أخي لا تمل بوجهك عني ولا تحمل سلاحك في وجهي دع عنك دعوى الجاهلية فإنها منتنة، إن كانت ألواننا ولغاتنا مختلفة فإن الدين يجمعنا وكفانا ذلك ، فربنا واحد وهو القائل جل وعلا : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
غريبة هي تلك الأحداث التي أوقدت جذوتها مجموعات دأبت على نفث سمومها في جسم هذه الأمة المسكينة ، شرذمة دأبت على الفرقة وتشتيت عرى وشائج ذي القربى وحق الجار ، وإذكاء النعرات العنصرية .
متى كان العرق أو اللون أو اللغة معيار الأفضلية أو دليل التقدم والازدهار ، هل يظن أولئك أن موريتانيا إذا ما لم تتصالح مع ذاتها أو قل ذواتها المتعددة ستهنأ بأمن واستقرار يجعلان من الممكن فرض التعريب أو حتى بقاء الفرنسية لغة سائدة في التعليم والإدارة؟
جريمة نكراء تلك التي يريد لنا أولئك أن نكون شركاء فيها ، عندما يحرضوا الأخوة حتى يرفع أبيضهم السلاح الأبيض في وجه أخيه الأسود ، لا لشيء إلا لأن بعض الأطراف السياسية تبحث عن مكاسب من وراء تحريك هذا الملف النتن ذا الرائحة العبرية والشكل العنصري المقيتين.
رغم أنني لا أتفق مع من يرون ضرورة فرض لغة بالقوة على أناس لا يرغبون فيها ، فإني كذلك لا أرى مبررا لهذه الحساسية المفرطة من لغة القرآن وتفضيل لغة المستعمر عليها ، ذلك أن من حق أخوتنا الزنوج اختيار اللغة التي يرون أنها تحقق ذواتهم وتكفل لهم التفاعل والتفاهم مع الآخر سواء كان ذلك الآخر عربيا أو عجميا ، لكن عليهم في نفس الوقت أن لا تكون لغة المستعمر البديل عن لغة القرآن ، والا يتناسوا أنهم مسلمون، وإنما يجب أن تكون إحدى اللغات الوطنية الثلاث الولفية أو البلارية أو السونونكية هي البديل عن العربية.
ولعل العائق دون ذلك عدم تدريس هذه اللغات ونشرها لتكون عامل وحدة وتضامن بين مختلف مكونات الشعب الموريتاني ، فلا يعقل أن تكون أمة تتكلم لغات مختلفة ويتم إقصاء بعض تلك اللغات من المقررات التعليمية ، ما الضير أن تكون “الولفية” و”البولارية” و”السوننكية” لغات تدرس في الابتدائية والإعدادية والثانوية جنبا إلى جنب مع العربية والفرنسية ، أمر جميل وعامل ثراء حضاري مهم أن يكون أبناء الزنوج يرون لغاتهم تدرس جنبا إلى جنب مع بقية اللغات ، والأهم من ذلك ألا يحتاج الأخوة إلى لغة أجنبية تكون هي وسيلة التفاهم بينهم .
كم هو مخز ومذل لي وعار علي ألا أجد سوى الفرنسية لغة كي أتفاهم بها مع أحد أخوتي الزنوج ، فأنا لم أدرس لغتهم ، وهم أعلم بلغة المستعمر منهم بلغتي ، والسبب في ذلك طبعا خارج عن إرادتي وإرادتهم ، فنحن في أنظمتنا التربوية لا نضع مكانة للآخر حتى ولو كان من أبناء جلدتنا ، فالمقررات مليئة باللغات الغربية لكنها لا تحتوي إطلاقا على أي لغة زنجية من التعليم الابتدائي وحتى الجامعي ، وهذا ظلم ما بعده من ظلم.
رب ضارة نافعة ، أرجو أن تكون الأحداث الأخيرة عاملا مهما في رص صفوف الأمة الموريتانية بكافة أعراقها ولغاتها ، وأن تتم دراسة هذه الظاهرة التي أدت إلى أن يتشاجر الإخوة من أجل لغة بعيدة كل البعد عن معتقداتهم ولغاتهم وأن يفضلها بعضهم على لغته التي ينتمي لها معتقدا ودينا ، وأن تستخلص العبر ويسد الخلل حتى لا نرى في المستقبل أخا أسود يرفع السلاح الأبيض في وجه أخيه الأبيض.