نواكشوط ـ إبراهيم ولد المصطفى
العاشرة صباحا..يموج سوق الخضار المزدحم في نواكشوط؛ المعروف بسوق المغرب، بمئات المتبضعين، يشترون حاجاتهم من مختلف أصناف الخضار والفواكه والبقول.
صخب السوق على أشده.. وهناك على بعد امتار قليلة انزوت نساء من مختلف الأعمار وحد الفقر المدقع مصيرهن، يجمعن في صمت من مكب النفايات بقايا البطاطس المتعفن وغيره من الخضار والفواكه.. يمسحن عنها ما علق بها من أوساخ ، ويضعن أقلها سوء في سلة يعينهن أطفالهم على حملها.
بعد ذلك يتفرقن.. بعضهن يعدن من حيث أتين ليقتتن يومهن ذاك بما جادت به مكبات النفايات، وأخريات يعدن إلى السوق نفسه ليعرضن البضاعة عينها التي جمعنها قبل ساعة ويبعنها بسعر “رمزي” يعادل ُعشر ثمنها الأصلي.
ليس ما تقوم به هؤلاء النسوة تصرفا معزولا فقد بات لتجارة المواد التالفة جناحها في هذا السوق، وله زواره الكثر من فقراء نواكشوط، فالسلع الرديئة كما يقول الاقتصاديون تروج في أزمنة المجاعات، وكذلك لم يعد أغلب التجار يرمون ما تلف من بضائع في المزابل، بعد أن اطلعوا على أن هناك من “يعيد إنتاجه” ويبيعه في جناح آخر من السوق، فأصبحوا يبيعون البطاطس التالفة ل”فقراء” التجار، ليعيدوا بدورهم بيعها، لمن هم أشد فقرا!
تقول السالمة؛ إحدى المتسوقات، “ما يدفعنا إلى شراء هذه البضاعة هو عجزنا عن تحصيل ثمن البضاعة الجيدة… لا أكتمك أن بها مرارة شديدة وأننا نضطر إلى رمي الكثير منه لأنه غير صالح للاستعمال، وفي بعض الأحيان تطغى مرارته على ما نخلطه به من مواد أخرى، ولكن أحيانا نجد من بينه ما هو جيد.. كل وحظه”.
وتطالب متسوقة أخرى في سوق الخضار الصالح للاستعمال بحظر هذه التجارة لما تسببه من أضرار على الصحة العامة، قائلة “نحن نعلم أن الفقر هو ما يضطر إخوتنا إلى شراء هذه المواد التالفة المتعفنة، لكنها يمكن أن تسبب لهم متاعب صحية، وبالتالي فمن الأفضل لهم أن يموتوا جوعا من العيش على هذه المواد نظرا لضررها الواضح”.
تحتج تاجرة بطاطس تالفة على هذا الرأي قائلة “ما دخلكم في هذا الموضوع، من حقنا أن نأكل ما نشاء حسب طاقتنا…الدولة لم توفر لنا هذه المواد بأسعار في متناولنا، ولهذا فنحن نشتري هذا الخضار الزهيد ونكسب منه قوت يومنا، إذا كانت فيه فائدة فنحن من سيجنيها، وإذا كان فيه ـ لا قدر الله ـ ضرر فنحن من سيتعرض له.. لقد استعملنا هذه المواد لمدة طويلة، ولم نتعرض لأي مرض نحن ولا عيالنا، فالله هو الواقي ونحن عباده”.
ورغم أن المصالح المعنية بالموضوع على اطلاع تام بتفاصيل تجارة الفواكه والخضار المتعفنة في السوق الخاص بها في نواكشوط، فإنها تركت الأمور تجري وكأنها طبيعية، فلم تحظر هذا النشاط، ولم تلزم تجار الخضار بتسليم ما يتلف من بضائعهم إلى السلطات المعنية؛ كما يحدث مع البضائع الأخرى الفاسدة ومنتهية الصلاحية.
وحسب جمعيات حماية المستهلك فإن نسبة طفيفة من المواد الفاسدة ومنتهية الصلاحية التي تمتلئ بها أسواق موريتانيا، هي ما تتم مصادرته من طرف الجهات المختصة وتقوم بإتلافه، أما الباقي فإن كبار التجار والمستوردين يتخلصون منه من خلال بيعه إلى بعض صغار التجار الذين يقومون بدورهم ببيعه، بهامش ربح إلى فقراء البلاد، بأسعار تناسب قدرتهم الشرائية ، فمثلا علبة حليب سعرها الأصلي 200 أوقية تباع ب30 أوقية، وحسب التجار فإن الطعم يعتبر المقياس الوحيد لدى هؤلاء، “فما دام الطعم طبيعيا فإنهم يقبلون بشراء هذه المواد أما حين يتغير طعمها فلا أحد يقبل بشرائها”.
ويبيع بعض التجار المواد التي لم يبق قبل انتهاء صلاحيتها سوى فترة وجيزة بأسعار تجنبهم الخسارة الكاملة، ويقوم السماسرة الذين يشترون منهم هذه المواد بتسويقها في الأحياء الفقيرة حيث يجدون لها سوقا رائجا.