نواكشوط – “صحراء ميديا”
أثار الخبر الذي نشرته”ًصحراء ميديا” عن قيام مجموعة من نواب الأغلبية بوساطة برلمانية لحل أزمة رجال الأعمال المعتقلين، اهتمام الرأي العام، ذلك أن هذه هي المرة الأولى في العهد الجديد التي يقوم فيها فريق برلماني بمحاولة لحل مشكلة داخلية.
وحسب معلومات “صحراء ميديا” فإن 17 برلمانيا (شيوخ ونواب) من الأغلبية اتخذوا مبادرة للتوسط لحل أزمة رجال الأعمال الثلاثة المعتقلين وهم: “محمد ولد أنويكظ، وأشريف ولد عبد الله، وعبدو محم”.
وبدأ الفريق النيابي مهمته بلقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز ودعا خلال اللقاء إلى ضرورة إيجاد تسوية للملف بطريقة توافقية من شأنها تحييد الآثار السلبية لهذا الملف.
وقالت المصادر إن الرئيس ولد عبد العزيز أبدى تجاوبا مع الوساطة وتمسك بنقطة واحدة وهي أن الأموال التي استولى عليها رجال الأعمال أموال للدولة ولا بد من استعادتها منهم، وهو ما فهم منه أن شكل التسديد والفوائد يبقى موضوعا للنقاش.
وأكدت المصادر أن النواب سيقومون بلقاء الأطراف الأخرى في القضية وخاصة رجال الأعمال الثلاثة المعتقلين.
وكان رجال الأعمال قد أبدوا استعدادهم لإرجاع المبالغ شريطة أن لا تضاف عليها فوائد كتلك التي تضاف على المديونية عادة، كما طالبوا بمراعاة ظروفهم وتسديد المبالغ على دفعتين، إحداهما استعجالية (50% من المبلغ الأصلي)، والثانية تتم جدولة تسديدها حسب خطة يتفق عليها مع البنك المركزي.وكانت أزمة رجال الأعمال المعتقلين قد أحدثت جدلا واسعا بين النظام والمعارضة، حيث اتهم ولد عبد العزيز المعارضة بالوقوف في وجه محاربة الفساد، واتهمت المعارضة عزيز باستخدام محاربة الفساد لتصفية الخصوم السياسيين والانتخابيين.
ولوحظ بشكل خاص محاولة المعارضة الموريتانية تحويل هذا الملف إلى “ملف قبلي” تحديدا، وذلك ربما في مسعى من المعارضة لاستغلال منافذ جديدة ضد النظام الذي استولى على شعاراتها السابقة، ولم تتح لها الفرصة، ربما بعد، لإنتاج البدائل.
وأعلن الرئيس ولد عبد العزيز بالتزامن مع إحالة المعتقلين إلى السجن المدني بنواكشوط وتوجيه النيابة العامة تهمة الاختلاس والتزوير والاستيلاء على أموال عمومية لهم، أن هناك 14 مليار أوقية استولى عليها هؤلاء دون وجه حق ولا بد أن تسترجع تلك الأموال.
وعنى هذا التصريح من رئيس الجمهورية أن الملف وصل إلى طريق مسدود، خاصة بعد فشل المفاوضات بين البنك المركزي ورجال الأعمال، وكذلك ما تردد أنها وساطات إقليمية لحل الأزمة من طرف قطر والسعودية والمغرب والسنغال ومالي.
غير أن تحول وجهة الملف إلى وجهة سياسية واجتماعية بعد دخول قوى للمعارضة على الخط، واتهامها لولد عبد العزيز بممارسة التصفية القبلية ضد مجموعة معينة، أعطى مزيدا من “الشرارات” لهذا الهشيم الذي يتخوف بعض المراقبين من أن يخرج عن السيطرة أو يؤدي لهزات يبقى البلد في غنى عنها في الوقت الراهن.
فقد كان الملف موضع نقاش الأسبوع الماضي بين الرئيس ولد عبد العزيز وبين رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير ورئيس حزب “تواصل” محمد جميل منصور، وربما وجوه سياسية أخرى.
وخرجت تصريحات هؤلاء المسؤولين السياسيين بضرورة معالجة الملف بهدوء حتى لا يحتسب ضمن مسارات أخرى جديدة على نمط تعامل أنظمة البلاد مع الملف الاجتماعي المعقد.كما كان الملف المادة الرئيسية التي تغذت عليها المؤتمرات والبيانات الصحفية للمعارضة ولهيئة الدفاع عن المعتقلين وذويهم، الأمر الذي دفع برئيس الجمهورية للخروج إلى العلن مرتين في ظرف أقل من 24 ساعة، أكد فيها أن حربه على الفساد لا تستهدف أي جهة ولا أي قبيلة، وإنما تستهدف المفسدين الذين طالبهم بالتوبة مؤكدا إصراره على المضي قدما في سياسة مكافحة الفساد.
ورأى المراقبون في حضور شخصيات من قبيلة رجال الأعمال المعتقلين للمؤتمر الصحفي الذي جرى في “الهواء الطلق” بمستشفى الشيخ زايد، وكذلك للمسيرة التي نظمها الحزب الحاكم، رسالة من رئيس الجمهورية للمعارضة بأنه يبقى فوق الجانب القبلي لهذا الملف.واليوم، وبعد وساطات أو “نصائح” قادة أحزاب معارضة، جاءت الأغلبية النيابية لتلقي بثقلها في هذا الملف الذي يبدو أنه يتغذى على كل شيء، وأنه شكل مادة “دسمة” للأخذ والرد، وبكل تأكيد أعاد البلد ونخبته السياسية لأجواء المواجهة من جديد في وقت لم تندمل فيه بعد جراحات “الانقلاب والانتخاب”.فهل ينجح النواب الذين تقدموا “ثورة النواب” أو “كتيبة النواب” سنة 2008 في الإطاحة بهذا الملف من أجندة اللعبة السياسية.أحد هؤلاء النواب أبدى تفاؤله الحذر بنجاح الوساطة، مذكرا في نفس الوقت بتعقيدات الملف و”أبعاده الجديدة التي لم تكن في الحسبان”.وسيحاول النواب صياغة حل توافقي بعد لقائهم برجال الأعمال المعتقلين، وكذلك مسؤولي البنك المركزي، وربما جهات أخرى نافذة من قبل اتحاد أرباب العمل الموريتانيين وكبار رجال أعمال البلد الذين لا شك أن الأزمة تأخذ الكثير من اهتمامهم باعتبارها تشكل نمطا جديدا للتعاطي مع رأس المال الخاص.
وترجح المصادر أن لا تؤتي هذه الوساطة أكلها قبل عودة الرئيس من مشاركته في القمة العالمية للمناخ في كوبنهاغن.
إلا أن نجاح أو فشل نواب الأغلبية في أول مبادرة لهم ستكون بلا شك محل قراءة متأنية من طرف مختلف أطراف اللعبة السياسية الداخلية في تعاطيها مع الأزمات خلال الفترة القادمة.وللتذكير فقد بدأت أولى ملامح هذا الملف يوم 11/يوليو 2009، من المهرجان الانتخابي لولد عبد العزيز بمقاطعة عرفات، حيث هاجم ولد عبد العزيز الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع قائلا إنه ترك وراءه أقلية من مقربيه تنفرد بالسلطة وتسيطر على خيرات البلاد.وكشف ولد عبد العزيز لأول مرة عما سماه بوثائق تثبت إجراء تحويلات مالية ضخمة من البنك المركزي لصالح شركات يملكها رجال أعمال معينون.
وفي يوم: 11/11/2009: تم اعتقال محافظ البنك المركزي السابق سيدي المختار ولد الناجي، الذي تم تحويل المبالغ، موضوع الملف، خلال فترة توليه إدارة البنك المركزي. وفي يوم: 16/11/2009: تم اعتقال المحافظ السابق المساعد للبنك المركزي محمد ولد عمار.
وفي نفس اليوم استدعت شرطة مكافحة الجرائم 6 رجال أعمالهم هم: أشريف ولد عبد الله، وعبدو محمد، ومحمد ولد أنويكظ، ومحمد ولد بوعاماتو، وأحمد سالم ولد بون مختار، وإسلمو ولد تاج الدين.
وقد أخلي سبيلهم جميعا بعد استجوابهم لعدة ساعات.وفي يوم 17/11/2009: استجوبت النيابة العامة كل من: أشريف ولد عبد الله، وعبدو محمد، ومحمد ولد أنويكظ، وأحمد سالم ولد بونه مختار، وإسلمو ولد تاج الدين.وقد توجه رجال الأعمال بعد هذا الاستجواب إلى البنك المركزي حيث أجروا مفاوضات لحل الأزمة.
وفي يوم: 3/12/2009: استجوبت النيابة العامة للمرة الثانية كل من: محمد ولد أنويكظ، وأشريف ولد عبد الله، وعبدو محم، قبل أن تحيلهم للحجز التحفظي لدى شرطة الجرائم المالية والاقتصادية.وفي يوم 9/12/2009: أحالي قاضي التحقيق بمحكمة نواكشوط رجال الأعمال الثلاثة إلى السجن المدني بنواكشوط، بعد ما وجه لهم تهمة الاستيلاء على أموال عمومية وتزوير المستندات.