نظم بيت الشعر الموريتاني ندوة عن إسهام المحظرة في نهضة اللغة العربية وآدابها في الربوع الشنقيطية؛ في محاولة جادة للنهوض بالتراث العربي الأصيل.
وقد أدار الندوة الدكتور محمد الأمين صهيب ؛ مشيدا بمبادرة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي التي أعادت للشعر واللغة العربية مكانتهما في هذه الربوع .
الأستاذ الدكتور محمدو محمدن أمين بدأ عرضه بملاحظات حول المؤسسات المحضرية والدور الحاسم الذي اضطلعت به في مجال التمسك باللغة العربية وحمايتها والدفاع عنها ونشرها داخل المجال الشنقيطي وخارجه؛ مؤكدا أن هذا الجزء من تاريخنا الثقافي لم يحظ لحد الساعة بما يستحقه من دراسة وتمحيص، وهو مادعاه إلى تخصيص حيز من مداخلتهللحديث عن المؤسسة المحضرية من حيث التصنيف والنشأة والتطور والسمات العامة قبل تناول الأدوار التي اضطلعت وتضطلع بها وفي مقدمتها نشر اللغة العربية والدين الإسلامي والدفاع عنهما.
وفي هذا الصدد أضاف: أن مؤسسة المحضرة من خلال نشرها للغة العربية والدين الإسلامي في هذه الأصقاع قد أسهمت إسهاما كبيرا في صيانة التراث الثقافي والحضاري العربي والإسلامي للأمة، وخلدت اسم هذه البلاد بأعلام كان لهم حضور متميز على مستوى الوطن العربي والعالم الإسلامي، ومكنت بالاعتماد على إمكانيات محدودة من الصمود في وجه التغريب والمسخ الثقافي، وساعدت على التشبث بخصوصيات الأمة.
وختم بأن المحاضر؛ تتمتع بمصداقية كبيرة لدى جميع الأوساط الموريتانية مما يجعلها اليوم من أهم الأطر المؤسسية القادرة على بث المعارف كما كانت بالأمس.
من جانبه قدم الأستاذ الدكتور محمد محمود صدفه عرضا أكد فيه أن للشناقطة الحق في أن يفتخروا بالمحضرة؛ تلك الجامعة المتنقلة التي ازدهرت في أحضانها العلوم العربية الإسلامية، واستطاعت أن تمد إشعاع حضارة الإسلام إلى أدغال القارة الإفريقية بالتي هي أحسن، وكما يقول العالم الكبير المختار بن بونه:
ونحن ركب من الأشراف منتظم أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
ننمى لحمير والأقوام شـــــــــاهدة أسلافنا غرر من آل قحــــــطانا
قد اتخذنا ظهور العيس مـــــدرسة بــــها نبين دين الله تبيــــــــــانا
وأشار إلى أن المحظرة مكنت إنسان هذا الركن القصي من مقاومة الحملات التغريبية التي مارسها الاستعمار بعدما تغلب عسكريا، فكانت القيم والثقافة سدا قويا عجز الاستعماريون باعترافاتهم عن اختراقه.
ثم تناول الموضوع بمقاربة تنطلق من مدخلين:
أولهما: شروح الشناقطة على الشعر، فقد كانت دواوين الشعر وشروحها من المقررات الثابتة في كثير من المحاضر الشنقيطية، وكانت على رأس قائمة الدروس في بعضها. ولم يكتف شيوخ المحاظر بشروح الشعر الوافدة؛ بل بادروا إلى وضع شروحهم الخاصة بهم في حركة شرح نشيطة، تتطلبالتمكن في اللغة والثقافة الشعرية؛ ما أرادوا أن تكون تلك الشروح برهانا عليه.
ثانيهما: تأثير المحضرة وإشعاعها خارج البلاد، بفضل نشاط “سفراء المحضرة” في الحجاز ومصر على وجه الخصوص. وما دام الأمر هنا متعلقا باللغة والشعر فلا بد من الانحناء أمام قامتين شاهرتين، أمام ابن التلاميذوابن الأمين:
فابن التلاميذ محمد محمود بن أحمد بن محمد التركزي الشنقيطي( -1245 هـ 1322هـ/1829 – 1904م) العالم اللغوي الشاعر الفقيه الذي ذاع صيته في المشرق والمغرب، حتى اختاره السلطان عبد الحميد الثاني للقيام برحلة علمية إلى إسبانيا لشراء المخطوطات العربية، ولما استقر بمصر انتدبه عالمها الجليل محمد عبده للتدريس بالأزهر الشريف، وقد ذكره طه حسين، في كتابه”الأيام” ضمن حديثه عن أساتذة الأزهر، باسم “الشيخ الشنقيطي”.
وكان له الفضل في تأليف كتب كثيرة وشرح أو تصحيح طائفة من أمهات كتب العربية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
*المفصل في النحو لابن يعيش
*الخصائص لابن جني.
*المعلقات السبع مع ذكر رواياتها وأنساب قائليها.
*أساس البلاغة للزمخشري.
*القاموس المحيط للفيروزابادي.
*المخصص لابن سيدة.
*الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني
وأما أحمد بن الأمين الشنقيطي ( 1289هـ ـــ 1331هـ / 1872ـــ 1913م) الذي نشأ وتلقى العلم في رحاب المحاضر، وسافر سنة 1315هـ ـــ 1897م، لأداء فريضة الحج، ثم حداه الطموح والشغب بالعلم إلى الالتقاء بعلماء مكة المكرمة والمدينة المنورة، فأخذ عنهم واستفاد منهم، وأفادهم، ثم شد رحال البحث عن العلم إلى المواطن الإسلامية في بلاد الروس، ثم إلى تركيا فعاين معاهدها العلمية ومكتباتها الزاخرة بنفائس الكتب والمخطوطات، ثم قصد سوريا حيث اجتمع بأفاضلها وعلمائها وأدبائها، ومنها إلى القاهرة التي استقر بها بقية حياته، ونشر منها روائع كتبه، ولقي فيها احتضان أهل العلم والأدب، فألف، وشرح وحقق، ما أثرى المكتبة العربية؛ ومن ذلك على سبيل المثال”
*الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع
*شرح المعلقات العشر وأخبار قائليها.
*الوسيط في تراجم أدباء شنقيط.
*تحقيق ديوان طرفة بن العبد.
*تحقيق أمالي الزجاجي.
تحقيق ديوان الشماخ بن ضرار.
*تحقيق كتاب ليس في كلام العرب لابن خالوية
*تحقيق تحفة المودود في المقصور والممدود، لابن مالك.
وختم الدكتور صدفه بأنه عن طريق شروح المتون الشعرية، وتدريسها، إلى جانب علوم اللغة العربية الأخرى، تمكنت المحظرة من تخريج أجيال من الشعراء والكتاب ذاع صيتهم داخل البلاد وخارجها في الفترة الزمنية التي وصفها مؤرخو الثقافة العربية الإسلامية بعصر الانحطاط، فكانت هذه الربوع استثناء فريدا يتناشد الناس فيها أشعار الجاهليين والإسلاميين ويحاكونها، ويشرحونها؛ مما جعلهم يوصفون ببلاد “المليون شاعر” وجعل الحواضر العربية في المغرب والحجاز ومصر والأستانه تحتفي بهم وتكرم وفادتهم وتحتضنهم، وتختارهم للتدريس والإفتاء وتحقيق مختلف العلوم العربية الإسلامية.
واختتمت الندوة بمداخلات من الحضور تطرقت لبعض الجوانب المضيئة من تاريخ المحظرة، كما شكروا فيها بيت الشعر وأثنوا دور بيت الشعر في إتاحة مثل هذه الفرص والاهتمام بالإبداع والأدب والثقافة.