و لست أراني جديرا بالكلام عن عالم وحبر من علماء المسلمين المحترمين، و لا التطاول على هامته الشامخة، إذ ما كان لقزم مثلي أن يطاول السماء.
و لكنني وددت و من خلال باب الحرية الواسع، تلك الحرية التي هي هبة ربانية من الخالق لمخلوقاته دون تمييز، و من باب الإحساس بالمساوات التي هي قيمة من أجل القيم التي دعا إليها الإسلام، و التي سمحت للضعفاء و المضطهدين أن يلجوا عالم الإنسانية و الحرية بعد ما عانوا من جاهلية و تجاهل إنسانيين، وددت الإشارة إلى حدث بسيط، عميق من حيث الجوهر و التأثير.
فقد كنت أستمع إلى الإذاعة و هي تبث محاضرة القرضاوي أمام جمع من العلماء في مركز تكوين العلماء، و إذا بي أمام عبارة غريبة لم أستطع معها صبرا، و لم أستطع لها كتمانا، حيث كان الفقيه يبين دور العلم و قيمة أهله و أشار في حديثه إلى قضية معروفة و هي أن من علمك حرفا فهو مولاك، أو أنت له عبدا، و لكنه أضاف بنبرة خاصة و بلهجته العامية {ما أعليش عندكم كفاية…} وسط ضحكات البعض و ابتسامات الآخرين! ! !
والحقيقة أنني لست من أولائك الذين يحسبون كل صيحة عليهم، و لكنني و احتراما لشعور غالبية الموريتانيين أحسست بألم كبير يعتصرني من الداخل،و بمرارة قوية. إذ كيف تكون كرامة و حرية الآخرين مجالا للغمز و الإستهزاء و من طرف من ؟ الأمين العام للمؤتمر العالمي لعلماء المسلمين!
كنت قد قرأت في بعض المواقع عن رسالة موجهة من بعض المدافعين عن حقوق الإنسان إلى فضيلة الفقيه القرضاوي، و لم يكن يهمني كثيرا أن يرد عليها أو لا يرد، و لكنني اعتبرتها رسالة مشروعة من مواطن مسلم إلى علامة جليل.
و الواقع أن هذه الرسالة و رسائل أخرى واقعية و ميدانية مختلفة كان بإمكانها أن تساعد فضيلة الفقيه في فهم دقيق لبعض الحساسيات و العبارات التي قد لا تكون مطروحة بشكل كبير في أماكن أخرى من العالم اليوم.
لقد كان فرح الموريتانيين شديدا بمقدم الفقيه الفاضل، و لم يكن كل ذلك إلا حبا للإسلام و تعظيما لفقهائه خاصة الذين يتجنبون المزالق العرقية و السياسية، و شغف الموريتانيين بالحرية و المساوات قد يكون أقوى من شغف سكان فلسطين إليها. فهلا بدأنا بتحرير أنفسنا و الدعوة إلى ذلك قبل التحرير الأكبر؟!
صحيح أن سماحة العلماء و أنفتاحهم يدفعهم إلى بعض المزاح الذي لا ضرر فيه من أجل الترويح عن بعضهم البعض و عن طلابهم، و لكن المزحة قد تخرج من إطارها البريئ الواضح إلى عكس ذلك تماما، خاصة إذا كانت مضحكة للبعض مبكية للآخرين.
و لابأس إذا كانت المزحة تلميحا و إشارة إلى أشياء ينبغي تصحيحها و تغييرها حتى و إن كان ذلك من باب إلتماس أحسن المخارج.
هكذا إذا يعود القرضاوي إلى الدوحة و أملنا كبير في أن يزور موريتانيا مرات و مرات و بدعوة من الدولة الموريتانية على أن تخصص المحاضرات لبعض الأمور التي تشغل إهتمامات المسلمين المحلية، و مشاغلهم الوطنية.
و لا شك أن كرامة و حقوق الإنسان في الإسلام و دور العلماء في الدعوة إلى ذلك و تجسيده على أرض الواقع تبقى من بين أهم الإشكاليات المطروحة في عالمنا اليوم الذي لا يزال يعيش بعضا من أقسى أنواع مخلفات الجاهلية الأولى.