يحي ولد الراجل أسس “رواة الصحراء” وترجم قصائد ولد أحمد يوره
نواكشوط ـ يعقوب ولد باهداه
في وقت كانت السياحة بموريتانيا تشهد نموا مضطردا مع بداية الألفية الثالثة، كانت هناك مبادرات ساهمت إلى حد بعيد في جذب السياح عن طريق تقديم ما يدفعهم للتصميم على زيارة هذه البلاد.
ولم يجد المرشد السياحي “يحيى ولد الراجل” ورفاقه الحكواتيون وسيلة أفضل من تقديم الحكايات الشعبية النابعة من الموروث الثقافي الموريتاني للفرنسيين في عقر دارهم، مما كان له أثر كبير في نفوسهم، قبل ان يقع ما اعتبروه “كارثة”.
منذ العقد الثاني لاستقلال موريتانيا بدأ التفكير في خلق سياحة في البلاد، ولكن ذلك لم يتسن ـ بفعل عوامل عديدة ـ قبل منتصف تسعينات القرن الماضي، وتحديدا 1996، وهو ما يعني أن القطاع السياحي حديث النشأة.
يقول يحيى ولد الراجل، لحراء ميديا انه أسس مع رفاق له من الحكواتيين، الذين عملوا لسنوات مرشدين سياحيين منظمة “رواة الصحراء” غير الحكومية عام 2003 وحصلت على الترخيص في عام 2005، وارتأى المرشدون السياحيون، أن يثمنوا ويعتنوا بهذا الجانب من التراث الثقافي الموريتاني (الحاكايات والأمثلة) لأنهم وجدوا أنه أفضل طريقة للتعريف بالبلد.
و يضيف :”عندما أنشأنا هذه المنظمة أصبحنا نتجه للخارج خاصة فرنسا، ونلقي محاضرات وننظم جلسات لرواية الحكايات الشعبية الموريتانية، بالتعاون مع شركات السياحة الفرنسية، وكان الهدف هو أننا كموريتانيين وكميدانيين نتحدث مع الزبون مباشرة، وذلك أفضل من حديثهم هم معه، وأصبحنا نخاطب السياح بالحكايات عن الحيوانات و الصحراء والعادات الموريتانية بكل أصنافها، و وجدوا أنها طريقة جيدة”.
ويستشهد ولد الراجل على ذلك بالقول :”..آنذاك كانت هناك رحلات جوية سياحية بين باريس وأطار وكانت الطائرة تأتي نصف فارغة، وبعد أن بدأنا تنظيم أمسيات في فرنسا أصبحت الطائرة تأتي وهي ممتلئة بسياح أعجبوا بما نقدمه، وكانت رحلاتنا أولا ممولة من طرف شركة “سومسارت”، وبعد نجاح التجربة الأولى أصبح الشركاء الفرنسيون مستعدون لتحمل كافة تكاليف الرحلة، لأن الإقبال أصبح كبيرا، وتكررت التجربة مرات عديدة ما بين 2002 و2007 حتى هجوم آلاك الذي أدى لتراجع السياحة بشكل كارثي في موريتانيا وكانت كل سنة بعد أخرى أحسن، ففي السنة الثانية حجزوا لنا تذاكر وتحملوا كافة تكاليف السفر وبعد ذلك بدأوا يدفعون تعويضات مالية للحكواتيين، والسنة الرابعة زادوا التعويضات المالية لأنهم رأهم النتيجة الايجابية”.
قناة الجزيرة…والوسط الفرنكفوني
بما أن “رواة الصحراء” يهتمون بجانب يعتبرونه أساسيا من التراث أصبحوا يسعون إلى أن يكونوا معروفين في موريتانيا، وبدأوا بالوسط الفرانكفوني من خلال التحالف الفرنسي الموريتاني AFM الموجود في نواكشوط وأطار ونواذيبو وكيهيدي، وكذلك المركز الثقافي الفرنسي CCFبحسب رئيس المنظمة.
وفي سنة 2009 بثت قناة الجزيرة تقريرا حول الحكواتيين الموريتانيين يقول يحيى ولد الراجل عنه “كان له تأثير بالغ، ودور أساسي في التعريف بنا في المغرب العربي والدول العربية”، وانه بعد ذلك بأشهر دعوا إلى مهرجان الحكاية في المغرب في دورته الثامنة، وكان لهم دور إيجابي لاقى ترحيبا واسعا، “واتفقنا على توحيد المغرب العربي، في الثقافة اللامادية، وكان هذا المهرجان مهما لنا، وبعده مباشرة دعانا المركز الثقافي المغربي بنواكشوط لإلقاء قصص بالحسانية واللغة العربية الفصحى، في ديسمبر 2010 وبالتعان مع السفارة الاسبانية دعيت حكواتية اسبانية، لتلقي قصصا باللغتين الفرنسية والاسبانية”.
ويضيف: نسعى للولوج لبقية الأوساط الموريتانية خاصة المدارس، واتصلنا بعدد من المسؤولين للحديث معهم حول أهمية التراث الموريتاني للأجيال الصاعدة، بهدف التسلية في تعليم الأطقال وتكوينهم، وأيضا وجدنا أن الحكاية وسيلة جيدة لاكتساب اللغة، خاصة اللغة الأجنبية كالفرنسية
و قال ولد الراجل إن مهرجان المدن القديمة في شنقيط في فبراير الماضي كان فرصة لهم، فهو مهرجان للتراث، “ونحن كمرشدين سياحيين نعتبر أن لنا دورا مهما في التعريف بهذه المدن، ولابد أن نشير هنا أن السياحة هي التي أعادت الحياة للمدن القديمة، خاصة في ولاية آدرار، حيث عاد إليها سكانها، وقد حضرنا للمهرجان كمرشدين وكحكواتيين”.
تدوين الحكايات
يقول المرشد السياحي المخضرم ورئيس “رواة الصحراء” إنهم نظرا لتجربتهم التي تزيد على أكثر من 10 سنوات يقومون بمساع لجمع وتدوين الحكايات وقصص التراث التي لازالت تحكى شفهيا، وتضمينها كتابا باللغتين العربية والفرنسية وحبذا الحسانية أيضا.
ويضيف :”نجمع القصص من مختلف مناطق موريتانيا، فنحن ننحدر من الشمال والجنوب والحوضين ومنطقة النهر، وهو ما سيؤدي إلى منتوج غني وله قيمة كبيرة. وبطبيعة الحال فإن هذه العملية تتطلب إمكانيات ونحن كمنظمة غير حكومية لم نتلق أي دعم من طرف الدولة أو من طرف أي جهة، باستثناء جهات سياحية استفادت هي أيضا من عملنا”.
ويؤكد أن لديهم الآن برنامج طموح جدا، حيث يسعون للحصول على مقر وبدء عملية جمع وتدوين الحكايات التي تتطلب إمكانات هائلة، حيث يفترض أن يحصلوا على آلات تسجيل وتصوير وينتقلوا بين مختلف مناطق موريتانيا، ويحتاجون لخبراء في الترجمة، بحيث تكون الكلمات أقرب مايمكن إلى المفهوم الأصلي، “وذلك أمر صعب جدا، فذات مرة أذكر أننا تراجعنا عن ترجمة قصة لأن ذلك بدا مستحيلا” حسب تعبيره. مؤكدا أنهم بالتعاون مع الأكادميين واللغويين، فسيتجاوزن الصعوبات. مشيرا إلى ترجمتهم لقصائد من الشعر الموريتاني خاصة وصية محمد ولد هدار لابنه، وأشعار أمحمد ولد أحمد يوره.
بلا ميكرفونات..
خلال التحضير للنسخة الاولى لمهرجان المدن القدمية في شنقيط، يقول ولد الراجل انهم اتصلوا باللجنة الفنية المنظمة، “ولكن للأسف مشروعنا يستعصي على الفهم أحيانا، ولم نجد التجاوب وكان ينبغي أن نحصل على تجاوب لأن وزير الثقافة الحالية كانت حاضرة وشاهدة على انشاء منظمة رواة الصحراء بحكم مسؤوليتها السابقة، ولديها معرفة بها ومدير الثقافة هو الذي طلب مني تمثيل موريتانيا في مهرجان الحكاية بالمغرب” حسب قوله.
ويؤكد أن المكتب الوطني للسياحة ساعدهم، و خلال المهرجان في شنقيط أتيحت لهم فرصة حكاية قصص لكنها لم تكن بشكل لائق، “فمثلا في أمسية بالمهرجان لم يتفهم المنعش ضرورة أن أترك الميكروفون مثبتا، وأصر على أن أمسكه بيدي كمنن وذلك لا يناسبني فأنا لا ألقي محاضرة او خطابا”. ويضيف:” بحكم طبيعة البشر فان لكل منهم منظومة عقلية ومن لم يسايرها يعتبر شاذا، ونحن لدينا منهجنا وتكويننا، أنا مثلا بوصفي رئيسا للمنظمة، أذهب سنويا إلى فرنسا على حسابي الخاص وأستفيد من تكوين مدته 15 يوما، في الأداء، وتقنيات القص الشفهي والأداء المسرحي، ولدي تعاقد مع الجهات المتخصصة، ولكوني لا أستطيع أن أدفع لهم الرسوم وليست هناك جهة تدفعها، لديهم أمسيات نشارك نحن فيها بالحكايات الشعبية الموريتانية ويستفيدون هم من المداخيل، وفي المقابل يتحملون هم تكاليف إقامتي، وأستفيد من التكوين الموازي”.
ويقول المرشد والحكواتي إنه بحكم تكوينه فلديه طريقته الخاصة، “فأنا لا أحبذ الأداء بالميكرفون لإسماع صوتي للجمهور، بل أفضل الإلقاء بصوت طبيعي مباشر، إذ بالإمكان أخذ الحرية في الحركة على المسرح، أو استخدام ميكرفون صغير متنقل وصوته غير مزعج للمتلقي”. ويشير إلى أن الحكاية تعبير عن واقع وحياة أخرى، لذلك فان الحكواتي يخرج مستمعيه من الجو الذي يعيشون فيه، إلى العالم الذي دارت في الحكاية التي يرويها.
في دول عربية وغربية هنالك قيمة كبيرة تمنح لهذا الفن، حيث مثلا بالامكان أن ينفقوا على تذكرة السفر والاقامة الفندقية ويمنحوا تعويضا ماليا مقابل 10 دقائق من الحكاية، وفي موريتانيا ـ بحسب ولد الراجل ـ لا قيمة تعتبر للحكواتي أو ما يقدمه. ويقول :”الجمهور يبحث عن أشياء بسيطة وتقليدية، بعيدا عن الطاولات المستديرة والاجتماعات والقاعات المغلقة، وقد تلقيت اتصالات عديدة بعد إطلالة مباشرة على التلفزيون الموريتاني، خلال مهرجان المدن القديمة الذي طلبت منا الوزير المشاركة فيه”.
ويقول : كما في فرنسا والمغرب هناك قصص لمختلف الأعمار، ففي موريتانيا نحتاج قصة للكل، أي أن تكون كل الفئات العمرية لديها قصص تناسبها ومفهومة.
غياب الثقافة السياحية..
ردا على سؤال لصحراء ميديا حول إمكانية النهوض بالقطاع السياحي في موريتانيا وهل هناك آلية للتنويع في المناطق السياحية داخل موريتانيا وكذلك في جنسيات السياح، يجيب رئيس منظمة “رواة الصحراء” : ما نحتاجه أولا هو انتشار الثقافة السياحية في موريتانيا، فهناك مدن توجد بها سياحة ولكن ليست فيها ثقافة سياحية، أعطيك مثالا: كنت مرة في نواذيبو واستمعت لمسؤولين حكوميين يتسائلون لماذا لا يحظى نواذيبو بحضور سياحي أجنبي رغم موقعه، خاصة ان السياح يعبرون نحو نواكشوط من نقطة تبعد 55 كلم عن نواذيبو، واقترح بعضهم أن يفرض على السياح المرور بنواذيبو، فقلت أنا ان ذلك ليس حلا فلايمكن أن تفرض عليهم بشكل مباشر، ولكن بالامكان اتباع طريقة كبرنامج يتم وضعه والترويج له بأن من لم يزر نواذيبو فكأنما لم يزر موريتانيا وبالتالي يكون الأمر طبيعي، فنواذيبو توجد بها زاوية الشيخ محمد المامي الغنية بالمخطوطات، وفيها المناظر الخلابة والصيد التقليدي، والسفن القديمة وعدد كبير من آليات الجذب السياحي.
ثانيا لابد من ترقية المنتوج السياجي، فآدرار وحدها التي تم استخراج واستغلال منتوجها السياجي، ولتحديد هذا المنتوج لا بد من خبراء آركيلوجيين وسرد بالتصوير….الخ، ليكون منتوجا متكاملا.
ويضيف: فمثلا في ولاية اترارزه هنالك تنوع كبير، فقد قال لي خبير فرنسي متخصص في الطيور انه في الحظيرة الوطنية لجاولينغ يمكن أن ترى 25 نوعا من الطيور في يوم واحد، وأما في أي مكان في العالم لا يمكن رؤية أكثر من 9 أنواع يوميا. وكذلك هنالك بحيرات لا تنضب (نصره و لعويجه) والأشجار الجميلة على صحراء رائعة. ولكن لابد من متخصص لوضع خرائط، وتحديد المسافات، وانجاز برنامج متكامل لمدة أسبوع مثلا يكون متنوعا يشمل المرور بمنطقة جافة كآوكار شمال بتلميت، وتكون العودة لنواكشوط والمحيط الأطلسي عبر مسلك صحراوي
رحابة السكان..وأبحاث تيودور مونو
في ولاية آدرار فيقول يحيى ولد الراجل إن الثقافة السياحية منتشرة بقوة نظرا لطبيعة السكان المنفتحين والمرحبين بالزائرين، ومنذ انطلاق السياحة في منتصف التسعينات (1996) اختيرت آدرار نظرا تنوعها الكبير والخاص، فمثلا حين ننظم قافلة بالجمال لا يمكن أن تمر 30 دقيقة إلا و ترى منظرا آخر مختلفا وجديدا.
عامل آخر فقد كان مطار أطار محل اختيار الشركات السياحية حيث اشترطوا أن يكون مطار الهبوط قريبا من مطار أو اثنين آخرين وهما في هذا الحالة نواكشوط ونواذيبو، وذلك لأجل حالات الطوارئ.
وهنالك عامل مهم وهو أن العالم الفرنسي “تيودور مونو” له الفضل الكبير على المدن التاريخية في الولاية، وكنا ننظم سنويا قافلة أطلقنا عليها “على خطى تيودور مونو” تمر بالغلاوية وقلب الريشات، و مونو معروف على مستوى فرنسا وأوربا، وقد أعطى سمعة كبيرة لمنطقة آدرار من خلال أبحاثه ودراساته حولها.
“ولم يكن اختيار آدرار سياسيا كما روج له في فترة معينة، وبالنسبة لي كمرشد لم يكن بامكاني أن أذهب بسائح إلى اترارزه أو لبراكنه أو لعصابه في تلك الفترة، أما في آدرار فكان يتم وضع برنامج سياحي متكامل بشري ـ ثقافي ـ طبيعي”. حسب قوله.
وخارج آدرار، وتحديدا في مدينة تاريخية داخلية نظمنا رحلة سياحية ولكن الاشكالية أن السكان لا يتحدثون مع السياح ولا يردون لهم التحية ويغسلون أوانيهم بعد أن يستعملها السياح ويتم ذلك أمام أنظارهم مما يتسبب في تضايق السياح وغضبهم، إذا في مناطق مثل هذه يصعب خلق سياحة، قبل وجود ثقافة سياحية. وفي مدينة شنقيط مثلا أقنعناهم أنه لايمكنهم دخول المسجد فلايدخله غير المصلين. وبالتالي قبلوا دون حرج، بدل أن نقول لهم إنهم غير مسلمين و”كفار” ولا يمكنهم الدخول اليه، والامر نفسه بخصوص الخمر، فنبلغهم أنه لا يمكنهم استعماله بأي حال بشكل معلن، ولكل منهم خصوصيته.
ويروي ولد الراجل قصة حول تنظيم جلسات حكايات في الكنيسة قائلا :”كنا 3 حكواتيين، ودعينا لتنظيم أمسية في الكنيسة، فأجبت أنا دون تردد بأننا مستعدون، ولما استغرب زميلاي قلت لهما إن الكنيسة إما أنها بيت من بيوت الله وبالتالي يحق لنا دخولها، أو أنها من أماكن العبث و اللهو، فبإمكاننا أيضا أن ندخلها لأننا ندخل السينما ودار الشباب والمسارح….الخ، ولما استفتينا العلامة حمدا ولد التاه، أكد أن بإمكاننا تنظيم أمسية حكاية في الكنيسة دون حرج”.
ويؤكد أن سكان المدن التاريخية في موريتانيا مسؤولون عنها، فالدولة لا تشرح لهم معنى التصنيف العالمي لليونسكو، فقد تحولت إلى تراث عالمي لا يخص أيا كان، وللأسف فقد تم بناء دور حديث في الأحياء العتيقة بشنقيط و وادان،و هذا سلوك غير إنساني، وكارثي. ويشير إلى امتناع السياح عن التقاط صور من زاوية يظهر فيها عمود ارسال تابع لشركة اتصال قرب قرب المئذنة التاريخية في وادان، ولكن ولد الراجل يرى أنه بالامكان تنمية السياحة الثقافية خاصة وأنه قبل انتعاش السياحة كانت المدن التاريخية تكاد تندثر، فالمباني والدور كانت مليئة بالكتب دون عناية ودون اهتمام يذكر، ويقول “بالامكان أن نحافظ على قيمنا وأخلاقنا ونستفيد من السياحة، في احترام للدين والأخلاق، ونحن من يفرض ذلك ويلتزم به”.