منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا واسبانيا في ستينيات القرن المنصرم ظلت العلاقة بين البلدين علي الصعيد الاقتصادي وتبادل الخبرات تتسم بالكثير من الفتور والارتجال ان لم نقل استفادة طرف واحد علي حساب الاخر.
بمعني ان اسبانيا التي كانت من أوائل الدول الأوربية دخولا في سوق الصيد الموريتاني وأكثرها استثمارا في هذا المجال ظلت تبرم اتفاقات خاصة تحرص خلالها علي ان تكون الاستفادة الموريتانية اقل قدر ممكن وهو امر يسهم في تمريره ضعف قدرات الجانب الموريتاني وافتقاره الي كوادر فنية ودبلوماسية تجيد المناورة في عقد الصفقات وتغليب المصلحة العليا علي المصالح الفردية.
ولعله من الغريب لذي يدعو للسخرية ان سفارات موريتانيا المتعاقبة علي مدريد ظلت دوما هي الغائب الأكبر في مسيرة العلاقات المورتانية مع المملكة الاسبانية فالسفارة التي افتتحت اصلا لهذا الغرض تبدو دوما وكانها تغرد خارج السرب بفعل ضعف مستويات العمال وجهلهم التام بما يدور في اسبانيا.
اضافة الي تركيز بعض السفراء علي جلب منافعهم الشخصية بعيدا عن البحث عن موطئ قدم لمورتانيا في الساحة الاسبانية. ولعل المفارقة ان الحكومة المورتانية لتي تنفق الملايين علي سفارتها في مدريد تدرك حقيقة رمزية هذه السفارة وضعف كادرها البشري ولا ادل علي ذلك من كون اغلب الاتفاقيات والمبادرات تدار بين المملكة الاسبانية والحكومة الموريتانية بشكل مباشر، اما السفراء الموريتانيون المتعاقبين في مدريد فظلوا دوما اخر من يعلم، وهو ما يفسره قيام الدبلوماسية الموريتانية بارسال سفراء الي مدريد يفتقدون لأئبسط مقومات التواصل مع البلد المضيف، وهي معرفة اللغة الاسبانية تكريسا لسياسة مقعد السفير الشاغر ولتي كانت السبب الاول في اساءة استعمال بوصلة العلاقات الموريتانية الاسبانية.
فاسبانيا ككل بلدان العالم لديها مفاتيح واسرار لايمكن الوصول اليها وتحقيق المنفعة منها دون معرفة ثابتة ودراسة عارفة بالوضع السياسي والاقتصادي وصراع اليمين واليسار في هذا لبلد، وهو ما يعني ضرورة اختيار سفراء ومستشارين فاعلين باستطاعتهم تمييز الغث من السمين بين تشابكات العلاقة الموريتانية الاسبانية وتوجيهها نحو مصلحة الوطن قبل اي اعتبار اخر.
مصلحة يبدو ان رياح الدبلوماسية الموريتانية العاصفة لم تعرها حتي الان كثير اهتمام وذلك بتركها مقعد السفير الموريتاني مبنيا دوما للمجهول وخاضعا لرغبات السياسة الداخلية والتجاذبات الحزبية والقبلية وهو ما حول موريتانيا طيلة العقود الماضية وحتي للحظة الي بلد عاجز عن استثمار نطاقه الجغرافي والاقتصادي مع اسبانيا لخلق مصلحة متكافئة لا يمكن تحقيقها دون اضاءات وارشادات سفارة لا تزال غارقة في هوة سحيقة من الجهل التام بما يدور في كواليس سياسة مدريد اتجاه المنطقة.
وبسبب هذا الجهل ظلت موريتانيا، لتي تملك العديد من أوراق الضغط لتي يمكن استخدامها في المناورة مع المملكة الاسبانية، هي لتي تعطي دوما اكثر مما تاخذ وهو ما يستدعي وبشكل عاجل ضرورة بناء منطق براكماتي تكون أولى لبناته اختيار السفير المناسب للدولة المناسبة.
وبهذا فقط يمكننا اختيار اللحظة المناسبة في السياسة والاقتصاد لقلب المعادلة.. بعني ان نجعل اسبانيا تعطي اكثر من ما تااخذ، او علي الاقل خلق نوع من التوازن والتعادل في المصالح، وذلك اضعف ايمان ينبغي ان نسعي للوصول اليه.