سكان “آفطوط” ينتظرون مستقبلا يتوفر فيه الماء والغذاء والدواء
باركيول ـ محمد ولد بدين
إلى حيث يشرب آفطوط الشرقي صمت طبيعة هادئة..وحيث تمتزج الصحراء مع مرتفع لعصابه الصخري، تستقر مدينة باركيول المقاطعة الأكبر والأكثر كثافة سكانية في ما بات يعرف بـ”مثلث الفقر”….هادئة ساكنة؛ فلا جديد يحكيه ساكنة المدينة غير توقع باستطاعة سيارة “بدي” عبور المناطق المغمورة بالمياه منذ خريف 2010.
لا حديث إلا عن الذهاب والإياب ؛ فالطريق إلى إحدى بلديات المدينة ذات الثمانين ألف ساكن أشبه برحلة الألف ميل، إنها 75 كيلومترا فقط، لكن في آفطوط..لا حاجة لجملة أكثر وضوحا لتعرف أن للكيلومتر الواحد على هضاب لعصابه الصخرية وحدة قياس مختلفة عند السائقين.
للطريق عند أغلب سكان آفطوط البسطاء معنى يختلف كثيرا عما هو لدى السياسيين، فقد أثار مشروع طريق باركيول جدالا ساخنا بين سياسيي المنطقة بين مصر على أن يمر الطريق بالبلديات المنتشرة على طريق باركيول القديمة والمارة من “بولحراث” وغيرها، وحريص على أن تبدأ الطريق من مقاطعة “الغايره” ، إلى أن دشن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في العشرين من نوفمبر الماضي طريق باركيول، المثير للجدل، من الغايره حامية الثغر الشمالي لهضبة لعصابة الجبلية.
لا معنى لامتداد الأديم مساحة الأفق إلى عندما “تهبط” قاصدا سفوح آفطوط الشرقي ذو الثمانين ألف نسمة، أو بالأحرى الخمسين ألف ناخب، فعندها تبدأ حصيات آفطوط في سرد الحكاية منذ أول بطاقة، فللسياسة هنا حكاية هي الأخرى، حكاية تبدأ من منعرجات “هياد” الغامرة أيام الكلأ ، ولا تنتهي إلا أمام “دار الكتاب”.
إن كان للتشبث بالحياة معنى عند من خبروا حلوها فللزهد فيها عند من أذاقتهم الأمرين معان عدة، ببساطة .. لن تبصر من معان الحياة وأنت تمخر غبار رباعية الدفع إلا ما تركته أخرى مرت من هنا .. مرت دون أن تترك للمكان تذكارا واحدا ينبئ الضيف أن لا عقيقة لمن سكن الفلاة !.
منذ الكيلومتر الأول تبدأ وعورة المسالك وتشعبها في تدريب المسافر للمرة الأولى وتهيأته لما هو قادم، فقد اعتاد سالكوا هذا الطريق على أن تحملهم سياراتهم حينا ويحملوها أحيانا أخرى وبالذات عندما تبدأ الطريق في الإنخفاض نحو “هياد” المنطقة المغمورة أغلب أوقاتها بالمياه . لساعتين في أسرع الأوقات يمر العابرون بمختلف تضاريس موريتانيا من هضاب وسهول وكثبان .. وحدها آفطوط في بضع عشرات من الكيلومترات تختصر موريتانيا .
يثير الحديث في السياسة بباركيول من الحساسيات والمشكلات أكثر مما حل من معضل ثمان بلديات تمضي أزيد على الشهر أحيانا دون أن يصل مسافر واحد من إحداها إلى الأخرى، بل حتى في “المدينة” ذاتها يوشك نصفها أن يهلك عطشا إن أثقلت زخة مطر عابرة الوادي الذي يقسمها إلى كبدين منشطرين.
“لن تصدق أن سياسيي هذا المثلث هم المحنكون المفوهون والصحب الأقربون لسدنة الأنظمة، بل هم أحيانا منظروها .. ينظرون بعين الضيف لحالنا، برعوا في التنابز بالألقاب، في التجميع والتعبئة ليوم البطاقة الداكنة .. لكنهم لم يعوا يوما حمرة آفطوط !..” يردد بدي سائق رباعية الدفع هذه الكلمات. ويعود لمواصلة استماعه لحديث أحد الركاب عن آخر مباراة من لعبة “الطالبات” في قرية “السنهوري” (7 كلم من مقاطعة باركيول).
ينظر المواطن إلى طريق باركيول بكثير من الأمل ، فأمل أن يصبح لمقاطعة بها ما يقارب 3 % من عامة فقراء البلد طريق يصلها بمراكز الماء والغذاء والدواء هو حلم منذ ثلاثين سنة .