احتضن المركز الثقافي المغربي مساء الثلاثاء محاضرة تحت عنوان التكافل الاجتماعي بين الشرع والقانون،قدمها كل من العلامة حمدا ولد التاه والباحث الاجتماعي سيدي محمد ولد أجيد،
وتوطئة للمحاضرة قال الدكتور محمد القادري مدير المركز ان السبب الأساسي لتناول هذا الموضوع هو ما بتنا نلاحظه في عصرنا الحالي من تداعي الروابط الاجتماعية جراء تأثيرات أنماط التعامل الجديدة التي فرضتها الحياة العصرية والنمط الاجتماعي الغربي،سواء داخل الاسرة الاجتماعية الواحدة او داخل النسيج الاجتماعي الصغير بين الجيران،خاصة في المدن أو بين مكونات النسيج الاجتماعي بصفة عامة.
وأضاف الدكتور قادري”إذ صرنا نشاهد ونقرأ ونرى في مختلف وسائل الاعلام عن ظواهر نشاز لا تتوافق مع ديننا الحنيف المبنى اساسا على المعاملة الحسنة والتكافل والتعاضد والايثار،فتنامت الفوارق الاجتماعية مخلفة شروخا كبيرة بين الاغنياء والفقراء….وازدادت ظاهرة المشردين في الشوارع ضغارا وكبارانساء ورجالا،بل تشمل الرضع اللذين نراهم في احضان نساء يستعملون في التسول من لدن عديمي الضمير والانسانية كطعم بشري لاستدرار عطف وحنان المارة او يتاجر باعاضائهم او يرمون في القمامة للتخلص منهم نهائيا مما قد يجلبون من عار أو مشاكل”ويضيف قادري”هذا فضلا عن نزايد عدد الملاجئ التي يوضع فيها من نبذهم المجتمع وادارهم ظهره وخاصة دور العجزة ….التي تعتبر ظاهرة بغيضة لم نعهدها في ثقافتنا الاسلامية قديما وحديثا
وقال قادري في سياق آخر ان هنالك وسائل للعلاج اتى بها ديننا الاسلامي الحنيف الذي خط لنا نهجا واسلوبا راقيا في التعامل والمعاملات بل وحتى النصوص القانونية الوضعية المعمول بها في عالمنا الاسلامي كقوانين الاحوال الشخصية وقوانين الاسرة وغيرها….
الفقيه حمدا ولد التاه حمدا ذكر بأهمية التكافل الاجتماعي لدى الانسان الذي يعتبرحيوانا اجتماعيا يحتاج للاخرين اكثر من أي كائن آخر،فولد الناقة او البقرة ينفصل عنها مبكرا عكس الإنسان الذي يبقى مرتبطا بابوية طيلة حياته ،وقال حمدا ولد التاه إن ديننا الإسلامي ولد على البنية الطبيعية لهذا الكون وقد تبنى مبدا التكافل في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والادبية، كما ان الانسان حيوان تكافلي.
وأضاف حمدا ولد التاه أنه من مظاهر اهتمام الاسلام بالتكافل أن الولد قبل ان يولد تصدر الى ابويه توصيات لاختيار بعضهما البعض حتى يكون كل منهما مكمل للأخر،وبعد ولادته توزع حقائب العمل في رعايته بين كافل اقتصادي وهو الاب وكافل بدني وهي المراة.مما يعني أن الرعاية والقوامة يتم تقسيمهما بين الام والاب.
وفي وجه آخر من أوجه التكافل قال ولد التاه إن الإسلام أنشأ مؤسسة النفقة ومؤسسة الإرث ومؤسسة الدية،وهنالك ترابطا ثلاثيا بين هذه الجوانب لحماية الإنسان،وقد حاول الغرب ان يقول بان حق المراة في الإرث اقل من الرجل،لكن تلك تبقى مجرد نظرة جزئية لا يدرك أصحابها حقيقة ذلك التوزيع ، لان المراة ينفق عليها بنتا وزوجة وأما،وفي الارث قد تفوق المراة الرجل احيانا حسب العديد من الحالات.
وأضاف ولد التاه إلى ان الإنسان وضع شبكة من التكافليات تتعدى العلاقة المباشرة بين الانسان والإنسان الى علاقة الموظف بالمؤسسة التي يعمل بها وساق مثلا بشرطي يقتل مواطنا خطأ حيث يتكفل قطاع الشرطة بدفع الدية،
وقد تجاوزت النفقة الإنسان إلى النبات والحيوان ، فمن توقف عن سقي شجرة عمدا يكون بذلك آثما،
وقال في سياق آخر إن هنالك شبكة الضيافة التي تعتبر مهمة للتكافل حيث تعتبر واجبة مدة ثلاثة أيام في البادية عكس المدينة التي تضم الأسواق والمحلات التجارية ويمكن للنازل بها شراء حاجياته،وقد كانت تلك عادة عربية اقرها الإسلام ،ويوجد كذلك جانب “الحبس “وهو حبس الذات وتسليم المنفعة ويجوز ان يكون مصروفا على عجزة، او شيوخ او اطفال ،
يضاف الى تلك الاوجه التكافلية ايضا شبكة البذل والمعروف والزكاة التي تعتبر عمدة المال والاقتصاد،وهي تعطى من الثروة النقدية والحيوانية والزراعية.كما منع الاسلام الاحتكار كي تعم المنفعة ،ومنع الاستبداد بالسلع و التزويد الفوضوي للاقتصاد ،بل ركز على التوزيع العادل .ويعتبر الاسلام كذلك دينا تكافليا في مجال المعرفة لأنه يعتبر بث العلم فريضة .واستشهد الفقيه حمدا ولد التاه في نهاية مداخلته باستحضار ما أسماه”التجربة الميدانية التي قام بها الرسول صلة الله عليه وسلم عندما آخى بين الأنصار والمهاجرين“
الباحث الاجتماعي سيدي حمد ولد أجيد قال إن التكافل الاجتماعي يتجسد في مجموعة مظاهر باعتباره حاجة اجتماعية حتمتها الطبيعة البشرية لان البشر يتفاوتون من حيث الممتلكات والقدرة على الفعل ومن ثم لامناص من بعد تكافلي يساعد فيه القوي الضعيف والغني الفقير،والإنسان حيوان سياسي وكائن مدني وهو اجتماعي بطبعه ولا يمكنه إن يعيش الا في إطار اجتماعي أساسه التكامل ،وهذه السمة الفطرية يقول ولد أجيد تحتم التكافل في كافة المجتمعات ،لكن مظاهر وسبل التكافل تختلف حسب خصوصية المجتمعات، لكن الحاجة إليه تبقى قائمة،لأن الإنسان يحتاج إلى مد يد المساعدة إلى غيره حتى يحقق لنفسه الاطمئنان والرخاء“
وأضاف ولد أجيد أن التكافل له الكثير من الأدوار التي تجنب البشرية الأمراض والحروب لان العجز عن إشباع الحاجات الأساسية يدفع إلى تصرف ضد الدولة والمجتمع
وبالتالي يشكل التكافل عامل انسجام لأنه يخفف نزعة الاغتراب الاجتماعي،فالشخص عندما لا يجد من يمد له يد المساعدة قد يلجا إلى سلوك بدائي يتجسد في أفعال عدوانية موجهة ضد المجتمع.
وإذا كان التكافل على هذه الدرجة من الأهمية فإنه يكون أكثر حتمية لمجتمعنا ،لان طبيعة المجتمعات التي تتسم بالفقر وتعثر التنمية والعدالة تزداد فيها الحاجة إلى التكافل الاجتماعي خوفا من حدوث الاحتقان .
وأشار ولد أجيد إلى أن التكافل في المجتمع الموريتاني التقليدي كان موجودا ،حيث كان شخص واحد يتكفل بإعاشة قرية ،ولم تكن ثمة فروق كبيرة بين الغني والفقير، والإحساس بالفوارق والطبقية المادية لم تكن موجودة ،عكس ما هو واقع اليوم ،لان البناء الاجتماعي التقليدي والقيم اندثرت وأصبحت معطياتها مختلفة .
ويمكن القول حسب ولد أجيد بان الطابع العام للتكافل لم يعد موجودا،وأصبح ينطبع بالفوضوية وعدم التنظيم،فضلا عن محدودية الموارد البشرية والمالية ،إضافة إلى وجود آفة أخرى هي ان بعض الهيئات التي تساهم في هذه المسؤولية تعاني من غياب الثقة والاطمئنان إليها من طرف المجتمع، لانها جديدة عليه ،كما سيطر على التكافل الطابع العائلي والقرابي.
وفي حديثه عن معوقات التكافل الاجتماعي اليوم قال ولد اجيد انها تتمثل في انتشار القيم المادية وانحسار القيم المعنوية وغياب التضحية والبذل والعطاء والكرم
كما أن المكانة الاجتماعية لم تعد مرتبطة بقيم الكرم والعطاء، وأصبحت القيمة مرتبطة بما يمتلكه الشخص وهيمنت الروح الاستهلاكية لدى المجتمع مع تحول الكماليات إلى أساسيات،وانتشر الفقر و ضعفت الطبقة الوسطى التي يعول عليها في تعميق التكافل الاجتماعي
وقدم الدكتور سيدي محمد ولد أجيد عدة نقاط اعتبرها ضرورية لتوجيه وتشجيع التكافل الاجتماعي في المجتمع الموريتاني وهي ،إحياء وتعزيز القيم في المناهج التعليمية وبرامج الانعاش والتربية الجماهيرية،
ضرورة تشجيع الانخراط في دينامية التكافل الاجتماعي،وعلى الدولة والفاعلين من علماء وفقهاء أن يدفعوا بالمؤسسات إلى أن يكون التكافل الاجتماعي بندا قائما
مواساة المنكوبين ومن لديهم مشاكل مادية ومعنوية ولو بالكلمة الطبية
المساهمة في منع التسرب وتوعية الوالدين بقيمة الدراسة وتأطير وتوجيه الشبان والتكفل ببعض المصاريف البسيطة لمساعدة الأسر على تدريس أبنائهم
إنشاء صناديق وطنية وأهلية ،و وضع قوانين ورسم سياسات ،وقوانين لترقية التكافل الاجتماعي،القضاء على الفساد واستئصاله من جذوره ،إعادة توزيع الثروة بشكل عادل ،محاربة الغبن والجهل والفقر.