لست ادري بما ابدأ هذه المداخلة، أأبدؤها بما يجب ان يكون عليه قطاع العدالة عندنا من تطورات وإصلاحات، حيث بات إلي عهد قريب في أمس الحاجة إلي الإصلاح والتعيير؟
أم أبدؤها بردود تقليدية لن تفيد أو تغير من جعل الله علي قلبه اكنة من أن يفقه أو يعي ما للموضوعية وهضم الذات من مميزات حضارية وقيم مدنية، عدنا في اشد الحاجة إلي اقتنائها والتحلي بها كممارسات يومية، وهل يملك النهر تغييرا لمجراه؟
لا بذالك أبدأ، ولا بهذا اهتم فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، إنما الحقيقة أني أردت إبداء بعض الملاحظات تبيانا للحقيقة كما أراها، ليس إلا دون أي تأثير أو تأثر، إن المقارنة بين العهدين عقيمة ولن تكون إلا ضربا من العبث والتسلية فهي لا أساس لها من أي بعد كان، ففي هذا العهد يجمع الكثير من الناس علي أن الدولة اليوم تعيش مرحلة إعادة تأسيس علي كافة المستويات سواء المتعلقة بالبني التحتية أو بالمشاريع التنموية العملاقة أو بإعادة هياكل معظم القطاعات بغية حمل القائمين عليها علي مواكبة الإصلاح والتغيير، أو بتغيير العقليات وحمل المواطنين علي التأقلم ومسايرة الركب بواقعية وصراحة. لم يكن قطاع العدالة بمناي عن هذه الرؤية، فما يراد له من هذا المنطلق أن تعم العدالة وتوزع بين الناس فيأخذ كل ذي حق حقه ويطمئن المستثمرون والشركاء، الأمر الذي لن يتاتي قبل أن نكون علي المستوي المطلوب مدنيا وعلميا بحيث نعكس أينما حللنا الصفات الحميدة والعلم الغزير والقيم الحضارية السامية التي استقرت في هذه الربوع منذ غابر الأزمان. فعلي هذا الدرب كان نهج السلف الصالح وعليه يجب أن تظل الأجيال الصاعدة وتعض عليه بالنواجذ. أما غير بعيد في ذالك العهد المستقر في أذهان البعض، فلقد كنا نسير إلي المجهول حقيقة دون أن ندري، بعبارة أخري كنا قاب قوسين أو ادني من الانهيار التام وطمس كل معالم الدولة الموريتانية، وما قطاع العدالة بمنآي عن ذالك أيضا، حتى انزوي بنا الوصف في علاوة نحن كنا آخر من يفكر فيها علي المستوي الإقليمي وعلي كل حال ففي السنغال المجاور تقترب من المليون أوقية، ناهيك عن المغرب وتونس وتعميم هاتف نقال، ربما كان موضوع صفقة مشبوهة، نفس الشيء ينطبق علي كراء المنازل فكانت الدولة تدفع عني للصاحب المنزل مبلغ 45000 في حين تدفع عن آخرين من نفس الرتبة مبلغ 90000 . فالأجدر من كل هذا وذاك إذن العمل والنهوض بهذا القطاع وفق أسس جديدة تتماشي والقدرة علي مواكبة الإصلاح والتغيير. إننا إذا ما أردنا أن نربط أدائنا وفكرنا ومفهوم التقاضي عندنا وننطلق في ذالك من موقع الممارس دائما فلن نستطيع إلي ذالك سبيلا، فالقضاء أسمي وأنبل من أن يكون مسرحا للقيل والقال.
إن الحديث عن استقلالية القضاء في العهود السابقة بالنسبة إلي هذا النظام يبدو غير منصف ولا عادل ففي كل العهود السابقة علي هذا العهد لم يسبق أن أعلن رئيس البلاد صراحة استقلال القضاء قبل رئيس الجمهورية الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز وهذا ما يدل علي العناية الخاصة والمتميزة بهذا القطاع غير أن الأمور لم تعد كما كانت فقط فلا ديماغوجية ولا مجاملة والانطلاقة من الواقع الفعلي والتشخيص السليم. فالتفكير بالحرس الخاص والعلاوات وغير ذالك هو تفكير بمنطق التنابز بالألقاب والوصف غير اللائق والتحاسد، وتلك مفاهيم قد خلت ويجب الابتعاد عنها ومحاربتها فهي ليست إلا تشويشا علي العمل القضائي و دليلا علي الاهتمام أكثر بشق الصفوف والحيلولة دون العمل الجاد بغية تجاوز العقبات والسير مع القافلة، نفس الشيء بالنسبة للمحسوبية فلو أن ما قيل صحيحا لما أحيل للوزارة من يعنيه صاحب المقال قبل السنة أو أكثر.
أما من أسماهم الزميل ،ربما، قضاة الوزارة فهذا مصطلح يراد له الترسيخ ولا أساس له فالحقيقة أن القضاء كل متماسك لا فرق بين الممارس في القصر أو الوزارة، وكما سبقت الإشارة إلي ذالك في غير هذا المقام فليس هناك من انتزعت منهم الثقة فقول ذالك غير صحيح ويأتي وفق عمل ممنهج لقلب الحقائق ومغالطة الناس، فلم تنتزع الثقة من أحد ولم يعزل أيا كان، فما حدث مؤخرا إجراء إداري ليست هذه هي المرة الأولي التي سيحدث فيها ولن تكون الأخيرة، القائمون علي القطاع وحدهم ادري بخلفياته وتبعاته، كغيره من الإجراءات التي اتخذت في هذا البلد وظن الكثيرون بل ويتمنون ظلمها وعكسها لحاجة في نفس يعقوب الله وحده اعلم بها.
ان المغالطات عن طريق السعي إلي طمس الحقيقة مفاهيم لم تعد سليمة فالهدف يجب أن يكون أولا وأخيرا لكل نظام هو تقريب العدل للمواطن البسيط والحرص علي تأطيره حتي تتولد عنده القدرة علي تمييز الصالح من الطالح وفرض المفاهيم السليمة والقيم الفاضلة من خلال محاربة الرشوة والفساد وفرض السيادة وإعادة المصداقية والسيطرة علي منابع التشويش بحكمة ورزانة، والحق يقال: لاعدالة في المقارنة بين العهدين.
الشيخ محمد