روصو ـ يعقوب ولد باهداه
على أطلال ثانوية “كبولاني” الشهيرة في ضاحية مدينة روصو، أو “ليسَه” كما تسمى هنا، تربع المعهد العالي للتعليم التكنولوجي (ISET)، الذي بات واحدا من أكثر مؤسسات التعليم العالي جودة من حيث البنية التحية ومناهج التدريس، وآلياته.
لكن خصوصية تتجلى فيما يتمتع به من ميزات، فهو منطقة علمية مستقلة، وموقعه على بعد 7 كيلومترات من المدينة واستقلاليته الكاملة، ومزجه بين النظري والتطبيقي، وكونه يضم مزارع متنوعة، و وحدات صناعية ـ انتاجية ذات جودة عالية، ومختبرات متطورة وتجيهزات لم تحظ بها المؤسسات التعليمية العريقة.
صحراء ميديا تكشف في الحلقة الأولى من سلسلة تقارير، البعد الأكاديمي للمعهد، والهدف من تأسيسه، وآليات اختياره لطلابه وكيف وفر لهم جميعا المنحة المالية و الاقامة والغذاء والخدمات الصحية والرياضية والترفيهية، والتخصصات المتاحة، وتستطلع طموحات الطلاب، والمشاكل التي يواجهونها.
بطلابه الذين لا يتجاوز عددهم الآن 150 يخطو المعهد العالي للتعليم التكنولوجي، خطواته الأولى نحو الدخول في معترك الحياة العلمية الأكاديمية، فمنذ بدايته كمشروع قبل حولي عشر سنوات، لم يبدأ المعهد التدريس والتكوين قبل السنة المنصرمة، معتمدا نظاما تعليميا خاصا، يخرج طلابا مكونين بشكل جيد ولائق، بحسب القائمين على المعهد.
تتابع الدراسة في المعهد دفعتان، الأولى في الفصل الأول S1، وقد التحقت بداية السنة الدراسية الجارية، والأخرى في الفصل الثالث S3 وقد التحقت بالمعهد السنة المنصرمة، وكلا الدفعتين تم اختيارها من خلال عملية انتقاء وفرز لملفات المتقدمين الحاصلين على الباكلوريا الرياضية والعلمية والتقنية.
ميزات كثيرة يتمتع بها المعهد، لعل أبرزها البنية التحتية، التي تجعل زائره ينتقل من واقع موريتاني إلى أجواء الجامعات الدولية، فقد أعيد ترميمه بكشل أعطى فرصة للبعد الجمالي في المباني والحدائق والمزارع المتواجدة في دائرة المعهد المطل على نهر السنغال، ويتوفر على ثلاثة أنهار صناعية داخلية.
ميزة أخرى يعتز به القائمون على ISET وهي “المرتنة الكاملة”، حيث أن كل من في المعهد من دكاترة ومهندسين وخبراء وعمال هم موريتانيون، بل إن بعضهم ترك عمله في الجامعات الأمريكية والكندية والتونسية وعاد بعد سنوات طويلة ليتفرغ للعمل في هذه التجربة “الدولية”، وضمنهم مديره الدكتور أحمدَ ولد الغوث، وهو عالم نباتات وأستاذ قضى أكثر من عقدين في الجامعات الغربية باحثا وأستاذا، وهو المايسرتو الذي يقود التجربة الفريدة، والتي تواجه مشاكل هنا وهناك وضمنها قضايا تتعلق بأستاذة سابقين في المعهد يوجهون له اتهامات متعددة، يفضل عدم الرد عليها، وإعطاء الأولية للعمل والعمل فقط.
يضم المعهد خمسة أقسام هي قسم الانتاج والوقاية النباتية، قسم الانتاج والصحة الحيوانية، قسم علوم وتكنلوجيا الأغذية، قسم الهندسة الزراعية والنظم البيئية، و قسم الهندسة الميكانيكية. إضافة لأربع وحدات هي وحدة تكنلوجيا المعلومات، وحدة الادارة الزراعية، وحدة البيئة، وحدة الرعي، و مشتلة المقاولات.
ويقدم المعهد لطلابه تكوينا متخصصا في المجالات الزراعية والرعوية والصناعات الغذائية، والبرامج البحثية والارشادية والتي تركز على الاشكاليات ذات الصلة باحتياجات تنمية القطاع الزراعي في موريتانيا وقطاع الصناعات الزراعية.
طموحات الطلاب..ومشاكلهم
رغم التعددية في الاختصاصات، يشكو طلاب ISET من الصعوبة الفائقة التي تواجههم في مواكبة النظام التدريسي، ففي الفصل الأول والثاني يجب الحصول على 12 من 20 لكي ينجح الطالب ويتمكن من المواصلة، وفي الفصل الثالث يجب تحصيل 14 من 20 نقطة في المواد الأساسية، و12 في المواد الثانوية، “وعلينا تحصيل هذا المعدل المضني أو الطرد”، يقول الطالب ديبي عمر صو، وهذه الخصوصية أدت إلى طرد 50 طالبا العام المنصرم لم يتمكنوا من تحصيل المعدل المطلوب، بحسب الطالب أحمدو ولد جمباره، بسبب “التراكم الذي يؤدي إلى الطرد” حسب قوله.
طالب آخر يؤكد أن الوسائل متوفرة، والأساتذة موجودون ومستعدون لاستقبال الطلاب في كل وقت، نظرا لكونهم يقيمون جميعا في المعهد، وهواتفهم مفتوحة، ويشير هذا الطالب إلى أن هناك “نقاطا مجانية” تمنح للطلاب، تتعلق بالحضور والمشاركة وإنجاز الأعمال المنزلية. ويشيد طالب آخر هو صيدو ممدو مختار، بأهمية الاعتبار الكبير الممنوح لثنائية الحضور والسلوك.
من جهته يقول الطالب عبد الرحمن ولد محمد الامين إنه بعد حصوله على الباكلوريا 2009 حاول التسجيل في كلية الطب في نواكشوط، ولم يوفق، وهو ماجعل الخيار الوحيد أمامه أن يسجل في كلية الاقتصاد، و”هو مايعني الفشل البطيئ” حسب تعبيره، مؤكدا أنه تفاجئ من التركيز في المعهد العالي للتعليم التكنلوجي على كل ما له علاقة بالزراعة، ولكنه يؤكد أنه ماض في طريقه بصبر.
ويشير الطالب عبد الله ولد أحمد معاوية إلى أنه بعد حصوله على الباكلوريا سنة 2010 اتجه إلى ISET بوصفه معهدا تنمويا يدعم اقتصاد البلد، ويحتوي تخصصات نادرة في مختلف العلوم التطبيقية، ضمن أقسامه و وحداته.
ويقول الطالب خالد ولد محمد إن النظري يأخذ أحيانا وقتا أكثر من التطبيقي، وأن أغلبية أستاذة المعهد هم من المهندسين وليسوا دكاترة، بل إن بعضهم حديث التخرج بحسب الطالب محمد ولد محمد الشيخ، ويشير الطالب محمد ولد الصوفي إلى المشاكل التي تواجه المستعربين الذين يدرسون التعليم باللغة الفرنسية.
غير أن مشاكل أخرى تواجه الطلاب حيث يؤكد الطالب أحمد أنهم لم يفهموا المنهج التربوي المتبع، ولا الطريقة التي يتم بها حساب المعدل، ولم يحصلوا على بطاقات طالب ولا إفادات نجاح. منتقدا “التداخل بين تخصصات الاساتذة”. وكذلك رسوم التسجيل التي بدأ تطبيقها هذه السنة وتبلغ 84 الف أوقية.
ويجمع الطلاب على أن لديهم طموحا مشتركا، وهو الحصول على تعليم نموذجي، وتكوين متميز، و العمل بما يخدم بلدهم ويوفر لهم مستقبلا علميا وعمليا محترما. ويجمعون كذلك على جودة الخدمات التي يقدمها المعهد، من خلال المطعم والاقامة للطلاب والطالبات (بشكل منفصل) وكذلك خدمات توفير الانترنت السلكي واللاسلكي و قاعة رياضية وملعب ومساحات خضراء للراحة.
الدكتور محمد فاضل مسؤول شؤون الطلاب والتدريس والأستاذ القادم بعد عقد من الزمن قضاه أستاذا في تونس، قال إن نظام التقويم في ISET معمتد في جامعات تونسية وفرنسية، ويرفع من قيمة الشهادة، وجودة التكوين.
و ويؤكد محمد فاضل، إلى أن النظام يقسم متطلبات النجاح للطلاب في الامتحان إلى 35% للانتباه والملاحظة، و15 % لمن لا يستطيعون الفهم السريع وتطوير أفكارهم، و20 % للقراءة، و 20 % للفهم، والنسبة المتبقية للحضور والمثابرة والمشاركة.
مشيرا إلى أن 50 طالبا الذين طردوا تم اسعافهم 4 مرات قبل طردهم، و أن الطلاب يقيمون في “سكن 5 نجوم وفي ظروف ممتازة“.
في الحلقات المقبلة، نتناول خصوصيات المعهد، وكيفية عمل أقسامه و وحداته الانتاجية ـ الصناعية، ومزارعه النموذجية، والبرامج التطبيقية التي تسعى للحفاظ على البيئة ودعم الجهود الذاتية المحلية في مجالات البحث والصناعة.