في الظلمة الزرقاء الناصلة، يقف محمد في صف يتلوى داخل باحة مركز الحالة المدنية بعرفات أكبر مقاطعات العاصمة الموريتانية نواكشوط، وأكثرها سكانا، يومان مضيا عليه وهو على هذا الحال، يسراه مأهولة بظرف أزرق، بهت لونه، وفى يمينه أمل بإطلالة من نافذة المركز، أغلب ظنه أنها لن تحقق مبتغاه، هنا أكثر المعاملات تتم عبر النوافذ، أولو الحظوة ومن يحتاج التصوير فقط يدخلون إلى بناية المركز، الزحام يشتد عند نافذة المدير، ونافذة ميزانية الدولة، وبقية النوافذ مهجورة إلى حين، هي أقرب إلى حالة بدواة منها إلى المدنية، سائبات الماعز أوفر حظا وأكثر تمكينا من القادمين إلى مراكزها، يتندر أحد الواقفين وهو يفرك عينيه المسحوبتين من السهر.
أزمة المركز في عرفات ليست إلا مثالا لما عليه حال مراكز العاصمة نواكشوط التسع، فاقمها قرار وزاري يلزم التلاميذ من السنة السادسة الابتدائية، وتلاميذ الإعدادية بحمل بطاقات تعريف للسماح لهم باجتياز المسابقات المدرسية، فبات مصير أكثر من 100 ألف تلميذ مرهونا بأنظمة الحالة المدنية وتقلب قرارات مسيريها.
ينضاف إلى ما سبق اشتراط اللجنة الوطنية للمسابقات وجود مستخرج من شهادة الميلاد في كل الملفات المشاركة في مسابقاتها المقبلة، وزاد الطين بلة إغلاق إدارة الحالة المدنية 84 مركزا في الداخل واستدعاء رؤسائها ومعداتهم، بحجة التكوين وتحسين الخبرات.
في العاصمة نواكشوط التي تحوى قرابة ثلث سكان موريتانيا، تسعة مراكز فقط، تستقبل يوميا آلاف المواطنين، يتجمهرون من الرابعة فجرا في وضعية يصفها المراجعون هنا بالمذلة والسيئة، يحتوي كل مركز على جهازين، واحد للمستخرجات، وآخر للتصوير. يقول إبراهيم وهو بناء يعمل في تشييد إحدى العمارات بالعاصمة، وحاله يصدق ذلك، إنه يضطر منذ أيام للحضور فجرا ليتمكن من الحصول على مستخرج شهادة ميلاد لأولاده حتى يسجلهم في المدرسة، مضى نصف شهر من الدراسة ولما أحصل إلا على مستخرج واحد فقط، يضيف وقد هم بالوقوف، فدوره قد حان عند الساعة الثانية عشر زوالا، يسحب البناء مستخرجه وقد اضطره الزحام إلى الالتصاق بنافذة المركز، شهق مع دفق ابتراد غشيه عند فتح النافذة، هنا تتحامى المراجعين عذابات الانتظار، ولهب الشمس، وغلظة المستقبلين.
لا تنتهي مشاكل مراجعي مراكز الحالة المدنية عند الزحام والبيروقراطية فحسب، بل تتعدى إلى تجهيزات المراكز التي يفترض أنها مجهزة بأفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجالها، لطالما تباهى الرئيس الموريتاني بها، وبالقائمين عليها، ضف إلى ذلك مداخيلها اليومية من بطاقات التعريف وجوازات السفر والإقامات التي تتجاوز مئات الملايين وفقا لبعض المراقبين، وتتهم إدارة الحالة المدنية أيضا باستغلال المهندسين في مشاريع خاصة.
غير أن حال مركز عرفات السابق الذكر ينفي كل حملات التلميع لمراكز الحالة المدنية، قبل أيام اضطر والي نواكشوط الجنوبية إلى تنظيم المواطنين بنفسه عند مدخل المركز، وتوزيع الأرقام عليهم، واستدعى الوالي أفرادا من الحرس الوطني لتنظيم العملية بسبب قوة الإقبال، إذ يقع المركز اليتيم في أكبر مقاطعات العاصمة وأكثرها سكانا، وعليه يتوافد عدد غير يسر من سكان الداخل.
وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات يمضي بعض المراجعين قبل أن يتمكن من إحصاء أبنائه، أو سحب مستخرج لعقد ازدياد، أما من قدم لسحب جوازات السفر، أو تصحيح اسم فذلك عذاب آخر يتجرعه غير يسير من الواقفين هنا، منهم من قدم من الخارج، وفيهم من يدعى أن بيروقراطية الحالة المدنية وقراراتها الارتجالية أفقدته وظيفته، أو ضيعت عليه فرصة عمل كانت لتخرجه من هذا الهوان، وفقا لتعبيره.
نموذج آخر مما آلت إليه أجهزة مراكز الحالية المدنية بنواكشوط، في مركز السبخة حيث دارت عدة معارك بين حركة ” لا تلمس جنسيتي”، والشرطة، والعهدة على زوار المركز الذين استقت “صحراء ميديا” آراءهم، فالأجهزة تتعطل يومين، وتعاود العمل يوما واحدا، رأي آخر يقول إن من يتعطل هم مشغلو الأجهزة، أو من يديرهم، غير معقول وفقا لهؤلاء أن يصير مركز ثاني أكبر مقاطعة العاصمة إلى هذا الحال.
“ليست هذه حالة مدنية” يقول أحد الواقفين وقد بدا عليه الامتعاض، يصف الوضع وهو القادم لتوه من إحدى الدول الأوربية بالقول إن الحالة هنا “عبثية”، ويستحضر وصف باحث اجتماعي نواكشوط بأنه خيام من الإسمنت، “ليس ما نقف فيه إلا طرفا من تلك الخيام” يضيف وقد أخذ مكانه عند العطفة الثانية للصف: “لا أعلم متى سينتهي هذا الذل المدني، ليس لنا إلا أن نتحمله أو نبقى في الغربة بدون هوية، الوطن يذلنا ومع ذلك نشتاق إليه ونحبه”.
ويضيف آخر أن “ما كان يعد إنجازا رئاسيا أضحى عنوانا بارزا للإهانة والاحتقار في يوميات المواطنين”، ويزيد: “لم يعد من ذكر في الصفوف هنا، لمبلغ ألف أوقية المجحف مقابل بطاقة التعريف، ولا حتى أسعار جوازات السفر الأغلى ثمنا في العالم، وللمستخرجات وغيرها، ثمنها أيضا، الجميع يتمنى أن يحصل على أوراق تثبت مواطنته التي تبقى ناقصة حتى يرضى عنها أحد مسيري هذه المراكز”، وفق تعبيره.
أزمة المركز في عرفات ليست إلا مثالا لما عليه حال مراكز العاصمة نواكشوط التسع، فاقمها قرار وزاري يلزم التلاميذ من السنة السادسة الابتدائية، وتلاميذ الإعدادية بحمل بطاقات تعريف للسماح لهم باجتياز المسابقات المدرسية، فبات مصير أكثر من 100 ألف تلميذ مرهونا بأنظمة الحالة المدنية وتقلب قرارات مسيريها.
ينضاف إلى ما سبق اشتراط اللجنة الوطنية للمسابقات وجود مستخرج من شهادة الميلاد في كل الملفات المشاركة في مسابقاتها المقبلة، وزاد الطين بلة إغلاق إدارة الحالة المدنية 84 مركزا في الداخل واستدعاء رؤسائها ومعداتهم، بحجة التكوين وتحسين الخبرات.
في العاصمة نواكشوط التي تحوى قرابة ثلث سكان موريتانيا، تسعة مراكز فقط، تستقبل يوميا آلاف المواطنين، يتجمهرون من الرابعة فجرا في وضعية يصفها المراجعون هنا بالمذلة والسيئة، يحتوي كل مركز على جهازين، واحد للمستخرجات، وآخر للتصوير. يقول إبراهيم وهو بناء يعمل في تشييد إحدى العمارات بالعاصمة، وحاله يصدق ذلك، إنه يضطر منذ أيام للحضور فجرا ليتمكن من الحصول على مستخرج شهادة ميلاد لأولاده حتى يسجلهم في المدرسة، مضى نصف شهر من الدراسة ولما أحصل إلا على مستخرج واحد فقط، يضيف وقد هم بالوقوف، فدوره قد حان عند الساعة الثانية عشر زوالا، يسحب البناء مستخرجه وقد اضطره الزحام إلى الالتصاق بنافذة المركز، شهق مع دفق ابتراد غشيه عند فتح النافذة، هنا تتحامى المراجعين عذابات الانتظار، ولهب الشمس، وغلظة المستقبلين.
لا تنتهي مشاكل مراجعي مراكز الحالة المدنية عند الزحام والبيروقراطية فحسب، بل تتعدى إلى تجهيزات المراكز التي يفترض أنها مجهزة بأفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجالها، لطالما تباهى الرئيس الموريتاني بها، وبالقائمين عليها، ضف إلى ذلك مداخيلها اليومية من بطاقات التعريف وجوازات السفر والإقامات التي تتجاوز مئات الملايين وفقا لبعض المراقبين، وتتهم إدارة الحالة المدنية أيضا باستغلال المهندسين في مشاريع خاصة.
غير أن حال مركز عرفات السابق الذكر ينفي كل حملات التلميع لمراكز الحالة المدنية، قبل أيام اضطر والي نواكشوط الجنوبية إلى تنظيم المواطنين بنفسه عند مدخل المركز، وتوزيع الأرقام عليهم، واستدعى الوالي أفرادا من الحرس الوطني لتنظيم العملية بسبب قوة الإقبال، إذ يقع المركز اليتيم في أكبر مقاطعات العاصمة وأكثرها سكانا، وعليه يتوافد عدد غير يسر من سكان الداخل.
وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات يمضي بعض المراجعين قبل أن يتمكن من إحصاء أبنائه، أو سحب مستخرج لعقد ازدياد، أما من قدم لسحب جوازات السفر، أو تصحيح اسم فذلك عذاب آخر يتجرعه غير يسير من الواقفين هنا، منهم من قدم من الخارج، وفيهم من يدعى أن بيروقراطية الحالة المدنية وقراراتها الارتجالية أفقدته وظيفته، أو ضيعت عليه فرصة عمل كانت لتخرجه من هذا الهوان، وفقا لتعبيره.
نموذج آخر مما آلت إليه أجهزة مراكز الحالية المدنية بنواكشوط، في مركز السبخة حيث دارت عدة معارك بين حركة ” لا تلمس جنسيتي”، والشرطة، والعهدة على زوار المركز الذين استقت “صحراء ميديا” آراءهم، فالأجهزة تتعطل يومين، وتعاود العمل يوما واحدا، رأي آخر يقول إن من يتعطل هم مشغلو الأجهزة، أو من يديرهم، غير معقول وفقا لهؤلاء أن يصير مركز ثاني أكبر مقاطعة العاصمة إلى هذا الحال.
“ليست هذه حالة مدنية” يقول أحد الواقفين وقد بدا عليه الامتعاض، يصف الوضع وهو القادم لتوه من إحدى الدول الأوربية بالقول إن الحالة هنا “عبثية”، ويستحضر وصف باحث اجتماعي نواكشوط بأنه خيام من الإسمنت، “ليس ما نقف فيه إلا طرفا من تلك الخيام” يضيف وقد أخذ مكانه عند العطفة الثانية للصف: “لا أعلم متى سينتهي هذا الذل المدني، ليس لنا إلا أن نتحمله أو نبقى في الغربة بدون هوية، الوطن يذلنا ومع ذلك نشتاق إليه ونحبه”.
ويضيف آخر أن “ما كان يعد إنجازا رئاسيا أضحى عنوانا بارزا للإهانة والاحتقار في يوميات المواطنين”، ويزيد: “لم يعد من ذكر في الصفوف هنا، لمبلغ ألف أوقية المجحف مقابل بطاقة التعريف، ولا حتى أسعار جوازات السفر الأغلى ثمنا في العالم، وللمستخرجات وغيرها، ثمنها أيضا، الجميع يتمنى أن يحصل على أوراق تثبت مواطنته التي تبقى ناقصة حتى يرضى عنها أحد مسيري هذه المراكز”، وفق تعبيره.