وقد حاولت في هذا النقاش أن أَضَعَ آَصَارَ اللبس و الغموض و “التهويل” و “التهوين” عن أذهان و كواهل العديد من مُنْتِجِي و مُسْتَهْلِكِي “الرأي العام” حِيًالَ المكانة التي ينبغي أن يضطلع بها المجتمع المدني في الحوار المنتظر، الذي تأخر كثيرا و تمددت “فصوله التحضيرية” (التمهيدية) و كلما رأيناه قريبا تراءى بعيدا، مُبينا أن للمجتمع المدني أدوارا عديدة مفيدة تختلف تَبَعًا لماهية الحوار أذكر منها مثلا لا حصرا الأدوار الثلاثة التالية:-
أولا- دور “خَزًانِ الأفكار”: بما أنه من المجمع عليه أن الحوار هو مخ الديمقراطية وأنه رَغِيبَةٌ و فضيلة يجب أن تكون “وِرْدًا ثابتا” في الحياة السياسية و الاجتماعية فإن المجتمع المدني بجميع أطيافه و خصوصا منه “نخب الدرجة الأولي فكريا” مطالب في المراحل التمهيدية للحوار بالاضطلاع بدور خزان الأفكار الذي “يُمَوِنُ” الرأي العام دوريا بأوراق علمية عالية المستوي سبيلا إلى محاصرة “غلاة الإسفاف و الإرجاف” عبر ترفيع مستوي النقاش العام و تذليل العقبات النفسية و النظرية و العملية التي قد تعرقل سير و مسار الحوار.
ثانيا- دور الشريك الفاعل: إذا ما تم تجاوز “الفصول التمهيدية الطويلة و الشائكة” للحوار و استقر الخيار على أن يكون الحوار المنتظر حوارا وطنيا جامعا لكافة صَنَعَةُ الرأي الوطني من الساسة ورجال العلم الإسلامي و الشخصيات المرجعية و النقابات، ساعيا إلي مراجعات كبيرة و مُؤَسِسَةٍ للعقد الاجتماعي الوطني ابتغاء التخفيف من مخاطر انهيار الدولة و تفكك المجتمع فإن المجتمع المدني يضطلع بدور الشريك الفاعل و الطرف النشط في “الحوار المنتظر” و الذي يُعَوًلُ عليه في اقتراح و مناصرة إصلاحاتٍ مجتمعية عميقة “منزوعة الدسم السياسوي”.
ثالثا: دور المسهل الناصح الأمين: أما إذا تحدد الخيار بأن يكون الحوار المنتظر حوارا سياسيا صرفا “يجمع حصريا شركاء الهم السياسي دون غيرهم ابتغاء إدخال تحسينات أو تصحيح اختلالات تتعلق بالعملية السياسية و تهدف غالبا إلي التفاهم علي كل ما من شأنه الاطمئنان علي النظافة و الطهارة الفنية و “المعنوية” للاقتراع الانتخابي”، فإن دور المجتمع المدني هو “دور المسهل الناصح الأمين” خصوصا إذا كان الحوار السياسي “ساخنا” و تنخفض فيه كثيرا مؤشرات الثقة المتبادلة بين الخلطاء إلى “ما دون درجة الصفر” أحيانا.!!
و يحسن في هذه الحالة أن يتم تشكيل فريق قليل العدد من المجتمع المدني( المجتمع غير السياسي، و غير الحكومي، و غير الربحي حسا و لا معنى)- و قليلٌ ما هُو- مجمعٌ إجماعا لا شِيًةَ و لا استثناء فيه علي مصداقيته العلمية و الأخلاقية و قوته فى الحق و حنكته فى الوقاية من الصراعات السياسية ليضطلع بدور المسهل على غرار تجارب عديدة ناجحة عبر العالم آخرها التجربة التونسية التى ضربت مثلا فى تحصين و تطوير و تَبْيِئَةِ النموذج الديمقراطي التونسي.