عندما كان الحكم الإسباني يرفع البطاقة الحمراء في وجه نجم الكرة البرتغالية كريستيانو رونالدو، في اللحظات الأخيرة من المباراة، نزل شابان من على متن دراجة نارية أمام مطعم “عزيز إسطنبول” بواغادوغو، ليُغرقا المكان في اللون الأحمر ويغادراه جثتان هامدتان، ما تزال السلطات تخفي هوية صاحبيها.
الشهود العيان قالا إنهما كان يرتديان سروالان من الجينز الأمريكي، وقمصاناً صيفية خفيفة، ويتحركان بسرعة كبيرة مع إطلاق الرصاص بشكل عشوائي في جميع أنحاء المطعم، كان من الواضح أنهما يريدان إيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا، هكذا علقت إحدى السيدات كانت داخل المطعم للاحتفال بعيد ميلادها رفقة شقيقها، تضيف السيدة بعد أن تمكنت من الفرار أثناء الهجوم: “أخي ما يزال في الداخل”.
تسلل الشابان إلى البناية التي يقع فيها المطعم، فيما فرضت الشرطة طوقاً أمنياً على المكان، في انتظار وصول الجيش والقوات الخاصة، ليبدأ بعد ذلك “الهجوم المضاد” من أجل القضاء على المهاجميْن وتحرير أي رهائن محتملين، فقد أصبحت القوات الخاصة في بوركينافاسو، وعدد من دول الساحل الأفريقي الأخرى، تملك خبرة في التعامل مع هذا النوع من الأوضاع، بسبب هجمات مماثلة شنها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في باماكو وأبيدجان، وحتى في واغادوغو نفسها.
ألفا باري وزير خارجية بوركينا فاسو، أعلن أن الحصيلة النهائية تشير إلى سقوط 18 قتيلاً في الهجوم، بالإضافة إلى منفذي الهجوم، وأوضح أن “من بين 15 جثمانا التي تم التعرف على هوياتها 7 مواطنين من بوركينافاسو، و8 أجانب من بينهم فرنسي، وسنغالي، ونيجيري، وكويتيان، ولبناني، وتركي، إضافة إلى مواطنة كندية”.
من جهتها قالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند إن هناك كنديين من بين القتلى، كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إن مواطنا فرنسيا قتل أيضاً في الهجوم.
وأعلنت وزارة الداخلية اللبنانية أن ثلاثة لبنانيين قتلوا في الهجوم أحدهم يحمل كذلك الجنسية الكندية، فيما لا يزال ثلاثة من الضحايا لم يتم التعرف بعد على هوياتهم.
أما بالنسبة لمنفذي الهجوم فقد قال وزير الخارجية البوركيني: “لم يتم التعرف على جنسياتهم، ولم يعثر على أية وثيقة حتى الآن تميزهم”، مشيراً إلى أن السلطات فتحت تحقيقاً في الهجوم، وعينت قاضياً لذلك، كما زارت فرقة من الشرطة العلمية مكان الهجوم.
Contre le terrorisme, soutien total au peuple burkinabé et à mon frère le Président @rochkaborepf #ouagadougou —MS
— Macky SALL (@Macky_Sall) 14 août 2017
تنديد دولي
الهجوم الذي تعرضت له واغادوغو، أثار موجة تعاطف دولي واسع، فقد أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالا هاتفيا مع رئيس بوركينا فاسو روش مارك كابوري، عبر فيه عن تضامن فرنسا مع بلاده، ودعمها في مواجهة ما سماه “الإرهاب”.
كما نددت وزارة الخارجية الروسية بالهجوم “الإرهابي”، وقالت إنه ليس من بين الضحايا أي مواطنين روس، ولكنها قالت: “ندين بشدة هذا الهجوم الدامي الذي استهدف المدنيين”، كما أكد دعمها لحكومة بوركينا فاسو في كفاحها الدؤوب ضد التطرف والإرهاب، وفق نص البيان.
وفي شبه المنطقة وجه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز برقية تعزية إلى رئيس بوركينافاسو وصف فيها الهجوم بأنه “إرهابي” و”مدان”، و”راح ضحيته العديد من القتلى والجرحى الأبرياء”، مؤكداً تضامن الشعب الموريتاني مع بوركينافاسو.
العاهل المغربي الملك محمد السادس وصف الهجوم بأنه “إرهابي آثم”، وأكد في برقية موجهة إلى رئيس بوركينافاسو: “التضامن والدعم المطلق”، وقال: “بهذه المناسبة الأليمة، أعرب لكم، باسم الشعب المغربي وباسمي الخاص، عن أحر تعازينا، راجيا منكم أن تبلغوا عائلات الضحايا وكافة الشعب البوركينابي الشقيق عبارات تعاطفنا العميق، ومتمنياتنا للمصابين بالشفاء العاجل”.
أما الجزائر فقد وصفت ما جرى بأنه “اعتداء إرهابي”، ودعت المجتمع الدولي إلى “مضاعفة” الجهود للقضاء على ظاهرة الإرهاب، وقال الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية: “ندين بشدة هذا الاعتداء الإرهابي الدموي الذي ارتكب ضد أبرياء بمطعم بواغادوغو ونعرب عن تضامننا مع بوركينا فاسو شعبا وحكومة ومع عائلات ضحايا هذا العمل الشنيع”.
Solidarité avec le peuple et les autorités du Burkina Faso, @rochkaborepf.
Ensemble, la France reste engagée contre le terrorisme. #G5Sahel
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) 14 août 2017
Hier soir le terrorisme a frappé Ouagadougou. Condoléances à toutes les victimes. La France continuera à se tenir aux côtés du Burkina Faso. pic.twitter.com/BqqEml0gFl
— Jean-Yves Le Drian (@JY_LeDrian) 14 août 2017
القوة المشتركة
الرئيس الفرنسي في اتصاله الهاتفي مع رئيس بوركينافاسو استغل الفرصة للحديث عن القوة العسكرية المشتركة التي تسعى دول الساحل الخمس لتشكيلها من أجل مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.
وجاء في بيان صادر عن قصر الإليزيه أن ماكرون أكد التزام فرنسا بالعمل مع دول المنطقة في الحرب على الجماعات الإرهابية، في إشارة إلى مجموعة دول الساحل الخمس.
وقال مكتب ماكرون إنه ناقش مع رئيس بوركينا فاسو الوضع الحالي والدور المحتمل لقوة عسكرية جديدة متعدد الجنسيات تهدف لمواجهة التنظيمات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل في أفريقيا، واتفق الرئيسان على “ضرورة” الإسراع بتشكيل القوة الجديدة متعددة الجنسيات.
وأضاف البيان أن الرئيسان “سيتواصلان معا مجددا خلال الأيام المقبلة، ومع رؤساء دول آخرين في المنطقة بشأن التقدم الذي جرى إحرازه” في هذا الصدد.
ولكن فرنسا التي تمتلك قاعدة عسكرية وتنشر عدداً من قواتها في واغادوغو، طلبت من رعاياها في المدينة توخي أقصى درجات الحيطة والحذر خلال تنقلاتهم، بل نصحتهم بتجنب المنطقة.
الهجوم الذي استهدف المطعم التركي مساء الأحد، يعيد إلى الأذهان الهجوم الذي تعرض له مطعم “كباتشينو” وفندق “سبلانديد” في واغادوغو شهر يناير من العام الماضي (2016)، والذي أسفر عن سقوط 30 قتيلاً من ضمنهم غربيون، وأعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مسؤوليته عنه.
كما يشبه في بصماته هجمات مماثلة استهدفت فندق “راديسون بلو” في العاصمة المالية باماكو، ومنتجع “بسام الكبير” في مدينة أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار.
ولكن آخر هجوم من هذا النوع هو ذلك الذي شنه تحالف “نصرة الإسلام والمسلمين” شهر يونيو الماضي ضد منتجع سياحي بالقرب من العاصمة المالية، يرتاده بشكل شبه دائم رعايا غربيون، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص.
ومنذ أن تدخلت فرنسا، مدعومة من دول غربية وأفريقية، في شمال مالي عام 2013، بدأت الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شن هجمات ضد المصالح الأوروبية والرعايا الغربيين في شبه المنطقة، وخاصة في الدول الأفريقية التي أرسلت جنوداً إلى شمال مالي.
وتتركز هجمات القاعدة في المطاعم والفنادق الراقية التي يرتادها الرعايا الغربيون، وعادة ما ينفذ الهجوم من طرف انتحاريين يقاومان الجيش وقوات الأمن حتى يقتلا.