لقد شكل التاسع عشر من ابريل 2007 نقطة تحول كبرى في التاريخ السياسي الموريتاني بل في العالم العربي اجمع و ذلك بعد مرحلة من التوتر السياسي و الحكم العسكري و شبه العسكري و ديمقراطية الحزب الواحد و الحاكم الأوحد امتدت حوالي ثلاثين سنة كانت أبرزها مرحلة حكم ولد الطايع و المرحلة الانتقالية التي أعقبتها.لذا فان الفهم السليم لهذه المرحلة يستدعي منا القراءة المعمقة للمشهد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي جاء على إثره انقلاب الثالث من أغسطس2005 و كذا أهم ما قدمته المرحلة الانتقالية التي جاءت بعده و خاصة على المستوى السياسي.
فقد جاء انقلاب 12 دجمبر 1984 كبداية مرحلة جديدة في تاريخ موريتانيا على أكثر من صعيد ،فهو قد جاء بعد سنوات عجاف من حكم ولد هيداله اتسمت بالاضطهاد السياسي و الأزمات الاقتصادية الحانقة فما هي أهم ملامح فترة حكم معاوية يا ترى و ما هي ابرز المحطات التي مرت بها و ما هي الأسباب و الدوافع الحقيقية لانقلاب الثالث من أغسطس سنة 2005 ،و ما هو الجديد الذي جاءت به المرحلة الانتقالية أغسطس 2005-ابريل 2007؟
لقد كانت فترة حكم ولد الطايع فترة حكم عسكري شمولي بامتياز ،اتسمت فيها الحياة السياسية بالضعف و غياب النضج ،ففي مرحلة ما قبل 1991 شهدت البلاد موجة اعتقالات سياسية شملت جميع الحركات التي كانت تمارس نشاطها بشكل سري، من يساريين و قوميين عرب و زنوج ،و كانت أحداث 1989 ، و تسريح الضباط البعثيين من أهم المحطات البارزة في هذه المرحلة.
و مع مطلع تسعينات القرن الماضي كان تيارا اليساريين الموريتانيين و القوميين الزنوج من ابرز القوى السياسية في البلاد لذلك فقد حملت لواء معارضة النظام،و في سنة 1991 و مع هبوب رياح الديمقراطية على بلدان العالم الثالث فتح النظام الباب أمام إنشاء الأحزاب السياسية،و ظهرت أحزاب سياسية وطنية كان من أبرزها حزب اتحاد القوى الديمقراطية و الذي انقسم على نفسه بعد هزيمة مرشحه للانتخابات الرئاسية السيد احمد ولد داداه،كما كانت الساحة السياسية على موعد مع ظهور التيار الإسلامي الوسطي ذي التوجهات و الأفكار القريبة من طرح الإخوان المسلمين في مصر
و بعد وقوف ولد الطايع إلى جانب النظام العراقي أثناء حرب الخليج الأولى استجابة للطبقة الحاكمة و نتيجة لتحكم الرأسمالية في البلد قرر أن يغير رأيه و التوجه شطر البيت الأبيض و حلف الولايات المتحدة الأمريكية ،و بحلول العام 1999 كانت موريتانيا واحدة من بين ثلاث دول عربية أقدمت على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ،الشيء الذي أحدث شرخا كبيرا بين نظامه و الشعب الموريتاني ،الذي اثر الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية ،و هكذا تأججت المشاعر القومية و الدينية ضده ،مما نتج عنه حالة من عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية في موريتانيا ،حالة ازدادت سوءا بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
و قد جاءت أحداث سبتمبر 2001 ليجد النظام الموريتاني نفسه مشاركا فاعلا في مشروع أمريكا للحرب على الإرهاب فشن حملات اعتقال واسعة ضد الإسلاميين لم تسلم منها المساجد و الأئمة و تم تسليم موريتانيين لأمريكا ليلقي بهم في سجن اغوانتانامو ، و كان لمحاولة انقلاب يونيو 2003 دورا بارزا في إشعال نار تلك الحملة متهما جماعات منهم بالانتماء للجماعات السلفية بالجزائر و العلاقة بالقاعدة و تم اتهام جماعات أخرى بمحاولة انقلاب غير شرعية،ولكن كل ذلك لم يمنع القوى السياسية الرئيسية المعارضة في البلد من اتهام نظام ولد الطايع بشن هذه الحملة على الإسلاميين محاولة لإرضاء أمريكا و التكفير عن موقفه أثناء حرب الخليج الأولى.
أما الحالة الاقتصادية فقد اتسمت بالصعوبة فحسب تقرير صندوق النقد الدولي لسنة 2000 وصل معدل التضخم إلى 4.5% ووصلت البطالة إلى 29% ،أما نسبة من يعسشون تحت خط الفقر فقد بلغت 54% في حين ازداد حجم المديونية الخارجية بشكل كبير ليصل إلى 2.1 مليار دولار سنة 2000 طبقا لصندوق النقد الدولي.
هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة في موريتانيا جاءت نتيجة لمجموعة من السياسات الاقتصادية الفاشلة و التي تم انتهاجها على مدار عقود من الزمن ،إضافة إلى الفساد المالي و الإداري الذي طبع هذه الفترة،و نذكر من بين تلك السياسات الاستجابة الكاملة لسياسات البك و صندوق النقد الدوليين و التي التزم النظام بتطبيق و صفاتها السحرية كضمان لتدفق الدعم و التمويلات الخارجية . و كانت سياسات تلك الهيئات مرتكزة على توسيع الوعاء الضريبي و تقليص النفقات العمومية و تخفيض قيمة العملة و تصفية البنوك العمومية و السعي إلى تطبيق سياسات ليبرالية مجحفة نتج عنها فتح باب الاستيراد على مصراعيه و إلغاء دعم السلع الأولية إضافة إلى خصخصة جل المؤسسات العمومية.
هذه السياسات الاقتصادية الفاشلة أدت إلى عدم الاستقرار السياسي ،فاندلعت مظاهرات حملة الشهادات العاطلين عن العمل إضافة إلى احتجاجات النقابات العمالية و الهيئات المهنية ،فقد تنازلت الدولة عن مجمل وسائل التحكم في النشاط الاقتصادي و التي كانت تمكنها من المحافظة على القدرة الشرائية للطبقة الوسطى و تستفيد منها الطبقات الأكثر فقرا و هشاشة.
وقد ولد اكتشاف النفط و الغاز في السواحل الموريتانية سنة 2001 و بكميات اعتبرت حينها هامة ولد بارقة أمل في انتعاش الاقتصاد الموريتاني .
كل هذه العوامل جعلت الرأسمالية الموريتانية تفكر جديا في وجود مخرج من حالة عدم الاستقرار و التخبط التي أصبحت السمة البارزة لنظام ولد الطايع في سنواته الأخيرة،و ذلك لحماية استثماراتها و المحافظة على مكتسباتها .من هنا جاء دور المؤسسة العسكرية و التي أزاحت نظام ولد الطايع في انقلاب ابيض فجر الثالث من أغسطس سنة 2005 و تولى تسيير أمور البلاد المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطية .
و قد قام المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطية بتعطيل العمل بالدستور و حل الحكومة و حل البرلمان و عين حكومة انتقالية عهد إليها بتسيير مرحلة انتقالية من سنتين قلصت فيما بعد إلى تسعة عشر شهرا انتهت بانتخابات رئاسية اقل ما يقال عنها إنها نزيهة و شفافة رغم ما شابها من ضغوط و استخدام للمال السياسي. و تمثلت أهم الاجرءات التي اتخذها المجلس العسكري و الهادفة إلى ضمان شفافية الانتخابات و تحسين ظروف الحياة السياسية تمثلت في تعديلات دستورية حددت فترات الترشح للرئاسة بفترتين مدة كل منها خمسة سنوات و أعطت نسبة 20% من المناصب الانتخابية للنساء ،و أصدرت فانون تنظيم مؤسسة المعارضة السياسية و تم سن قانون حرية الصحافة ، وتمت الدعوة إلى انتخابات برلمانية و بلدية تم فيها اعتماد بطاقة التصويت الموحدة لأول مرة،ولعل أهم ما شاب هذه الانتخابات هو موجة الترشحات المستقلة العارمة و التي يتهم المجلس العسكري بالوقوف وراءها من اجل إضعاف أحزاب سياسية كبيرة كان من المتوقع أن تكتسح المشهد السياسي آنذاك. و على الصعيد الاقتصادي قام المجس بإجراءات تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين كان من أهمها زيادة رواتب موظفي و ووكلاء الدولة بنسبة 50% مرتين متتاليتين و تم إعفاء جزء كبير من الديون الخارجية و حصلت الحكومة على تمويلات خارجية هامة ،كل هذا لم يمنع من الحديث عن استشراء فساد مالي كبير نتج عنه اختلاس ما يناهز مئات ملايين الدولارات. و في مارس 2007 كان الشعب الموريتاني على موعد مع أول انتخابات رئاسية يمكن وصفها بالشفافة و النزيهة أسفرت عن وصول أول رئيس مدني منتخب إلى سدة الحكم منذ انقلاب 1978 لتكتمل فصول المشهد يوم التاسع عشر من ابريل سنة 2007 حينما عاش الشعب الموريتاني و العالم اجمع أول انتقال سلمي للسلطة لرئيس مدني منتخب في هذا البلد العربي الإفريقي المسلم ، فهل قرأ نظام ذلك الرئيس الدرس جيدا و إن كان قرأه فهل فهمه فهما حقيقيا يختلف عن فهم زين العابدين بن علي للتونسيين.