انتقل إلى جوار ربه الأعلى صبيحة يوم الإثنين 30 يناير المغفور له بإذن الله تعالى أصنيب ولد عبد الله. ربطتني علاقة صداقة مع الفقيد منذ أيام الدراسة في الثانوية وتعززت ونمت إلى علاقة أخوة بعد نجاحنا في شهادة الثانوية العامة وتوجيهنا إثرها إلى نفس البلد في الخارج. كان الفقيد رحمه الله نموذجا في الاستقامة والولاء والمثابرة. وأشهد أنه ضحى خلال المرحلة الجامعية – إلى حد حرمان نفسه من عدد من الوجبات الضرورية- في زمن لم يكن يملك الكثير لفائدة أسرته وعلى رأسها والدته، رحمها الله تعالي.
تجاوز بعزيمة لا تلين جميع الحواجز وتخرج مظفرا من أعرق جامعة ناطقة باللغة الفرنسية في أمريكا الشمالية. عمل بعد تخرجه في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم، على رأس قسم المالية، معيلاً لأسرته ومتفانياً في خدمتها، ثم قرر العودة إلى بلده بالتبني، بعد أن بين لي أنه “دفع فاتورة الوطن” (يقصد الرجوع إلى الوطن وخدمته تعويضاً عن التكاليف التي تحملها البلد من أجل دراساته) وانه يتوق إلى أفق أرحب. باع كل مقتنياته وسلم ثمنها لوالدته لإعانتها ولم يستبق إلا ثمن تذكرته الجوية. وكان أصعب ما ألم به دموع والدته حين فاتحها بقرار السفر إلى الخارج ثانية، كما حكى لي أيضاً.
زاول بعد ذلك دراسات عليا من جديد نجح في ختامها ثم فاز في مسابقة الخبراء المحاسبين رغم صعوبة منالها، هيأته لشغل وظائف هامة في بيوت محاسبية كندية مشهودة قبل أن يؤسس مكتبه الخاص للمحاسبة وينهمر عليه الزبان من كل جهة، وطنيون وأجانب على حد السواء.
أصبح حينها ضيق اليد ذكرى من الماضي وحصل الفقيد على المال الوافر. وكبر الأولاد وأصبحوا بدورهم شباباً يافعين (الإبن الأكبر خريج المدارس المتعددة للتقنيات في مونتريال وباريس ومعهد ماساتشوست للتكنولوجيا في مدينة بوسطن الأمريكية حيث يعمل حالياً.
لم يزد المال والبنون الفقيد إلا تواضعاً وعبادة للخالف وإنفاقاً في سبيل الله. حكت لي أرملته أنه لما إشتد عليه المرض مؤخراً وصار نومه خفيفا طلبت منه العدول عن صلاة الفجر في المسجد حتى يعوض عن ساعات النوم. رفض المرحوم بشدة إلى أن أقعده السقم في آخر حياته.
فاتحني عندما يئس الأطباء من علاجه بقناعته الراسخة أن العمر بيد الله سبحانه وتعالى، وأنه سيتابع العلاج في موريتانيا بالرقي وصالح الأدعية وإذا كانت مشيئة الله في الوفاة فليكن على أن يدفن بجوار والدته.
كان ذلك في أيام هذا الشهر الأوائل وكان له ما أراد إذ وافاه الأجل المحتوم في أرض أجداده ودفن في مقبرة البعلاتية حيث ترقد والدته.
رحم الله الفقيد برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته إنه سميع مجيب وكتب له حسن الخاتمة وحشره مع الاولياء والصالحين من المقبرة المذكورة.
وألهم ذويه الصبر والسلوان.
لله ما أخذ وله ما أبقى. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد ولد حناني