نواكشوط ـ الربيع ولد ادوم
تحت خيمة موريتانية تقليدية نصبت في مباني السفارة الامريكية في نواكشوط وقفت جينجير تيسيي الفتاة القادمة من واشنطن بوصفها مديرة في الصندوق الأمريكي لدعم التنمية في إفريقيا لتلقي كلمة أمام عدد من قادة المجتمع المدني في موريتانيا بينهم نساء ريفيات في حفل لإعلان دعم أمريكي لمشاريع طموحة في موريتانيا.
لم تتحدث الفتاة كما يتحدث ضيوف واشنطن.. بل ألقت التحية الإسلامية على الحضور وتابعت حديثها بالدارجة الموريتانية “الحسانية” بعبارات قوية صاغت خلالها أمثالا تدعوا للتعاون وتكاتف الجهود وجمالية العمل التطوعي.
لقي أول خطاب بلهجة موريتانية يلقيه حامل جنسية أمريكي في نواكشوط إعجاب الحضور وعندما كانت جينجير توقع عقود تمويل مشاريع لـ 9 جمعيات بغلاف مالي بلغ 1.43 مليون دولار كان نشطاء المجتمع المدني يهمسون لها بإعجابهم بتلك النبرة التي كسرت حدود الثقافات والحضارات.
لم يكن ذلك الحديث الدافئ وليد صدفة، فالأمريكية الشابة قدمت إلى موريتانيا في العام 2006 لأول مرة قبل أن تشد حقائبها إلى عمق الشرق الموريتاني..
وفي بلدية كنكوسة عايشت المتطوعة في مكتب السلام الأمريكي نساء الشرق والصحراء حياة الناس وظروفهم، حيث لا تزال تحمل الكثير من المشاعر الطيبة عن عائلات تعيلها النساء في ظروف قاسية جدا: “عايشت الكثير من النساء.. كنت في جانب من كنكوسة اسمه “الحاشية” وهو يعني الضفة والذي يكون كتلة سكانية في مواجهة “الدشرة” التي هي مركز المدينة، تحدثت كثيرا مع النساء وتعلمت كيف انه في جانب من العالم يمكن للمرأة أن تكون سيدة البيت ومسؤولة عن تربية الأطفال وان تكون في السوق خلال ساعات من النهار وان تكون مستعدة في ذات الوقت لان تنجز شيئا كغزل الصوف أو انجاز مرحلة من تصميم حصير تقليدي أو خياطة خيمة، النساء هناك ليس لديهن وقت يضيعنه إنهن بحق يبذلن مجهودا يستحق التشجيع”.
خلال 3 سنوات تعلمت تيسيي لهجات وطنية وعادات موريتانية أصيلة وخاضت الفتاة التي عملت في واشنطن لأربع سنوات كباحثة في البيولوجيا الكيميائية وعلوم الزراعة وحماية البيئة تجربة جديدة في “بيئة” أخرى مطبوعة على الانفتاح مع قليل من التحفظ ممن يحملون جنسية الولايات المتحدة الأمريكية وتحدثت مع النساء الموريتانيات حول المشاكل والحلول: “أن تكون أمريكيا تريد العمل في مجتمع إسلامي محافظ فهذا ليس سهلا، ورغم ان المجتمع الموريتاني لا يعرف إلا ان يتعامل بطيبة مع كل الضيوف الا انه يبدي حذرا او تحفظا يلزمك وقت لكي تكسره من خلال المعاملة الطيبة وخدمة الإنسان والصدق في العمل التطوعي”.
ما يميز الصندوق الأمريكي عن غيره من داعمي مشاريع التنمية في الدول النامية؛ بحسب تسيي” هو أنه يجعل من يتلقون الدعم شركاء حقيقيين حيث يتوقف عملهم على الاستماع للأفكار والمشاريع الطموحة والجيدة ودعمها عبر مراحل تطورها حتى بلوغ النهاية”.
جنجير هي واحدة من بين عشرات الناشطات في مكتب السلام الأمريكي والموزعات على خريطة موريتانيا ودول العالم حيث توجه اليهن أصابع الإتهام – خاصة في موريتانيا- بأنهن جزء من الذراع الاستخباراتية لأقوى دولة في العالم، وهي تعرف ذلك جيدا لكنها ترد عليه بثقة كبيرة: “حقيقة هنالك هذا الاتهام الضمني لدى البعض من العامة أساسا، والذي يغذيه عدم اختلاط ثقافات وشعوب العالم بشكل كاف، ونظرية الخوف -بعض الشئ- من الآخر، لكن نحن كمتطوعين لا تربطنا اي علاقة باي جهاز استخباري ولا باي جهة تجمع الاخبار حتى، وهذا شرط أساسي لتكون ناشطا في مكتب السلام، كما أن عمل مكتب السلام منفصل تماما في عمله عن السفارة، هيئة السلام هي مؤسسة نشطة في مجال المساعدة في التنمية وتعارف الشعوب وليس لدينا اي مهمات في جمع الاخبار أحرى ان يكون هنالك عمل استخباراتي.. كل الذين عملنا معهم من الموريتانيين يكنون لنا الاحترام والتقدير ونبادلهم نفس الشعور والمكتب يعمل بالتنسيق مع الجهات الرسمية في البلاد”.
تبدو جنجير وهي تروي قصتها معجبة بنساء الصحراء في موريتانيا وشجاعتهن في صناعة الحياة في ظروف صعبة، لكنها تعرف أن المرأة في الريف تعاني من مشاكل صحية واقتصادية إضافة إلى الجهل والأمية وغياب مشاريع تنموية هادفة، وهو أمر يلهم صانعة السلام الأمريكية في أن تطلب الدعم لنساء موريتانيا في أروقة المنديات والمؤتمرات الدولية في واشنطن وغيرها من مدن العالم المتحضر التي تأتيها كضيفة قبل أن تحمل معها ذكريات جديدة عن عالم تمثل المرأة نصفه وتربي نصفه الآخر.