السفير محمد فال ولد بلال
منذ تسعينيات القرن الماضي والعالم -كما يقول د.إبراهيم عرفات في حديثه عن عصر الخلخلة- يسير على عكس ما كان متوقعا له . “كان الظن أن سقوط الثنائية القطبية وإزالة الحواجز بين الدول والشعوب وانطلاق عجلة العولمة سيفتح الآفاق أمام الناس ليفكروا في أنفسهم كمواطنين عالميين. وكان الظن أن الانتماءات والولاءات والهويات الضيقة ستزول ليحل محلّها “الإنسان الراقي” أو “المتعولم” أو “الأخير” حسب تعبير افرنسيس فوكوياما…ولكن لم يظهر ذلك “الإنسان الأخير”…لم يظهر ذلك المواطن العالمي المتجاوز لذاته الوطنية الذي ينسى أنه مصري أو غيني أو روسي أو ماليزي…ويحتضن العالم بأسره. وإنما بدأت الهويّات الصغيرة تنشط وتصخب داخل الدولة الوطنية. وظهر على النقيض إنسان صغير طائفي وقبلي وعشائري مستغرق في الجماعة الأولية التي نشأ فيها وانتمى إليها. وذلك ما أنعش ساحة الفئات والشرائح والطوائف والأعراق في جميع أنحاء العالم.” (انتهى الاستشهاد وبتصرف).
ولم تكن موريتانيا استثناء. كنا نتوقع أن رفع العلم الوطني وتحية النشيد وبناء مؤسسات الدولة من رئيس وحكومة وبرلمان وإدارة وجيش ومدارس وإذاعة وتلفزيون وصك عملة وطنية وتأميم شركات أجنبية وبناء طرق ومواصلات تربط أنحاء الوطن ببعضها البعض…ستفتح الآفاق أمامنا لنفكر في أنفسنا كمواطنين موريتانيين. ولكن لم يظهر ذلك المواطن الموريتاني المتجاوز لذاته الخاصة الذي ينسى فئته وشريحته وعشيرته…ويحتضن الوطن بأسره. بل على العكس بدأ صوت الفئوية والشرائحية وضجيج الخصوصيات يتصاعد من كل جهة ومكان. ظهر الفرد البيظاني, والكوري, والشمالي , والجنوبي, وأخوك الحرطاني, وأخوك الصّانع, إلخ…بعضنا يستنكر هذا الأمر, وبعضنا يستغربه . وأغلبيّة منّا تدينه, وأقلية تحييه.
وفي جميع الأحوال , يبقى تصاعد الو لاءات البدائية الضيقة واقعا مريرا وحقيقة مؤلمة تفرض نفسها على الكل, بفعل العولمة وعاصفة التحديث والتفكيك العشوائية التي ما فتئت تضرب البلاد وتتضاعف أضرارها يوما بعد يوم مع انهيار التوازنات والأنظمة والقيّم والمفاهيم والأدبيّاب والأخلاق. عاصفة تحديث ومحاولة “تدوّل” عشوائية غير محسوبة وخارجة عن السيطرة قوّضت مؤسسات المجتمع التقليدي المستقر منذ قرون. أطاحت بالقبيلة وما كانت تمثله من إطار جامع وما كانت تقوم به من تكافل اجتماعي وثيق. أطاحت بالتعليم الإسلامي التقليدي وما كانت “توفرّه المحاظر” من تربيّة زكيّة وهدي وتوجيه سامي. أطاحت بالنظام القضائي العادل والنزيه . أضعفت كل المرجعّيات القانونية والعرفية والأخلاقية والقيمية…ونصبت في الوقت ذاته كل العراقيل والحواجز في وجه بناء “الدولة-الوطن” (l’Etat-Nation) مخلّفة مجتمعا “تائها”- كما يقول الأخ عبد القادر ولد الصيّام- يضطر فيه المرء إلى العودة إلى ذاته الأدنى وفئته وشريحته لحماية نفسه أو كسب حقوقه.
حتمية الانتباه إلى لغة العصر ومقتضياته…وشد أحزمة النجاة.
إن واقع التفاعلات والتغيرات المذهلة التي يشهدها العالم وتأثيراتها السريعة في مجتمعنا وبلادنا يصدق القول بحتمية ظهور حركات وتيارات تنادي بحقوق ومصالح الفئات والأقليات. وكما يقول د. إبراهيم في المرجع المشار إليه أعلاه : ” إنها لغة العصر التي لم نشأ–نحن- أن نتكلم بها أو نقبل بها . لم نشأ لفترة طويلة أن نتكلم عن الفئات الاجتماعية والأعراق. اعتبرناها من المحظورات التي يتعرض من يقترب منها إلى اللوم والتوبيخ بل أحيانا إلى التنكيل”. كنا نقول إن كل شيء على ما يرام, وأن الناس ليسوا فئات أو شرائح أو مناطق أو مصالح, وإنما كل واحد متـّحد متكامل ومتحاب, لا يتجزأ. ثم فجأة لم يعد بإمكاننا تجاهل الواقع الفسيفسائي الذي فرض نفسه, فبدأنا نتعامل مع التعددية بازدواجية غريبة بين مواقف العلن ومواقف الخفاء… في العلن نحن شعب واحد لا يتجزأ. لا بيظاني ولا حرطاني ولا كوري…أما في الخفاء فنحن بيظان, واحراطين , واكور, ومناطق, وقبائل شتى… ولا يمر يوم أو يصدر قرار إلاّ وهذه التركيبة حاضرة في الأذهان ومأخوذة في الاعتبار . لماذا لا نتعامل مع أنفسنا بواقعية وشفافية وصدق وأمانة ؟ لماذا نعلن غير ما نخفي, ونخفي غير ما نعلن ؟ وما الضير في أن نقول بصراحة إن الحراطين فئة عربية كبيرة عاشت معظم حياتها مهمشة ومعزولة عن المجرى الرئيسي للثقافة العامة والتنمية , ما جعلها تشعر بالحرمان وتحس بالغبن الاجتماعي. وقد توافرت لديها اليوم كل المعطيات والظروف الموضوعية لترتفع أصواتها مطالبة بالتنمية والخدمات الأساسية تعبيرا عن تظلمات واحتقانات اعتملت في أعماق صفوفها, وتبلورت في عقول المثقفين من أبنائها. ويعلمّنا التاريخ أن الجماعات المحرومة حين تجد قيادة تنظم صفوفها وترفع شعاراتها وتبلور مطالبها, فإن النتيجة هي الحراك. وهذا بالضبط هو ما يحدث مع “لحراطين” : مجموعة متخلفة وفقيرة, ثم بمرور الوقت انتشر الوعي بتخلفها النسبي, ثم ظهرت نخبة متعلمة زادت من الإدراك والوعي بهذا التخلف. فارتفعت أصواتها تزامنا مع الفضائيات والانترنت ومنابر دولية ومناخ سياسي عالمي مؤاتي لأطروحاتها المتناغمة مع أدبيات العولمة , مثل : العبودية, التمييز العرقي, انتهاك حقوق الإنسان, التهميش , الإقصاء…وما شابه ذلك…وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن كل الحركات المطالبة بحقوق الحراطين ومحاربة الرق, هي حركات مفيدة, أو بنّاءة أو مشروعة, أو عادلة. هناك بالطبع من يصطاد في المياه العكرة. وهناك من يدخل الحلبة من أجل التربح أو من باب المعاندة والإنشقاق أو من باب الوكالة عن قوي خارجية. وهناك حملات تتدثر بلحاف الحرية والمساواة فقط لإمتهان مشاعر الناس ومهاجمة رموزهم وتسفيه شعائرهم واحتقار معتقداتهم…كم كلمة حق يراد بها باطل ؟ ولذا , هناك محاذير يتعيّن الانتباه إليها في طرح الموضوع وتناوله كي لا نخطئ في تقييم المسألة أومقاربة الإشكالية, بما يجعلنا نعالج منكرا فنتورط في منكر أشد منه وأعظم. وهنا يكمن دور النخبة الواعية التي يمكنها تطويق الحركات المطلبية وتأطيرها وترويضها وتهذيبها ودرء مخاطرها وشرورها عن الوحدة الوطنية, حتى لا تتطور إلى احتجاجات وسخط وكراهية… لكن كيف ذلك ؟
رأي من سبع نقاط في تناول موضوع لحراطين
وضرورة “الوحدة الوطنية“
في ضوء ما سبق ذكره, فإنني أرى النقاط التالية مدخلا ممكنا لمناقشة الموضوع سبيلا إلى معالجة التشوهات التي تصيبنا في الهوية والوجدان بفعل العولمة وعواصف التحديث العشوائي التي تهزّ ركائز الإجماع الوطني محدثة “شتاتا سياسيا” يخشى من أن يزرع بذور التفكك والفرقة.
1- الاعتراف بالمظالم التنموية والخدمية التي صنعها التاريخ ومواصلة العمل على تجاوزها وانتشال هذه الشريحة المهمة من الفقر والهشاشة والإقصاء. أقول مواصلة العمل لأن العمل قد بدأ بالفعل من خلال محاربة الأمية, وفتح المدارس, وبناء المراكز الصحية, وشق الطرقات لفك العزلة , واستيعاب الأحياء العشوائية, وبرامج محاربة الفقر, وإذكاء روح المشاركة في الشأن العام…المطلوب الآن هو مواصلة الجهود بحزم وعزم عبر مبادرات مبتكرة وسياسات تفضيلية لتوفير الخدمات الأساسية لسكان “أدوابه” و النهوض بشريحة “لحراطين” أينما كانوا وغيرهم من الفقراء علما بأن أحوال شعبنا متقاربة جدّا في الأرياف والحواضر وضواحي المدن بغض النظر عن الفئة أو الشريحة أو العرق. وقد تكون الأولوية مطلوبة للتعليم التقنى والمهنى والتدريب لتأهيل أكبر قدر ممكن من العاطلين للحصول على عمل مشرّف.
2 – الاعتراف بوجود استعلاء ثقافي وعرقي ظللنا –العامة النخبة- نمارسه وشكل عنوانا بارزا في مفردات الخطاب والسلوك الاجتماعي. رغم الخطوات العظيمة التي قطعناها على صعيد الحريات العامة والخاصة, وفتح باب المشاركة للجميع , وتقليل الفوارق واللاّمساواة , واحترام كل الناس. فإننا مطالبون بالمزيد من الانصهار والاندماج في بعضنا البعض. وبهذا المعنى, يتعيّن على “الحراطين بالذات فعل الشيء الكثير وخاصة التحرر من ذلك الإحساس الزائد بالاضطهاد والإقصاء الذي سكنهم لعقود طويلة, ليحلّ محلّه إحساس إيجابي أعمق بالمشاركة والمسؤولية. إنهم اليوم باتوا قوة وطنية كبرى تحظى برئاسة مؤسسات دستورية هامة , وتفوز بمئات المقاعد في البلديات والبرلمان, وتقود وزارات ونقابات واتحادات وهيئات مدنية. وهذا ما يتطلب منهم الارتفاع إلى مستوى المسؤولية عن الوطن ككل ويدعوهم إلى العمل على إعادة بناء المصالحة والموافقة والإجماع في بلدهم …ألم يروا أن جزءا كبيرا من المجتمع الموريتاني بمختلف فئاته وأعراقه وقف صفا واحدا خلف الرئيس مسعود في الرئاسيات الأخيرة ؟ أو لم يروا كيف صفقت له أيدي البيظان, وكيف زغردوا له, وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ؟ أولم يروا أن مجلس الوزراء بمختلف مكوّناته كان يأتمر بأوامر الأستاذ اصغير ولد امبارك ؟ تلك الخطوات والإنجازات الثمينة ما كانت لتتحقق لو استمر كل من الرجلين ينظر إلى نفسه بوصفه زعيم فئة أو طائفة. ما كان صعودهما – وهو مستحق عن جدارة- ليتحقق لولا ارتفاعهما إلى مستوى تمثيل الشعب كافة عبر الانخراط والنضال في أحزاب وطنية جامعة لكل ألوان الطيف الاجتماعي .
3 – وضع ميثاق إعلامي يحرّم ويجرّم التعابير والمفردات والإيماءات والإيحاءات العنصرية ومفردات تحقير الآخر المختلف, وتنقية المناهج التعليمية من ذلك كله على أن يتضمن البرنامج المدرسي في جل مستوياته مادة عن مساوئ ومضار العبودية والعنصرية وأسبابها وأشكالها ودواعيها مع غرس قيم الأخوة والتضامن. وكذا برامج وأنشطة الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية ووسائل الإعلام المعنية أكثر من غيرها بتعليم الناس حول حقوق الفرد وواجباته وحثه على الدفاع عن حقه. وفي هذا السياق , ينبغي تشجيع علاقات الودّ والإخاء والدعم والتكافل والتضامن التي آلت إليها فى الغالب رابطة البيظان بالأرقاء السابقين اعتبارا لحاجة كل منها فى أخيه, وبدأ المجتمع ينتظم عليها ويعيد بناء نفسه.
كما ينبغي مع احترام التنوع والتعدد الفئوي والعرقي ورفض الدخول في القضايا التي تمزقّ الأواصر وتعمق التناقضات , والسعي إلى تجنب التجريح والغوغائية, والحرص دائما على تحليل الواقع ضمن سياق وطني بعيدا عن التطرف والغلو . وفي هذا الصدد ينبغي الانتباه إلى أن ليس كل جهر بالرأي شجاعة أو جرأة وإلى أن العمل الديمقراطي غير الخروج عن القانون والتمرد , بل لا يستقيم إلاّ بالحكمة والتدرج والاعتدال , وطبيعته التواقة إلى الانسجام والتراضي ترفض الشغب والعنف.
4 – القيام بنهضة أخلاقية جديدة تستلهم رؤاها من الدين الحنيف وموروثنا الثقافي المجيد ومقتضيات العصر. إنني لا أرى أي إمكان لنهضة سياسية واقتصادية واجتماعية قادمة إلاّ إذا ترافقت مع ثورة خلقية تفضي إلى تعامل أخلاقي رفيع مع المشاكل المطروحة. تارة أقول في نفسي ماذا لو كانت مشاكلنا السياسية الجمّة, هي في حقيقتها مشكلة أدب وأخلاق ؟ لا شك أننّا بحاجة ملحّة إلى وقفة جادّة عند الأخلاق العامّة والخاصة. ولن يستقيم مسارنا في الحياة ويكتب لنا البقاء ما لم يكن مجتمعنا أكثر صرامة في نظام أخلاقه وضوابط سلوكه, غيورا على كرامة فرده. يقول الشاعر :
“إنما الأمم الأخلاق ما بقيـت : فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا“.
ويقول آخر :
“وإذا أصيب القوم في أخلاقهم : فأقم عليهم مأتما وعويــلا“.
وفي هذا المقام, علينا أن نحيّي ونمجّد دور العلاّمة والدّاعية الجليل محمد ولد سيدي يحي. لقد ساهم بدروسه وبرامجه الدعوية في تزكية القلوب وتهذيب الناس وغرس قيّم الأخوّة والتسامح وحبّ الآخر المختلف. استطاع بعلمه وحكمته وتواضعه وإخلاصه وصدقه وزهده أن يصل إلى عقول الجماهير وينشر الوعي الديني والمدني السلمي محققا بمفرده ما عجزت عنه كل الأحزاب والمنظمات والسلطات مجتمعة…يا ليته يعود!!!
5- تطبيق القانون على الجميع هو الحل الحقيقي لمشاكلنا. لقد قلت آنفا إننّا حققنا بالفعل تقدما ملموسا وقطعنا أشواطا هامة في محاربة الفقر والتهميش بسن قوانين هنا, وإقامة مشروعات هناك, ورسم تعيينات سامية…ولكن الإنجازات – رغم عظمتها- ربّما ينظر إليها كمجرّد مسكّنات أو إخماد مؤقت للمشاكل. الحل الدائم يكمن في إرساء أسس جديدة للتنمية الشاملة والعدالة في كل شيء : في توزيع الفرص وفي الخدمات والتنمية وفي الثروة وفي السلطة واحترام حقوق الإنسان. ما عدا ذلك سوف نستمر ندور في الحلقة المفرغة , ودوّامة لا تنقطع من الاضطراب… ما تخمد جذوة “حركة حر” إلاّ وتظهر “حركة حر” أخرى ترفع شعار محاربة الرق, بمناسبة وبدون مناسبة. تنكمش كلمّا وجدت المواجهة مع السلطة صعبة أو مستحيلة وتتمدّد كلّما وجدت الفرصة سانحة…مرّة أخرى, الحلّ هو تطبيق القانون, لا غير, وخاصة القوانين المنظمة للخدمات المنزلية, والرعوية, والفلاحيّة, والقوانين العقاريّة, الخ… على سبيل المثال, ينبغي فتح مراكز لاكتتاب العمالة (سائق, عامل منزلي, فرّاش , راعي, حارس,…الخ) في كل حي من أحياء المدن وفي القرى والتجمعات من أجل تنظيم سوق العمل وإخضاعه لترتيبات إدارية وقانونية بغية إنهاء الجدل القديم-الجديد حول الاستعباد…لو أن بنتي “عرفات” كانتا تعملان بموجب عقد موثق لما حصل ما حصل من جدال وتشكيك. أدري مع ذلك أننا أهل بادية لا تهمنا الكتابة ولا التوثيق ولا التدوين, ولكن ينبغي التأقلم والتكيّف مع معطيات العصر.
6- الحفاظ على النسيج الوطني الواحد في تعدديته وتنوعه ينبغي أن يظل الشغل الشاغل لكل من يهمه أمر البلاد. معلوم أن الأوضاع صعبة, وأن الفوارق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية موجودة وإن كانت بقدر نسبي لا ينبغي تضخيمه ولا تهويله, إلاّ أن معالجة الأوضاع تحتاج إلى رؤية استراتيجية وسياسات طويلة الأمد. لا سبيل إلى تجاوز الفوارق والعقبات والمعوقات بمجرد الكلام, أو بجرة قلم, أو بمظاهرات هنا, وشغب هناك. كما أن تأجيج نار الفتنة لن يقدم بشيء ولن يفيد. كل إنسان في هذا البلد له حقوقه وكرامته التي تعد صيانتها من أوجب الواجبات ليس لأنه حرطاني, أو كوري, أو بيظاني ولكن لأنه مواطن. هذا هو الهدف المنشود. ولن نصل إليه إلاّ بالوحدة والتضامن وتطبيق القانون ومعاقبة كل جريمة أو مخالفة بحجمها الحقيقي دون تهوين أو تهويل. الاسترقاق منكر وجريمة. والفتنة أشد من القتل , والشغب مدان, والتحريض على العنف والكراهية يستوجب العقاب.
7- وفي الختام, أقول إننّا مجتمع واحد من جهة , ومتعددّ من جهة أخرى. دعونا نعطي للوحدة حقها, وللتعددية حقها. لا مجال أبدا لتجاهل الاختلاف وعدم الاعتراف بالتعددية والفوارق الاجتماعية. ولكن لا سبيل أيضا لتمزيق الوحدة وتخريب الهوية الرئيسية الجامعة . وبخصوص الوحدة, علينا أن نفكّر ونبتكر ونقر إجراءات ومبادرات من شأنها زرع المحبّة وتعزيز الأخوة بين الناس. على سبيل المثال : إطلاق العنان للعمل الدعوي المستنير على غرار ما قام به الشيخ محمد ولد سيدي يحي في السنوات الماضية والذي أعطى نتائج بالغة الأهميّة. أو التفكير مثلا في توحيد الزيّ المدرسي للطلاب والتلاميذ للحدّ من الفوارق الماديّة وتعزيز الأخوة والانضباط, وتخفيف العبء المالي على الأسر المحتاجة والتي غالبا ما يكون لديها أكثر من تلميذ. وفي نفس الاتجاه يمكن مثلا اعتماد الاسم الثلاثي على نحو يجمع بين الفرد وجماعته (فلان الكنتي, أو العلوي, أو الديماني…) أو مسقط رأسه وموطنه (فلان الفوتي, أو الولاتي, أو الشنقيطي…) وعدم تقزيم الفرد بنسبه لأبيه وجدّه فقط , بلا جماعة ولا موطن مثل ما هو جاري الآن . تخيّل مثلا ماذا لو صيغت الأسماء على النحو التالي : إبراهيم مختار صار الفوتي , مسعود ولد بولخير اليعقوبي – اصغير ولد امبارك الغلاّوي – تربه منت عمار الجكنية- بيرام ولد اعبيد الأبييري- بيجل ولد هميد التندغي – كمارا علي جلاديو الدّافوعي, إلخ… أليس في هذه الأسماء ما يعزز وشائج القربي والإخاء بين المرء وأبناء عمومته وجماعته وذويه ؟.
آخر القول : عند الشدائد تخبو الأحقاد, إذا ما أحسنا قراءة الواقع الدولي والإقليمي والمحلّي بعيدا عن أهوام السياسة وزيف الشعارات سندرك أننا ننتمي إلى وطن مهما بلغت به التعاسة فهو موجود. “فلماذا نضيّعه” ؟ كما يقول الكاتب السوداني الكبير الطيب صالح رحمه الله.
تنويه:هذ المقال استفاد كثيرا من د.ابراهيم عرفات
فى :كلام عن زمن قادم
محمد فال ولد بلاّل
والله ولي التوفيق