زينب (طالبة ثانوية، 19 عاماً) أطلقت رفقة صديقاتها قبل أشهر مبادرة خيرية تحت اسم “ضع بصمتك”، في نشاطهم الأول تجولوا في مختلف الأحياء، كانوا يتوقفون عند كل مسجد لتنظيفه وتعطيره، ثم يضعون قناني المياه المعدنية للمصلين.
مع دخول شهر رمضان المبارك بدأ الناشطون في مبادرة “ضع بصمتك” في التحضير لإفطار جماعي في أحد الأحياء الشعبية، ورغم ضعف الوسائل المتاحة قاموا بعد الإفطار بتوزيع ملابس مستعملة وبعض المواد الغذائية على الأسر.
تقول زينب في حديث مع “صحراء ميديا” على هامش أحد الأنشطة: “هدفنا هو مشاركة الفقراء معاناتهم والعمل على تحسين ظروفهم ولو ليوم واحد، وكما تعلمون لا يوجد لدينا من يدعمنا بل إننا نعتمد على جهود ذاتية لشباب يبتغون وجه الله وخدمة وطنهم”.
وحول بداية قصتها مع العمل الاجتماعي الخيري تستعيد زينب ذكرياتها لتقول: “بدأت الفكرة لدي قبل أن أكلم صديقة لي، وعندما اقتنعنا بها روجنا لها عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك لتلاقي قبولاً كبيراً من طرف أصدقائنا، اتصل بنا الكثير منهم لتشجيعنا ودعمنا”.
تقول زينب إن البداية كانت صعبة ومليئة بالعقبات: “في البداية كنا 16 شخصاً فقط أغلبنا غير نشطين، أما اليوم فقد وصل عدد الناشطين لحوالي ستين شخصاً”، أما بالنسبة للدعم المالي فتؤكد زينب: “لدينا اتصالات مع بعض رجال الأعمال لكننا لم نجد عندهم أي دعم حتى الآن، ونتطلع لذلك في المستقبل القريب”.
في المستشفى
كان التأثر بادياً على وجه زينب وهي تتحدث عن أول تجربة عمل تقوم بها رفقة زميلاتها في المستشفى الوطني بنواكشوط، وهي تحاول أن تصف المشاهد التي وقفت عليها للمرة الأولى في حياتها داخل المستشفى.
تقول زينب: “ذهبنا في يومنا الأول إلى المستشفى الوطني، كان هدفنا إطعام المرضى المعوزين، في البداية وجدنا صعوبات كبيرة نتيجة عدم توفرنا على رخصة، ولكننا نجحنا بعد الكثير من المفاوضات في الدخول”؛ تواصل سرد تفاصيل يومها الأول قائلة: “لقد تأثرنا بمشهد المرضى الفقراء المنتشرين في أجنحة المستشفى وممراته”.
في اليوم الأول قامت زينب ورفيقاتها بشراء كميات من الأدوية ووزعنها على المرضى، بعد ذلك قمنَ بتوزيع قناني المياه المعدنية على العمال المتجولين في الشوارع، لقد كانت بداية جيدة جعلتهن يدركن أهمية مساعدة الآخر.
كثيرة هي الجمعيات التي أطلقها شبان وشابات في نواكشوط خلال السنوات الأخيرة، ومن ضمنها “جمعية الخير في سبيل الله” التي يقول أصحابها إنها مبادرة بدأت بفكرة بسيطة وجديدة، حيث قررت مجموعة من الفتيات وضع رقم هاتف عند مجموعة من الصيدليات يتصل به من منعه العوز من إيجاد مبلغ كاف لشراء وصفته الطبية.
يقول القائمون على الجمعية إن الفكرة على بساطتها نجحت، إذ تمكنوا من تلقي الكثير من الاتصالات قاموا بعدها بتوفير مبالغ مكنت عدداً من المرضى من الحصول على الأدوية التي يحتاجونها.
توسع نشاط الجمعية بعد ذلك، وبدأت في شراء بعض المواد الغذائية وتوزيعها في أحياء العاصمة الأكثر فقراً، كما نظمت عمليات سقاية في الأحياء التي لا يتوفر فيها الماء الصالح للشرب.
تقول مريم (طالبة جامعية، 25 عاماً): “نجد الكثير من الصعوبات، وكافة المبالغ جمعناها بجهود ذاتية وبالكاد تغطي حاجياتنا؛ المهم أننا نعمل لوجه الله لا نبتغي جزاء ولا شكورا”.
ترى مريم أن العمل الخيري في موريتانيا لا يزال في بداياته بالمقارنة مع كثير من الدول الأخرى، لأنه يرتبط أساسا بشهر رمضان بينما يكاد ينعدم في بقية الأشهر.
ولكن خلال السنوات الأخيرة بدأت بعض الأفكار الاجتماعية والخيرية الجديدة تطبق في موريتانيا بعد أن نجحت في بلدان أخرى، كفكرة “بنك الطعام” وهي حفظ المتبقي من الطعام وتغليفه لتقديمه إلى أسرة فقيرة بدل رميه كما كان يجري في بعض أحياء العاصمة.
ويتطلع الكثير من الشباب المهتمين بالعمل الاجتماعي والخيري إلى أن يجدوا الدعم مستقبلا لتوسيع نشاطهم والتحول إلى جمعية خيرية لديها مقر لكي يتم تنظيم عملهم وضمان استمراريته بدل أن يبقى موسمياً.
ومع أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في إقبال الشباب على مثل هذا النوع من الأعمال، إلا أن التجارب الشخصية دوماً هي التي تقنع هؤلاء الشباب بالانخراط في مساعدة الآخرين، خاصة بعد صدمة فقدان صديق أودى به حادث سير أو مرض عضال، لتبدأ رحلة العمل الخيري كصدقة عن روح الفقيد وسرعان ما تتحول إلى عادة يومية.