ترجمة : صحراء ميديا
في الجزء الثاني من الوثائق السرية التي نشرها موقع “ويكيلكس” نقلا عن وزارة الخارجية الأمريكية، يتم التطرق إلى لقاء جمع زعيم المعارضة الديمقراطية أحمد ولد داداه بوفد أميريكي تمثل في : مساعد نائب وزيرة الخارجية والمدير الرئيسي دومنت والسفير الأمريكي والقائم بالأعمال في السفارة والمستشار الثقافي المكلف بالعلاقات العامة بالسفارة.
وبحسب إحدى الوثائق فقد جدد ولد داداه نظرته لتطور الصراع وصرح بمعارضته للانقلاب وكذا إعادة الرئيس ولد الشيخ عبد الله للسلطة. واعترف أن الانقلاب هو النتيجة الطبيعية والحتمية لحكومة يقودها رئيس خسر شرعيتيه لسببين رئيسيين: أولا، أنه لم يتم انتخابه ديمقراطيا و تم وضعه في السلطة من قبل الجيش، وثانيا، أنه طوال فترة رئاسته فشل في ترسيخ حكامة جيدة تساعده على الحصول على الشرعية.
اللقاء بولد داداه:
16- (مسجل حساس لكن غير سري) التقى مساعد نائب وزيرة الخارجية والمدير الرئيسي دومنت والسفير الأمريكي والقائم بالأعمال في السفارة والمستشار الثقافي المكلف بالعلاقات العامة بالسفارة بزعيم المعارضة الديمقراطي السابق (مكانة تضع صاحبها في مقام وزير في موريتانيا) أحمد ولد داداه (تكتل القوى الديمقراطية) بمعية عدد من أعضاء الحزب بمقر الحزب بنواكشوط.
17- قدم أحمد ولد داداه حزبه على أنه القاعدة التي تنبني عليه المعارضة للعكسر منذ تأسيس الحركة في أكتوبر 1991. والد أحمد داداه، هو المختار ولد داداه (حسب الوثيقة)، كان أول رئيس لموريتانيا وحكم ما بين نوفمبر 1960 وأبريل 1979 (حسب نص الوثيقة)، حيث قضى آخر سنتين منها، بعد انقلاب عسكري في 1978، “رئيسا للجنة العسكرية للإنعاش الوطني”.
وجدد ولد داداه نظرته لتطور الصراع وصرح بمعارضته للانقلاب وكذا إعادة الرئيس ولد الشيخ عبد الله للسلطة. واعترف أن الانقلاب هو النتيجة الطبيعية والحتمية لحكومة بقودها رئيس خسر شرعيتيه لسببين رئيسيين: أولا، أنه لم يتم انتخابه ديمقراطيا (من حيث أنه تم وضعه في السلطة من قبل الجيش الذي زور نتائج التصويت)، وثانيا، أنه طوال فترة رئاسته فشل في ترسيخ حكامة جيدة تساعده على الحصول على الشرعية. وأشار ولد داداه أنه وضع معاييرا أمام الجيش ليسير عليها في المراحل القادمة، لكنه في المقابل لم يوضح ما هي هذه المعايير. وأعلن ولد داداه صراحة أنه من منظورهم، كل شيئ قابل للتفاوض إلا عودة الرئيس ولد الشيخ عبد الله للسلطة وعرض ولد داداه نفسه كطرف في أي مفاوضات قادمة.
18- يميل ولد داداه إلى التصرف كمثقف ومفكر متعطش، مستخدما بعض الاقتباسات والاستشهاد بأقوال لاتينية مأثورة وبفولتير. إحدى الاقتباسات كانت من كتاب باسكال “أفكار” التي قالها بينما كان ينظر إلى جبال البرانس التي تفصل إسبانيا وفرنسا ولخص بها ولد داداه رأيه في الانقلاب وتداعياته :” ما يعتبر حقيقة في جانب (من جبال البرانس) يعتبر كذبة في الجانب الآخر”. معنى ذلك أن ما رآه المجتمع الدولي في ولد الشيخ عبد الله كرمز للديمقراطية الفتية والواعدة، نظر له بطريقة مختلفة في موريتانيا. هذا هو في نظره جوهر المأزق القائم بين الموريتانيين والمجتمع الدولي حاليا. عندما يفقد مجتمع ما إيمانه في سيادة القانون والأمن وقيادة البلاد تفقد الديمقراطية معناها. وبينما يواصل المجتمع الدولي تشبثه بهذا المفهوم المغلوط للديمقراطية، يرى السياسيون الموريتانيون أنفسهم، باعتبارهم نوابا منتخبين كأناس قادرين على المساعدة في إيجاد حل- بما أنه آخر ما تبقى من الديمقراطية. أحد النواب أشار إلى أنه، تاريخيا، لا تتوفر الشرعية لحاكم إلا بتحقق ثلاثة شروط: أولا، أن يكون القانون لصالحه، وثانيا، أن يكون أداء الحكومة في صالح المواطنين وثالثا، أن يكون التوافق الوطني لصالح الحاكم. وبما أن ولد الشيخ عبد الله خسر الشروط الثلاثة فقد أصبح من هذا المعيار، فعليا، غير شرعي.
19- مساعد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية موس أوضح لولد داداه الموقف الأمريكي المشار له في الفقرة رقم 15. لقد شدد على أن الرد الأمريكي على الانقلاب نابع مما يقتضيه القانون الأمريكي والسياسة الأمريكية وأنه لا يمكن لأي “تأويل” يعتبر الانقلاب غير ما هو في الواقع يمكن أن تغير من واقع الأمور. وكرر موس على أن عودة الرئيس ولد الشيخ عبد الله للحكم يعتبر مطلبا ضروريا لأي تسويات مستقبلية يمكنها أن تساعد موريتانيا للمضي قدما، وشدد على أن أي تسوية تنبع من المؤسسة العسكرية وتنفذ تعتبر غير قابلة للاستمرار.
لقاء البرلمانيين:
20- التقى الوفد الأمريكي ب 12 عضوا من البرلمان، سيناتورا ونائبا، بينهم سيدتان. و بينما التقى القائم بالأعمال في السفارة قبل ذلك خلال الأسبوع عددا آخر منهم، تم التعبير عن معظم نفس الآراء في هذا اللقاء. للأسف فمعظم الوقت احتكره برلماني واحد كرر رأيه في تطور الانقلاب، بالتالي تكررت نفس القصة. تمت مقاطعة البرلماني من طرف زملائه بعد أن تعسف وأصبح يتكلم بانفعال حول ما سماه “التهديدات الأمريكية”. حديث النواب غاب فيه تقديم مقترحات لخطوات عملية للمضي قدما وأفكار للولايات المتحدة والمجتمع الدولي للعمل معهم (النواب) من أجل حل المأزق الحالي.
ومجددا، ظلت النقطة الأساسية عند البرلمانيين أنهم لا يؤيدون الانقلاب من حيث المبدأ لكنهم يرون أن الرئيس ولد الشيخ عبد الله كان يعرقل المسار الديمقراطي مما كان سينتج عنه توجيه للأمور لخدمة ما رأوا أنها تجاوزاته. بالنسبة لهم، الانقلاب كان هو الوسيلة الوحيدة لإعادة الديمقراطية. وشددوا مجددا على أن المبادئ الدولية حول مفهوم الديمقراطية لا يمكن إسقاطها على الحالة الموريتانية، لأنها مختلفة، وأنا، والحالة هذه، معقدة بشكل مغاير. فموريتانيا هي دولة ضعيفة وشابة ومبتلاة بمشاكل لا يستطيع الغرب أن يفهمها. من خلال هذا السياق الخاص، ينظرون إلى الجيش كأحد العناصر الثلاثة الرئيسية في المجتمع الموريتاني. ويظل شغلهم الشاغل هو موريتانيا، وإن كان المجتمع الدولي له رأي مخالف فإنهم لا يزالون يعتقدون أنهم يجب أن يقوموا بما هو صحيح لأجل بلدهم وأن المال غير موجود في الحسبان. ولم يقتسم جميع البرلمانيين هذا الخط الراديكالي وهذه المقاربة الانعزالية إذ شكر آخرون الولايات المتحدة لكونها ظلت صديقا تاريخيا ولعملها معهم لإيجاد تسوية للمأزق. وأشار عدد منهم أنهم سيكونون أول من يحتج إذا ما انزاح العسكر عن التزامه بإعادة الديمقراطية “قريبا”.
لقاءات مع ديبلوماسيين:
21- التقى الوفد على حدة بالسفير الفرنسي فاندير بورتر ولاحقا، في وجبة الغداء، وممثلي فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإطلاعهم بإيجاز على الموقف الأمريكي وإعطاء قراءة للقاء الذي تم مع الجنرال ولد عبد العزيز والاستماع إلى وجهات نظرهم حول الوضع. وأوضح السفير الفرنسي ما اعتبره التكتيك الحالي للجيش. من منظور الجيش فهم يعتقدون أنهم يؤسسون لوضع دستوري لحركتهم. فبعد عودة البرلمان للاشتغال عبر جلسة خاصة في 28 أغسطس سيضمن الجيش قانونا دستوريا سيمنح المباركة التشريعية للمجلس الأعلى للدولة وللتعديلات الدستوري التي أقامها المجلس. وترقب السفير الفرنسي بأن يفرج ولد عبد العزيز عن ولد الشيخ عبد الله حالما يمنح البرلمان هذه “الشرعية” – سيتم إطلاق ولد الشيخ عبد الله كمواطن عادي حالما يصير هناك رئيس “شرعي” ووزير أول وهيئة تشريعية. واتفق الديبلوماسيون على أن أي نتاج تشريعي يخرج في ظل سيطرة العسكر لن يكون ذا مصداقية.
22- أخبر XXX (*) نائب وزيرة الخارجية موس أنه شخصيا كان يرى في الرئيس ولد الشيخ عبد الله شخصا فاسدا على نحو مهول. لقد كان ما يكفي من المسوغات لاتهامات الفساد (على الأقل ضد زوجته) لتلطخ سمعة ولد الشيخ عبد الله. وقال أن أي تفكير في عودة ولد الشيخ عبد الله ليتم مدة رئاسته هو غير “واقعي”. ورأى أنه في أحسن الأحول سيناريو عودة ولد الشيخ عبد الله مؤقتا كجزء من صفقة متفاوض حولها والتي ستتضمن تقديم استقالته.
عند الغداء كان بقية الطاقم الديبلوماسي مختلفين حول مستقبل ولد الشيخ عبد الله السياسي رغم ذلك فقد اتفقوا على مبدأ ضرورة العودة إلى “نقطة مرجعية” من خلالها يمكن التوافق على تسوية سياسية. عدد من السفراء لاحظوا أن هذا الانقلاب، إلى حد الآن، سار على نفس التقليد غير الدموي للانقلابات الناجحة السابقة. واتفقوا على أن هذا الانقلاب يختلف عن سابقيه تتمثل في كونه يلاقي معارضة داخلية مهمة ورفضا دوليا صارما. وتخوف السفراء من أنه إذا ظل الوضع من دون حل لبعض الوقت فإن هناك خطرا حقيقيا من اندلاع العنف إما عبر انقلاب ثان أو حملة من طرف العسكر لفرض النظام أو انفلات اجتماعي أو استغلال للوضع من طرف القاعدة أو المجرمين الدوليين الذين سيستغلون أن تصبح موريتانيا غير مستقرة. وعبر XXX عن قلقه من أن أشد المناصرين لولد عبد العزيز ينحدر أغلبهم من البيضان بينما تتشكل أقوى قاعدة عمومية داعمة لولد الشيخ عبد الله من الزنوج-مما يهدد باندلاع عنف اجتماعي ومعسكرات عرقية.
الندوة الصحفية:
قبل مغادرته عقد مساعد نائب وزيرة الخارجية موس ندوة صحفية رسم فيها الخطوط العريضة للموقف الأمريكي كما سبقت الإشارة إليه مسبقا في الفقرة 15. الندوة حضرها 20 صحفيا من بينهم ممثلي قناتي الجزيرة والعربية-أكثر الشبكات التلفزيونية العربية مشاهدة في موريتانيا. وبث التلفزيون الوطني أجزاء من كلمة موس في نشرتها الإخبارية الأولى بالفرنسية لكنها حذفتها من النشرات اللاحقة بالفرنسية والعربية. وكررت الجزيرة بث تعليقات موس ضامنة بذلك أن يسمع غالبية النخبة الموريتانية بوضوح الموقف الأمريكي. وكان هناك على الأقل صحيفة محلية قامت بنشر حرفي لنص كلمة موس في الندوة الصحفية.
تعليق:
24- نجحت زيارة مساعد نائب وزيرة الخارجية موس في أن تفهم العسكر وكل الأطياف السياسية أن المعارضة الأمريكية للانقلاب هي صارمة. مشاركة وزارة الدفاع في الرحلة كانت على الخصوص فعالة في إفهام الجنرال ولد عبد العزيز أنه يمكن أن يكون للموقف الحكومي الأمريكي باب خلفي بناء على التعاون العسكري. لم يرضخ الجنرال ولد عبد العزيز وهذا لم يكن متوقعا. الآن وقد تم إشعاره، نعتقد أن الجنرال ولد عبد العزيز سيجد نفسه مقيدا أكثرا. هدفنا هو دفعه إلى البحث عن استراتيجية الخروج* (exit strategy) .
25- لم يتسن لمساعد نائب وزيرة الخارجية موس مراجعة هذه البرقية قبل مغادرته (ملاحظة دونها السفير بولوير).
* الـ XXX موجودة في النص حيث لم تتم الإشارة إلى الشخص الذي يتم الحديث عنه في الفقرات التي عوض إسمه بهذه الحروف اللاتينية، لكن نعتقد، ومن خلال سياق الكلام، أن “موس” يتحدث عن السفير الفرنسي.
*”استراتيجية الخروج” هو مصطلح يستعمل في مجال الأعمال ويعني استراتيجية يصوغها رجل الأعمال للخروج من وضعية ليست في صالح وتحفظ له ماء الوجه. ويكون الخروج من هذا الوضع ذا فائدة أكبر في مقابل الاستمرار في التورط في الوضع الذي يريد الخروج منه.
يرجى مراجعة الرابط: