ما إن انقشع غبار ” ملحمة ” التشهير والتحقير بموريتانيا التي قادها في الأسابيع الماضية بعض أصحاب الأقلام المسعورة ممن يحسبون زورا ـ حسب اعتقادي ـ على الجزائر وما إن ظن الكل أن أبطال هذه ” الملحمة ” دخلوا جحورهم لإعادة ترتيب أفكارهم أو على الأصح لقرضها مثلما تفعل كل القوارض الصغيرة بالأشياء التافهة ، حتى لاح في الأفق غبار ” ملحمة ” جديدة أطلق شرارتها يوم 30 من أكتوبر الجاري مبعوث ” الشروق ” الجزائرية من عقر دارنا ، من العاصمة انواكشوط ، يعني من بيت حريمنا وليس بعد ذلك من وقاحة وتحدي ، ففي تقرير له عن الندوة الوطنية حول التطرف والإرهاب
التي نظمت مؤخرا في انواكشوط زعم هذا ” المبعوث ” بأن الأحزاب الموريتانية برأت الجزائر واتهمت حكومتها بدعم الإرهاب و أورد عدة شهادات لدعم هذا الاتهام بالرغم من أن بعضا منها الم تكن كلها محل شك في النوايا التي تحرك أصحابها ، بل انه ذهب على أبعد من ذلك ليتهم ما أسماه بأطراف نافذة في السلطة الموريتانية بالترويج للأفكار المغربية حول تصدير الجزائر للإرهاب .
إلى هذا الحد يعتبر الأمر عاديا وليس فيه ما يثير الاستغراب لأن أي موريتاني مهما كان موقعه وانتماؤه يمكنه أن ينتقد حكومته ورئيس دولته حدّ التجريح ويلصق بهما من التهم والأوصاف ما شاء دون خوف من أن يتبخر أو يرمى به إلى الأبد في ” القرطه ” ( ولمن لا يعرف ف ” القرطه ” تعني السجن بدارجة الخاوه ) ، ثم أن تصنيف بعض المسؤولين في خانة الموالين للمغرب ليس بالأمر الجديد على بعض الأشقاء في الجزائر فقد بادروا منذ أول يوم إلى وضع الرئيس محمد ولدعبد العزيز في أعلى تلك الخانة مما يعكس موقفا لا يمكن تفسيره سوى بالمقارنة بينه وبين معادلة جورج بوش
المشهورة ” إما معنا أو ضدنا ” ، ولم يفهم الإخوة بعد أن نسبة 52 % من الموريتانيين الذين انتخبوا هذا الرئيس لم ينتخبوه على أساس ولائه لا للمغرب ولا للجزائر بل اختاروه على أساس الولاء لموريتانيا ، ولم يفهموا كذلك أن المعارضة التي استشهد صاحب التقرير بمداخلات بعض أطرافها وأطراف أطرافها إنما تنتقد هذا الرئيس ونظامه لا على خلفية ولائه لأي من الجيران إنما على أساس ما تراه تقصيرا في اهتمامه ببعض القضايا التي تراها جوهرية ، وكم أتمنى أن يوجد متطوع يشرح لأشقائنا معنى المثل الحساني القائل ” نبغيلك بغيك ولا نكرهلك كرهك ” ، وأننا لا نريد
لبلادنا أن تتحول إلى ملعب للمبارزة حول الزعامة الإقليمية في المنطقة .
ومن المفارقات العجيبة أن هناك بعض الجهات من شخصيات وأحزاب معروفة ـ وهذا ليس سرا ـ بميولها للأشقاء الجزائريين ولم يكن الأمر يدعو إلى تصنيف أو تخندق لأنه ليس كذلك إلا إذا كان يراد لموريتانيا أن تكون كعكة غير قابلة للقسمة وان قسمت تكون ضيزى .
ويستمر معد التقرير بالطعن في كل شيء حتى بلغ به – الأمر لجهله وجهالته – تزييف التاريخ ، فقد نقل عن متحدث باسم الحزب ” السنغالي الموريتاني من أجل العدالة والديمقراطية ” قوله بأن السياسة العنصرية تجاه قبائل الزنوج ” الشناقطة ” ـ كما أسماهم ـ هي أحد العوامل التي جعلت الإرهاب يعشش في أوساط المجتمع ، وهنا يتساءل المرء : هل أن هذا الكاتب المسكين و ” المبعوث “( بالحسانية ) يجهل حقا أي شيء عن الشناقطة إلى حد أن يستشهد على أصلهم بمصادر ” حزب ” طل رأسه في غفلة من الزمن والتاريخ على بلاد شنقيط من وراء النهر ؟ أم أنه اكتفى ـ وهو ينقل بأمانة عن مصدره
ـ بقياس تاريخ قبائل الزنوج ” الشناقطة ” بتاريخ قبائل الأمازيغ مع إسقاط الفارق الزمني الكبير بين وصول القادمين الجدد إلى كل من شنقيط ، ومدينتي تيزي وزو و بجاية ؟ وهل انه عند الحديث عن تعشيش الإرهاب في المجتمع الموريتاني نسي أو تناسى الأعشاش الأصلية له قبل أن يهاجر جنوبا نحو الصحراء ؟ وليس ثمة من داع إلى التذكير بالعوامل التي أدت إلى تعشيشه في الجبال قبل أن يرحل أو يُرحّل إلى حيث هو الآن .
ويأبى صاحب التقرير ( المبعوث ) إلا أن يبرز في نهاية تقريره كما في بدايته فكرة المؤامرة ضد الجزائر لصالح النظام المخزني في المغرب ـ على حد تعبيره ـ وذلك رأ ي نحترمه له، كما أنه من حقه أن يخاف على بلده ويقف في وجه كل المؤامرات التي تحاك ضده ، لكن بالمقابل أليس من حقنا نحن أن نبقى على اعتزازنا وفخرنا بالجزائر والجزائريين ، وأن يسمح لنا في الوقت ذاته أن نتخلص من عقدة التاريخ التي يراد لها أن تظل السمة التي تحكم علاقتنا بالمغرب وان لا تظل تلك العقدة سيفا مسلطا على رقابنا حتى ونحن نحاول أن نقف على نفس المسافة من الجارين الشقيقين ؟
ولما لا يتركنا الشقيقين ندير شؤوننا بسلام مثلما كنا دون أن يمن علينا احدهما ببرميل نفط لايصلنا قبل أن ندفع جزء من استقلالية قرارنا ثمنا له ، أو حبة طماطم تتحول إلى قشرة لطول ما سافرت قبل أن تصل إلى مطابخنا ؟.
محمد فال ولد القاضي
الأمين العام لجمعية ذاكرة وعدالة
هاتف : 002222213776