الكويت ـ عبد الله ولد محمدي
البناية الكبيرة المنتصبة كصفحتي كتاب، هي اكبر مخزون للشعر في العالم في بلد به من التجار أكثر ما فيه من الشعراء.
ورغم ذلك فقد صرف رجل الأعمال الكويتي سعود البابطين عشرات ملايين الدولارات علي الشعر العربي، ببنائه صرحا له وجمعه ما تقدم وتأخر في مكتبة قل نظيرها في العالم.
في مدخل المكتبة التي جمعت النمط العمراني الغربي الحديث وأجواء ودفء البيت العربي، علقت علي الجدران لوحات حملت رسوما لشعراء من العالم العربي، فيما صفت في الأروقة ألاف من الدواوين والدراسات الأدبية المختلفة لتقدم للقراء والباحثين كل ما يمت للشعر بصلة.
“نستطيع أن نصل إلي أي كتاب بلمسة زر”، يقول لنا الشاب المصري المشرف علي مرافقة الزوار، وهو يعرض حواسب بفهرسات لمئات الآلاف من الكتب والمربوطة بكل مكتبات العالم الكبرى، لكن مفاخر المكتبة هي في خدماتها المختلفة من قاعة مسرح مجهزة بكل تكنولوجيا الصوت والصورة إلي غرف تدريب الكبار علي الكومبيوتر، “هنا نمحو الأمية الرقمية خلف جدران موصدة”، يقول لنا المرافق. مستعرضا قاعة مجهزة بعشرات الأجهزة ينكب خلفها رجال بملابسهم البيضاء وبغتراتهم المزركشة التي تغطي الرأس بالكامل، لكن زيارة مكتبة “البابطين”، لا تكتمل دون صرح آخر حفر له مكانته في تاريخ الكويت الحديث، إنها “ديوانية البابطين”.
في الكويت، التي لم تعرف الأحزاب رغم ديمقراطيتها المتقدمة مقارنة مع دول الخليج الأخرى، تبقي الديوانيات الملتقي الذي لا بد منه.. ففي تلك المجالس يلتقي الجميع ويتحدثون في كل شيء من أسعار الأسهم إلي حروب النواب في البرلمان.
في الكويت المشبعة بالسياسة والصراعات المذهبية التي تطفوا علي السطح أحيانا ، يخصص البابطين أغلب وقت ديوانيته للشعر فهو ما يوحد الجميع.
في الصالة العريضة المليئة بالكراسي بأرضية تفرشها سجادة فارسية عمرها ثلاثون عاما وسعرها أكثر من مليون دولار، يستقبل أبو سعود زواره ، زوار الليلة كانوا بعضا من ضيوف ملتقي الإعلام العربي.. وزير الاتصال المغربي، خالد الناصري ووزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية طارق متري، والصدفة البحتة جاءت بوفد من مونغوليا لعلاقات تجارية هي جزء من نسيج يمتد في أطراف العالم.
لا يكف أبو سعود، عن قطع الحديث مع مضيفيه بين الفينة والأخرى لاستقبال زوار الديوانية وتبادل التحية والقبلات علي الوجه او ملامسة الأنف، حسب طبيعة الضيف ومكانته القبلية او لتوديع آخرين جاؤوا مسلمين وانصرفوا .
لا يتحدث الرجل كثيرا عن مكانته في الكويت، غير أن احد مدراء شركاته الكثيرة يتولي سرد قصة الديوانية المبنية علي الطراز المغربي للزوار المتلهفين.. “تعرفون هنا استقبل الأمير كل ضيوفه عند تحرير الكويت ، لأن هذه البناية هي الوحيدة التي سلمت من دمار القوات العراقية الغازية لسبب بسيط ـ يقول احمد مرحباً ـ أن صدام أراد إبقائها لنفسه”.
علي المائدة، حيث صفت أصناف الطعام المختلفة يغرف أبو سعود لكل واحد كمية من الطعام في صحنه كجزء من طقس الضيافة العربية، لكنه يخص الوفد المغربي تلك الليلة بعصيدة من القمح فيما ينكب الضيوف وخصوصا من الكويتيين علي الأرز المفروش بلحم الخراف الدسمة.
بين إصرار الرجل على ملإ صحون الضيوف، يتحدث البابطين عن الشعر والأندلس، وكيف مول مقعدا لتدريب المرشدين السياحيين في جامعات غرناطة وقرطبة، حتى يحكون للسياح “جزءا من مآثر الثقافة العربية حين كنا سادة اسبانيا”، يقول الرجل باسما.
لكن الشعر هواية وكتابة، هو أكثر ما يحرك كوامن الرجل الدفينة، حين يروي اكتشافه لذلك الشاب الموريتاني الصغير الذي يكتب الشعر كما يرتجله امرؤ القيس، وكيف رفض الشاعر الشاب المتمرد ـ مثلما قال ـ تقبيل رجل الخليفة في حفل شعري، ولم يكن يعني بذلك الخليفة سوي البابطين نفسه في ذات الحفل الذي أقيم لتكريمه.
يتحدث الكويتيون عادة في مجالسهم عن السياسة والطقس والأسهم التي ترتفع ثم سرعان ما تهوي سريعا مخلفة فقراء جدد في الدولة البترولية الغنية ، لكن سعود البابطين أختار ما لا يفرق في الكويت الشعر الذي يغني الروح ولا يزيد من صفوف الفقراء أبدا لأن القوافي ثروة متجددة.