إن الإساءة إلى المقدسات الإسلامية وطعن الدين الإسلامي في الصميم بالإساءة إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أرض الإسلام وتحت حكم المسلمين على أرض شنقيط جهارا نهارا وعلى صفحات المواقع الإلكترونية مع أنها جنايةٌ عظيمة في ذاتها، إهانة للمسلمين في هذا القطر الذي لا يعرف غير الإسلام ولم يزل حاملا لاسمه رافعا لرايته وصادعا بصوته عبر التاريخ، وتَحَدٍ سافر لنُظمه الدينية والأخلاقية العريقة منذرٌ بمكر يحاك ضدها لهد أركانها وتقويض بنيتها من الأساس.
فلا مجال لمقارنة هذه الحادثة بناشئة في ديار الحرب تستدرُّ اليُديَّ الشحيحة من أنذال الكفرة بالتهجم على الإسلام.
لا فرق بين أولئك المرتدين والكفار الأصليين بتلك البلاد ما داموا في أكنافهم محتمين بحماهم، ولا مصلحة يرجوها رجال العلم من الاشتغال بحالهم، فسهام النقد المُنْبضة عن قوس الإفتاء في أرض الإسلام لا تصل إليهم، وإنما تزيد سادتهم من كفار تلك الأرض حدبا عليهم ورأفة بهم.
فقد طمع ملك غسان في ولاء كعب بن مالك رضي الله عنه وهو في المدينة لما سمع بإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنه إثر تخلفه عن غزوة تبوك، فأرسل له رسالة يقول فيها “بلغنا أن صاحبك جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نُواسك” قال كعب: فلما قرأتها قلت وهذا من البلاء أيضا قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع فيّ رجل من أهل الشرك! فعمدت بها إلى تنور فسجرتها به.
فإذا كان الكفار يطمعون في ولاء الصحابة رضوان الله عليهم وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لمجرد إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنهم عتابا، فكيف يكون حدب الكفار في هذا الزمن على التائهين المرتمين في أحضانهم إذا علموا بملاحقة أحكام فقهاء الإسلام لهم؟!
ما المصلحة المرجوة من حملات لا ثمرة لها إلا توثيق الصلة وشد الأواصر بين أبناء الوطن المغتربين وسادتهم الحربيين في دار الحرب؟!
وهل ينتظر من علماء شنقيط أن يتنكروا لمذهبهم المعتمد المؤيد بمذاهب أخرى في مسألة كان مذهبهم فيها أرعى لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر حزما وأقوى حسما لمادة التطاول على المقدسات الإسلامية بين ظهرانيهم وبمرأى ومسمع منهم؟!
حيث يكون التضييق على الجاني فيها وعقابه حسب المنهج الفقهي القائم في هذه الأرض منذ دخلها الإسلام رادعا قويا لكل من تسول له نفسه أن يستن بسنته.
لا شك أن الذي يقتضيه منطق العقل وروح الشرع أن يتعامل مع كل قضية بحسب حجمها وعلى قدر ما يُتوقع من مآلاتها.
لست أستغرب توقيع العلماء تحت فتوى حررت قبل ثلاث سنين تشير إلى قبول توبة المسيء في دار الكفر إذا تاب بناء على مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
وتمسكهم بمذهب إمامهم في واقعة الإساءة التي حصلت بعد ذلك من أحد أبنائهم في عقر دارهم.
وذلك لعدة أسباب:
أولاً: أن إساءة المارقين من ربقة الدين وأحضان الوطن لا تشكل تهديدا مباشرا لقداسة الإسلام داخل البلاد، فليس الرشق بالحجارة من بعيد كالطعن بالسكين.
ثانياً: أن الفتوى التي عُرضت على العلماء يومئذ فتوى تتضمن نقولا صحيحة لا يسع من طلب منه التوقيع عليها أن يمتنع من ذلك لمجرد أنها لا تلتزم مذهب إمامه.
ثالثاً: أن حرمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحدة لا تفاوت فيها عندنا وكذا حرمة الملائكة، لكن الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحصر دائرة العدوان في الأمة الإسلامية وتخصها بمزيد من الإساءة دون غيرها من ساكنة الأرض فهي بذلك تحمل رسالة لا تحملها الإساءة إلى غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فإن الإساءة إلى غيره إساءة إلى الأمة الإسلامية وغيرها.
هذا فيما يتعلق بجوانب القضية بشكل عام، أما ما تقتضيه تجربتي الشخصية لمدة طويلة ولله الحمد فهو أن شيخنا اباه بن عبد الله حفظه الله لا يخرج عن صميم المذهب المالكي في مسائل الحلال والحرام فضلا عما يتعلق بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم، وموقفه الثابت من ذلك معروف ولم يزل يعبر عنه نظما ونثرا تعليما وإرشادا وإفتاء على وتيرة واحدة.
لكنه ينبه مع ذلك على أن خطر الإساءة من مسلم في الداخل أشد على الإسلام وعلى الأمة من خطر الإساءة من مرتد في بلاد الكفر، وأن التضييق على من في الداخل حاسم لمادة الإساءة مُشَرِّدٌ لمن خلف المسيء، وأن متابعة المسيء المرتد في بلاد الكفر تزيده حظوة عند من يتقرب إليهم بذلك ولا يرجى منها نفع للإسلام ولا للأمة.
محمد ولد بتار
فلا مجال لمقارنة هذه الحادثة بناشئة في ديار الحرب تستدرُّ اليُديَّ الشحيحة من أنذال الكفرة بالتهجم على الإسلام.
لا فرق بين أولئك المرتدين والكفار الأصليين بتلك البلاد ما داموا في أكنافهم محتمين بحماهم، ولا مصلحة يرجوها رجال العلم من الاشتغال بحالهم، فسهام النقد المُنْبضة عن قوس الإفتاء في أرض الإسلام لا تصل إليهم، وإنما تزيد سادتهم من كفار تلك الأرض حدبا عليهم ورأفة بهم.
فقد طمع ملك غسان في ولاء كعب بن مالك رضي الله عنه وهو في المدينة لما سمع بإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنه إثر تخلفه عن غزوة تبوك، فأرسل له رسالة يقول فيها “بلغنا أن صاحبك جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نُواسك” قال كعب: فلما قرأتها قلت وهذا من البلاء أيضا قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع فيّ رجل من أهل الشرك! فعمدت بها إلى تنور فسجرتها به.
فإذا كان الكفار يطمعون في ولاء الصحابة رضوان الله عليهم وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لمجرد إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنهم عتابا، فكيف يكون حدب الكفار في هذا الزمن على التائهين المرتمين في أحضانهم إذا علموا بملاحقة أحكام فقهاء الإسلام لهم؟!
ما المصلحة المرجوة من حملات لا ثمرة لها إلا توثيق الصلة وشد الأواصر بين أبناء الوطن المغتربين وسادتهم الحربيين في دار الحرب؟!
وهل ينتظر من علماء شنقيط أن يتنكروا لمذهبهم المعتمد المؤيد بمذاهب أخرى في مسألة كان مذهبهم فيها أرعى لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر حزما وأقوى حسما لمادة التطاول على المقدسات الإسلامية بين ظهرانيهم وبمرأى ومسمع منهم؟!
حيث يكون التضييق على الجاني فيها وعقابه حسب المنهج الفقهي القائم في هذه الأرض منذ دخلها الإسلام رادعا قويا لكل من تسول له نفسه أن يستن بسنته.
لا شك أن الذي يقتضيه منطق العقل وروح الشرع أن يتعامل مع كل قضية بحسب حجمها وعلى قدر ما يُتوقع من مآلاتها.
لست أستغرب توقيع العلماء تحت فتوى حررت قبل ثلاث سنين تشير إلى قبول توبة المسيء في دار الكفر إذا تاب بناء على مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
وتمسكهم بمذهب إمامهم في واقعة الإساءة التي حصلت بعد ذلك من أحد أبنائهم في عقر دارهم.
وذلك لعدة أسباب:
أولاً: أن إساءة المارقين من ربقة الدين وأحضان الوطن لا تشكل تهديدا مباشرا لقداسة الإسلام داخل البلاد، فليس الرشق بالحجارة من بعيد كالطعن بالسكين.
ثانياً: أن الفتوى التي عُرضت على العلماء يومئذ فتوى تتضمن نقولا صحيحة لا يسع من طلب منه التوقيع عليها أن يمتنع من ذلك لمجرد أنها لا تلتزم مذهب إمامه.
ثالثاً: أن حرمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحدة لا تفاوت فيها عندنا وكذا حرمة الملائكة، لكن الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحصر دائرة العدوان في الأمة الإسلامية وتخصها بمزيد من الإساءة دون غيرها من ساكنة الأرض فهي بذلك تحمل رسالة لا تحملها الإساءة إلى غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فإن الإساءة إلى غيره إساءة إلى الأمة الإسلامية وغيرها.
هذا فيما يتعلق بجوانب القضية بشكل عام، أما ما تقتضيه تجربتي الشخصية لمدة طويلة ولله الحمد فهو أن شيخنا اباه بن عبد الله حفظه الله لا يخرج عن صميم المذهب المالكي في مسائل الحلال والحرام فضلا عما يتعلق بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم، وموقفه الثابت من ذلك معروف ولم يزل يعبر عنه نظما ونثرا تعليما وإرشادا وإفتاء على وتيرة واحدة.
لكنه ينبه مع ذلك على أن خطر الإساءة من مسلم في الداخل أشد على الإسلام وعلى الأمة من خطر الإساءة من مرتد في بلاد الكفر، وأن التضييق على من في الداخل حاسم لمادة الإساءة مُشَرِّدٌ لمن خلف المسيء، وأن متابعة المسيء المرتد في بلاد الكفر تزيده حظوة عند من يتقرب إليهم بذلك ولا يرجى منها نفع للإسلام ولا للأمة.
محمد ولد بتار