سيدي ولد سيد احمد البكاي
باحث اجتماعي/مهتم بقضايا المرأة/إطار بوزارة الشؤون الاجتماعية و الطفولة و الأسرة
بمناسبة الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال الوطني يشرفني أن أعيد نشر هذه المساهمة، مشاركة في التحسيس بأهمية القيمة التاريخية لهذا الحدث، وإبراز أهم ماطبع الخمسينية الأولى للاستقلال، من أحداث تتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة الموريتانية.
عرفت موريتانيا منذ استقلالها وحتى اليوم العديد من أنظمة الحكم المدنية و العسكرية تأرجحت فيها المشاركة السياسية للمراة بين الاهتمام و التهميش وسنحاول من خلال هذه الإطلالة أن نورد أهم محطات تلك المشاركة السياسية، وإن كنا نعلم بأن عملا من هذا القبيل يحتاج إلى جهد و تمحيص نعترف بقصورنا عن الاحاطة بهما، ونحفظ للباحثين الذين سبقوا جهودهم والنتائج العلمية الطيبة التي توصلوا إليها.
يرجع بعض الباحثين الممارسة السياسية في موريتانيا إلى سنة 1947 مع حزب الاتحاد التقدمي وتاليا حزب التفاهم 1950 ورابطة الشباب الموريتاني 1955 ثم حزب النهضة و حزب الاتحاد الوطني لموريتانيا على التوالي 1958 و 1959. ولم تكن هذه الأحزاب أحزاب جماهيرية بل كان يهيمن عليها الطابع القبلي والجهوي الأمر الذي لم يسمح للمرأة الموريتانية أن تلعب دورا ما في هياكلها بالإضافة إلى المعوقات التقليدية التي عادة ما تحول دون لعب دور سياسي للمرأة مثل الجهل بالحقوق السياسية و الأمية.
بداية الاستقلال:
ومع حصول البلاد على استقلالها في 28 نوفمبر 1960 وبداية الدولة المعاصرة وجدت المرأة مكانة لها في الساحة السياسية على الرغم من بساطة النظام القائم آنذاك، خاصة في السنوات الأولى حيث وصفها الكاتب الفرنسي بالاس ب “إدارة كؤوس الشاي”، وقد تضمن أول دستور للبلاد 1961 إشراك كافة أفراد المجتمع و خاصة النساء.
تميزت هذه المرحلة من المشاركة السياسية للمرأة الموريتانية ببروز تنظيمات نسائية ترفع راية إزالة التهميش عن المرأة ومن أهم هذه التنظيمات اتحاد نساء نواكشوط والذي جاء بمبادرة من عقيلة الرئيس المخطار ولد داداه السيدة مريم داداه، و بعد انصهار الاتحاد النسائي ضمن هياكل حزب الشعب شهدت الحركة النسائية في موريتانيا نشاطات كثيفة حيث حضرت المرأة الموريتانية ولأول مرة مؤتمرا حزبيا كمراقبة وبروز مجلس استشاري نسائي مؤلف من خمسة أعضاء يساعد المكتب السياسي الوطني فيما يتعلق بترقية المرأة، إلا أن هذا المجلس لم يعمر طويلا وحل محله المجلس الأعلى للنساء بعضوية11 امرأة بعد مؤتمر العيون 1966 وقد اتخذ مؤتمر العيون إجراءات تقضي بحماية المرأة من طرف الحزب والدولة وتوفير التعليم والحماية الاجتماعية لها خصوصا في حالات الطلاق وانقطاع النفقة كما تم لأول مرة تبني فكرة إصدار قانون ضد قطع النفقة وهو ما تم بالفعل بتاريخ 23/12/67 تحت الرقم 67/9 ليضمن التعويض للواتي يكفلن أطفالا.
وتم تعيين أول وزيرة موريتانية سنة 1977 كما تم تعيين مفوضة عليا بمثابة وزيرة وتم انتخاب أربع نساء في الجمعية الوطنية وتعيين مديرتين: الأولى مديرة المدرسة الوطنية للإدارة والثانية مديرة لإحدى الثانويات على حد تعبير إحدى اللواتي عاصرن هذه الحقبة، وفي نهاية 1977 أخذ المجلس طابعا وطنيا وأصبح المجلس الوطني للنساء وبعضوية 26 سيدة .
فترات الحكم العسكري
هذا الحراك النسوي سيشهد ركودا بعد الانقلاب على نظام المخطار ولد داداه وظهور الحكم العسكري حيث يميز بعض الدارسين للتاريخ السياسي المعاصر لموريتانيا بين محطتين من نظام الحكم العسكري خاصة فيما يتعلق بالاهتمام بقضايا المرأة، مرحلة التهميش السياسي للمرأة ومرحلة الاهتمام الزائد ولعل هذه الأخيرة – حسب رأينا – تؤسس لتحضير النظام شبه المدني الذي ستعرفه موريتانيا مع بداية 1985.
و قد شهدت البلاد في السنوات الثلاث الأولى من الحكم العسكري اضطرابا سياسيا أثر تأثيرا سلبيا على المسيرة السياسية للمرأة الموريتانية ابتداء من 10 يوليو 1978 وحتى 4 يناير 1980، وفي هذه الفترة يعتقد البعض أن المقدم المصطفى ولد محمد السالك (10 يوليو 1978 6 أبريل 1979) حاول متابعة النشاط السياسي للنساء باستدعاء بعضهن من أجل تشكيل هيأة جديدة للنهوض بهن ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل.
ولعل أطول فترة من فترات الحكم العسكري (مرحلة التهميش) كانت مرحلة المقدم محمد خونة ولد هيداله (أربع سنوات) عرفت فيها البلاد نظاما جديدا (هياكل تهذيب الجماهير) لم يعول فيه كثيرا على أي دور للمرأة في عملية البناء الوطني، إلا في نهاية الحقبة وخاصة بعد خطاب ولد هيداله في 23 يوليو 1983 والموجه أساسا للنهوض بالمرأة وتحسين وضعها حيث تم استدعاء لجنة مؤلفة من أوجه نسائية معروفة وطلب منهن إعداد محاضرات توعية لصالح المرأة لكن هذه اللجنة لم تر النور وظلت نسبة التمثيل النسائي على مستوى المراكز القيادية في هياكل تهذيب الجماهير ضعيفة جدا .
ولد الطايع وخيار دمج المراة في التنمية
وبعد انقلاب 12-12-1984- أو كما يسميه البعض ساعتها بحركة التصحيح – عرفت المشاركة السياسية للمرأة رواجا جديدا، ولعله من باب تغيير النهج السابق تماما كما غير هيداله النهج الذي سبقه ،حيث باشر في إنشاء قطاع بالأمانة الدائمة للجنة العسكرية للخلاص الوطني مكلف بشؤون النساء، وتحديدا في 7 يناير 1985
وتوج اهتمام ولد الطايع بأهمية المشاركة السياسية للمرأة بخطاب النعمة (5 مارس 1986) حيث تم الإعلان عن المساواة وضرورة النهوض بالمرأة وترقيتها، وأعلنت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني في بيانها الصادر بتاريخ 10 مارس 1986 عن خطورة تهميش المرأة وحرمانها، وخلال الانتخابات البلدية، كانت كافة اللوائح الانتخابية في العاصمة تضم نساء ومن بين 144 مرشح للمجالس البلدية كانت هناك 10 نساء ومن بين اللوائح الأربعة المتنافسة كانت ثلاثة منها تضم كل واحدة منها امرأتين والرابعة تضم أربعة نساء أما على المستوى الداخلي فقد نجحت امرأة واحدة كعمدة في ولاية الحوض الشرقي بلدية بوصطيلة هي المرحومة فاطم الزينه منت أحمد ولد اسباقو
بعد هذا الانفتاح تم إنشاء وزارة خاصة بترقية المرأة تم التمهيد لها بقرار رئاسي يقضي بترسيم 260 سيدة في سلك الوظيفة العمومية لكن هذه الوزارة لم تعمر طويلا بعد رحمة السيدة الوزيرة خديجة بنت عبد الحي
وتم بعد ذلك 1989 استحداث كتابة للدولة مكلفة بشؤون المرأة وفي غياب أي قوانين حمائية لهذه المشاركة ظلت نسبة ولوج المرأة لمناصب اتخاذ القرار ضعيفة، ففي المناصب التي يتم التعيين فيها – إن على مستوى الوزراء أو المناصب القيادية الأخرى – كانت في حدود 7% وفي سنة 1990 وصلت إلى 7,7% لتتضاعف هذه النسبة لتصل إلى 15,78% عام 2000 وتثبت في ذلك المستوى حتى سنة 2005.
وفيما يتعلق بالمناصب الانتخابية فيمكن القول بأن مشاركة المرأة فيها كانت هزيلة (3,4%) قبل اعتماد نظام الكوتا 2007 ووصلت بعده إلى حوالي 19% في البرلمان و30,4% في المجالس المحلية قابلة للزيادة بحكم وجود بعض النساء خلفا لبعض النواب الذين عادة ما يتم تعيينهم في مناصب أخرى أو يحول طارئ بينهم ومسؤولياتهم البرلمانية.
إن هذا التباين الصارخ يبين النسب قبل وبعد اعتماد نظام التمييز الإيجابي يعبر بكل جلاء عن مستوى التهميش الذي كانت تتعرض له المرأة الموريتانية وخاصة إذا ما علمنا أن نسبة المقيدات بالجداول الانتخابية تقارب عادة أو تفوق 50%
نهاية حكم ولد الطايع وبداية الفترات الانتقالية ( مرحلة تعزيز المنظومة القانونية وتبني مقاربة النوع)
وبعد انقلاب 3 أغسطس 2005 و الفترة الانتقالية التي تلته لم يطرأ تغيير على البنية الهيكلية للقطاع على الأقل من الناحية الشكلية حيث بقي كتابة للدولة مكلفة بشؤون المرآة إلا أن العمل النسوي شهد نقلة نوعية تمثلت في ترقية المشاركة السياسية و التي تجلت أهم مظاهرها في اعتماد نظام التمييز الايجابي (كوتا 20%) وكذلك حضورا بارزا لقضايا المرآة و النوع عند مراجعة الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر وكذا ولادة أحزاب سياسية ترأسها نساء بعد أن كان هناك حزب سياسي واحد ترأسه سيدة ( هي وزيرة الخارجية الحالية).
وقد تميزت الفترة الممتدة ما بين ابريل 2007 و أغسطس 2008 بإعادة هيكلة القطاع المكلف بشؤون المرآة حيث انتقل من كتابة للدولة لشؤون المرآة إلى وزارة مكلفة بالترقية النسوية و الطفولة و الأسرة ليقضي بعد ذلك على آخر كلمة من التسمية الأولى (مكلفة) حيث أصبح اسم القطاع وزارة الترقية النسوية والطفولة و الأسرة، وكذلك تميزت هذه الفترة بإعادة تفعيل المنسقيات الجهوية من أجل تعزيز اللامركزية في نوعية المشاركة السياسية للمرأة ومن أبرز ما ميز هذه الحقبة المطالبة باعتماد بعد النوع في السياسات و البرامج القطاعية للحكومة .
محمد ولد عبد العزيز و الإشراك السياسي للمراة الموريتانية
وفي 6 أغشت 2008 و عند وصول محمد ولد عبد العزيز الى السلطة،تمت إعادة هيكلة قطاع شؤون المراة من جديد في أول حكومة حيث تمت تسميته بوزارة الشؤون الاجتماعية و الطفولة و الأسرة لتلتحق بها إدارة الشؤون الاجتماعية و يتم استحداث إدارة للمعوقين، غير أن هذا التغيير أثار جدلا بين العديد من المهتمين بشؤون المرأة ، مدفوعين في الكثير من الأحيان بمواقف سياسية مسبقة ، حيث يعتبرها بعضهم نكوصا في الاهتمام بقضايا المرأة ويعزز أصحاب هذا الطرح موقفهم بتراجع النسبة التمثيلية للمرأة في المناصب الوزارية إلى حقيبتين و التي ظلت تتأرجح في العهود الماضية بين ثلاثة حقائب أو أربعة ، كما اسلفنا سابقا، ليتفاجؤوا في أول حكومة بعد انتخابات 19 يوليو 2009 بمنح ستة حقائب وزارية للمرأة من بينها وزارة الخارجية لأول مرة في العالم العربي .
وبعد مرور خمسين سنة على الاستقلال الوطني تحتفل الحركة النسائية في موريتانيا بالعديد من المكتسبات التي استطاعت تحقيقها، مازالت حلما لدى قريناتها في شبه المنطقة، والذي يستحق الإشادة في هذا المقام أن هذه المكتسبات و غيرها تمت في إطار نضال راقي وسلمي يأخذ من القيم الحضارية و الثقافية للمجتمع الموريتاني العربي الإفريقي المسلم أساسا و منطلقا له، ومن الحقوق المشروعة للمرأة هدفا أسمى لابد من تحقيقه.
وهو ما يؤكد حسب رأيي المتواضع أن خصوصية المرأة الموريتانية لا تكمن في كيفية لبسها ولا في مكانتها في الأسرة و المجتمع، من جهة، ولا حتى في استقبال الطلاق حبا و نصرا- على حد تعبير أحمدو ولد عبد القادر- ولكن يكمن في طريقة التفكير و النضال السلمي المشروع وعم الحقد على الأخ الرجل.