاء”، في إشارة الى ادبيات الحزب الجمهوري، و”التلاحم بين القيادة الوطنية والشعب”، غير أن بقاءه طريقا رمليا لمدة تنيف على خمس عشرة سنة، “أصاب الساكنة بالإحباط”؛ يعلق محمد الأمين أحد أبناء المدينة.
“الطريق ذو الخمسين كيلومترا يمتلئ بالمطبات، وينبعث منه الغبار على مدار الساعة، وقد يكون غير سالك في مواسم الأمطار”؛ يواصل محمد الأمين.
لا حديث يعلو في المذرذرة هذه الأيام فوق الحديث عن انتخابات تجديد ثلث مجلس الشيوخ؛ التي تم إلغاؤها بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، فشيخ المدينة الى جانب شيخ مقاطعة كرمسين، هما ممثلا الولاية في الانتخابات المؤجلة.
وفي ضوء مقاطعة منسقية أحزاب المعارضة للانتخابات، برزت لائحتان تتنافسان على مقعد شيخ المقاطعة، الذي بدأت التحالفات الممهدة لاختياره، في الظهور الى السطح، إحداهما تحمل ألوان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وعلى رأسها شيخ المدينة المنصرف، والثانية قادمة من رحم الحزب المذكور، غير انها اختارت الاستقلالية، وبين اللائحتين يتوزع مستشارو المقاطعة الذين يقتربون من المائة، بيد أن المشهد مرشح للتغير في ظل التحالفات والترشحات المرتقبة التي قد يسفر عنها قرار التأجيل.
في المذرذرة دخلت الانترنت حياة السكان، فـ”لا معنى ان تكون المدينة التي أنجبت خيرة أطر موريتانيا بعيدة عن ركب العولمة”؛ يعلق اطول عمرو، المدرس في المدينة.. يتابع أبناء “الصنكة” الشأن السياسي المحلي طازجا من الانترنت، التي شهدت تصميم موقع خاص بتتبع أخبار المدينة السياسية والثقافية، فيما يركن المهتمون بملفات الثورات العربية الى متابعة التلفاز ، منتهزين فرصة وجود التيار الكهربائي، قبل ان يركن الى الصمت الاضطراري بفعل توقف خدمة الكهرباء.
يطالب ساكنة المذرذرة بمدهم بالتيار الكهربائي على مدار الساعة، بل إن أحد أبنائها، وهو الأديب الرجالة ولد الميداح، كتب نصبا شعريا شعبيا طريفا في هجاء كهرباء المدينة.