الدكتور الحسين ولد الشيخ
لعل الحديث في هذه الأيام الأخيرة داخل قبة البرلمان الموريتاني عن مدونة الجنسية الموريتانية يعود بهذا الموضوع إلي الواجهة وحديث الساعة ، على الرغم من أنه يكتسي حيوية ومرونة تمنعانه من أن يكون منسيا فهو يحتوى على عدة أبعاد قانونية واجتماعية وسياسية وحتى أمنية حيث إن الجنسية الموريتانية تحفظ لهذه الدولة الفتية في نظرنا هويتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي ، لكن الظروف العالمية الجديدة وتنامي ظاهرة الهجرة ﴿ والتجنيس العشوائي أواللامشروع ﴾ الناجمين عن ضعف حالتنا المدنية في العقود الأخيرة قد يشكل بالطبع خطرا اجتماعيا وأمنيا على تماسك ووحدة هذا الشعب وهويته .
وبجدر التذكير بأن حديث الساعة الذي نتكلم عنه يجري نقاشه الآن في أروقة البرلمانات الفرنسية والسويسرية والبلجيكية تحت شعارات متعددة مثل الهوية الوطنية Identité Nationale رغم مالنا من مآخذ على تلك السياسات والنقاشات وتوظيفها ضد حضارة ورموز الإسلام .
لكن المشرع الموريتاني من خلال تناوله لهذه التعديلات قد بدأ يصحوا بعد نوم طال أزيد من ثلاثين سنة ، فمدونة الجنسية تعود إلي الأمر القانوني رقم 61-112 الصادر بتاريخ 12 يونيو 1961 م والمعدل 23 يناير 1973 م .
إنها التفاتة مهمة تذكر فتشكر ولكن ما مدى كل ذلك ؟ ولماذا لم يتكلم برلماننا الموقر عن إشكالية الهوية الموريتانية؟ وهل التعديلات الجديدة أفرغت المدونة من روحها أم رسخت الانتماء الفعلي لهذه الدولة ؟ بمعنى آخر هل المدونة الجديدة اعتبرت الجنسية الموريتانية وثيقة إدارية وقانونية قابلة للتزوير والتلاعب ؟ أم جعلتها أكبر من كل ذلك كله بحيث أصبحت جنسيتنا هي تجسيد فعلي وانتماء لهويتنا الوطنية وليس قابلا للتلاعب والتزوير ؟
تعتبر الجنسية هي الرابطة السياسية والقانونية بين الفرد والدولة حيث يصبح الفرد بموجبها مواطنا له حقوقه وعليه واجباته.
إن التعديلات الجديدة 2009 التي نحن بصدد دراستها يمكن تلخيصها في نقطتين أساسيتين عمد المشرع الموريتاني إلى استحداثهما:
يتعلق الأمر بمبدأ عدم قابلية الجنسية الموريتانية للازدواجية (1) والثاني التعديلات الجديدة المتعلقة بالتجنيس .
1- التعديلات المتعلقة بمنع ازدواجية الجنسية والتي من خلالها وضع المشرع الموريتاني حدا للجدل والنقاش الدائرين حول إلغاء مبدأ عدم قابلية القانون الموريتاني لازدواجية الجنسية والتي نرى في وقت ما أنها كان لها ما يبررها ، حيث إن الدولة الموريتانية كانت حديثة النشأة و من شأن ازدواجية جنسيتها أن تؤدي إلي تعدد في الو لاءات والانتماءات وهو ما من شأنه أن يشكل في تلك الفترة تهديدا لوحدة المجتمع وتماسكه وهو ما تنص عليه المادة 30 من القانون القديم 61-112 النص «يفقد الجنسية الموريتانية :
– الموريتاني البالغ الذي حمل ولازال يحمل جنسية أجنبية كجنسية أصلية
– الموريتاني البالغ الذي أكتسب جنسية أجنبية »
بمعنى أن صفه الموريتاني كجنسية وهوية تسقط بمجرد حصول الشخص على جنسية بلد آخر وتسقط معها طبعا الصفات المرتبطة بالمواطن.
غير أن التعديلات الجديدة 2009 على مدونة الجنسية أقرت خلاف ذلك المادة 31
«يمكن لموريتاني ولو كان بالغا ويتوفر على جنسية أجنبية أن يرخص له بناء على طلبه بالاحتفاظ بالجنسية الموريتانية.
يمنح هذا الترخيص بموجب مرسوم ».
وهو ما يعني بصريح العبارة أن الجنسية الموريتانية لم تعد تسقط عن الموريتاني المتمتع بها غير أنه يحتاج في ذلك إلى ترخيص بموجب مرسوم وما يترتب على ذلك من إجراءات شكلية كالنشر في الجريدة الرسمية نصت عليها المدونة الجديدة المادة 37 «تنشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية مراسيم التجنيس وإعادة الإدماج والمراسيم المتضمنة الترخيص في الاحتفاظ بالجنسية…….. ».
إنها في اعتقادنا تعديلات تذكر فتشكر ولا أدل على ذلك من إتاحة الفرصة لمواطنينا الموجودين في بلد آخر يعيشون فيه ويزاولون أعمالهم للاحتفاظ بجنسية بلدهم موريتانيا التي تربطهم بها أكثر من أواصر
بلاد بها نيطت علي ………… وأول أرض مس جلدي ترابها .
وهو في نظرنا تعديل موفق إذا تم رصد الآليات اللازمة والكفيلة بتطبيقه من تدقيق في الوثائق والهويات لكل حالة على حدة من اجل ضمان جنسية موريتانية سليمة ومعبرة عن انتماء حقيقي وولاء لبلاد شنقيط .
إن هذا المنحى الذي ذهب إليه المشرع الموريتاني ليس جديدا في الفقه بل نجده في القانون المقارن وخاصة الدول المجاورة إضافة إلي قوانين بعض دول أوروبا وأمريكا.
2- أما ما يتعلق بالتجنيس والذي يعني السياسة المتبعة من طرف المشرع والدولة في منح الجنسية الموريتانية لمواطن أجنبي فهو يشكل الوجه الآخر لسقوط مبدأ عدم ازدواجية الجنسية في القانون الموريتاني ، فجنسيتنا أصبحت قابلة للاكتساب دون أن يكون ذلك سببا أو شرطا يسقط الجنسية التي كانت قبلها .
ويجدر التنبيه أن القانون الموريتاني في هذا المجال منح الجنسية المكتسبة للنساء الأجنبيات المتزوجات برجال موريتانيين والعكس غير صحيح، وهو ما يعتبر إلى حد ما خرقا لمبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون بين الرجل والمرأة
المادة 16 من المدونة الجديدة «يمكن للمرأة الأجنبية المتزوجة من موريتاني بناء على طلب صريح منها وبعد انقضاء 10 سنوات ابتداء من تاريخ الزواج الحصول على الجنسية الموريتانية إذا توافرت فيها الشروط التالية:
– انقضاء خمس سنوات من الزواج دون انقطاع
– إقامة على التراب الموريتانية مدة خمس سنوات دون انقطاع»
ونعتقد أن هذه الشروط هي فعلا موضوعية إلى حد ما وتحقق الاندماج الاجتماعي والثقافي بشكل يبرر منح الجنسية الموريتانية و استحقاقها لا من الناحية القانونية فحسب وإنما مع مراعاة الأبعاد الأخرى الاجتماعية والثقافية والصحية المادة 19 جديدة تنص «لا يمكن لأي شخص الحصول على التجنيس
1- إذا لم يكن سليم الجسد والعقل
2- إذا لم يكن يتكلم بطلاقة إحدى اللغات الوطنية : العربية ، البولارية ، السنكية ، الولفية
3- إذا لم يكن مستقيما وذا أخلاق حميدة………».
إنها بالفعل شروط موضوعية وتحقق الاندماج الاجتماعي والثقافي وهي بادرة تذكر فتشكر ، لكن كان الأحرى بالمشروع في هذه المادة إضافة شرط الإسلام أي أن يكون المتر شح للجنسية الموريتانية يدين بالإسلام الذي هو دين الشعب والدولة ودين رئيس الجمهورية .
كان الأحرى بنوابنا الموقرين إدراج هذا الشرط ضمن التعديلات الجديدة على المدونة والذي في نظرنا لايقل أهمية عن الشروط الأخرى من اجل الاستحقاق والتمتع بالجنسية الموريتانية حتى يكون هنالك فعلا تناسق اجتماعي وثقافي وديني بشكل يضمن وحدة هذا الشعب وهويته واستقراره .
وفي ما يتعلق بالتجنيس العشوائي أو اللامشروع فهي ظاهرة للأسف الشديد تعاني منها دولتنا وترجع إلى عدة عوامل منها ضعف حالتنا المدنية والتلاعب ببعض أوراقنا الرسمية خاصة ﴿عقود الازدياد أو بطاقات التعريف ……..﴾ وهو ما قد يسهل على المترشحين للتجنيس تزوير وثائق من اجل الحصول على جنسيتنا بدون حق شرعي وبدن حتى اندماج فعلي وحقيقي.
إن المادة 58 جديدة من المدونة 2009 تنص على «لا ترتب الولادة أو الزواج أي أثر في مجال الجنسية إلا إذا كان قد تم إبرامها بموجب عقد حالة مدنية »، وهو شرط مقبول في شكله لكن تطبيقه يحتاج إلى إصلاح ذلك القطاع الحيوي أي الحالة المدنية والذي بإصلاحه يمكن تطبيق كل هذه التعديلات الجديدة على مدونة الجنسية وبالتالي حماية النسيج الاجتماعي .
فالجنسية في نظرنا ليست وثيقة إدارية وقانونية فحسب وإنما هي اندماج فعلي وانتماء حقيقي لهذا المجتمع بعاداته وتقاليده وهويته الوطنية في دولة الحق والقانون.