أستغرب من النائب الذي يرشح نفسه لموقع لا يعرف مسؤولياته فيه، وأستغرب أكثر منا نحن الناخبون إذ نمنح ثقتنا لنواب لا يعرفون مسؤولياتهم ولا مهامهم، فكيف لعاقل أن ينتظر من مثل هؤلاء النواب أن يقدموا شيئا له وللبلاد؟
إن معرفة نوع الإنجاز يعتمد على معرفة مهام الموقع الذي يتصدى له المرء.
ولما كانت مهمة النائب البرلمانى الأولى هي تشريع النصوص القانونية وليس تنفيذها، فكان لزاما عليه تشريع القوانين على أساس دستور البلد، مما يعني أن مهمته -من جهة أخرى- هي حماية الدستور وتفعيل نصوصه، فكما نعرف فإن النص كائن ميت إذا لم يتحول إلى قانون تحت قبة البرلمان ليتحول مباشرة بعد المصادقة عليه إلى مشروع على الأرض بعد تنفيذ السلطة القائمة له.
وهو الأمر الذى لا يستوعبه بعض من برلمانيينا الذين يصوت بعضهم على القانون دون أن ينظر في خطورة فحواه، أومخلفات تطبيقاته، أو حتى لم يتفحص مسودته المقدمة من لدن الحكومة، فنجد بعضهم يعبر عن صوته داخل قبة البرلمان وهو نائم..
أما المهمة الثانية للنائب تحت قبة البرلمان هي الرقابة، وتحديدا رقابة السلطة التنفيذية، فليس من العيب أن يثنى نائبا محسوبا على المعارضة علي الحكومة إذا استطاعت أن تنفذ القوانين بشكل سليم، وليس من باب المزايدات إذا حاسب البرلماني الحكومة ذاتها إذا فشلت أو قصرت في أداء مهامها الموكلة إليها على أحسن وجه.
إنما يقع اليوم في جمعيتنا الوطنية يتضمن الكثير من خلط الأوراق، وعدم فهم الأمور على طبيعتها.
إن مهمة الرقابة على أعمال الحكومة تحتاج إلى حزمة من الصفات لابد للنائب أن يتحلى بها كي يستطيع التأهل لأدائها، وتقف على رأسها صفة الشجاعة، فلا ينبغي للنائب أن يجبن أمام رئيس كتلته البرلمانية، أو يضعف في وجه حزبه، أو يتردد أمام وسائل الإعلام في جلسة علنية، بل يجب أن يتميز بالشجاعة التي تؤهله لأن يصدع بالحق ويواجه الباطل كلما استدعت المصلحة العليا ذلك.
ومن أجل قادرته على ممارسة هذا الدور، فإن على النائب أن يكون حاضرا في مواقع التنفيذ يراقب ويتابع، ثم يستفسر ويسائل ويحاسب كلما شعر بتقصير في موقع من المواقع.
كما أن هذه المهمة تستدعي من النائب أن يكون نظيفا مستقيما ليتمكن من المراقبة والمحاسبة، وإلا فإن المتورط بفساد، مهما كان صغيرا أوحقيرا، لا يمكنه أن يمارس مثل هذا الدور أبدا، باعتبار “فاقد الشئ لا يعطيه”، فالنائب الفاسد بحاجة إلى من يراقبه ويحاسبه فكيف يقدر على مراقبة ومحاسبة غيره؟.
ونلحظ أن بعض نوابنا لهم ماض بل وحاضر سيئ، وهو ما انعكس على أدائهم البرلمانى.
فمثلا كيف لبرلماني أن يراقب الحكومة ويمنعها من الفساد، وهو مع ذلك يقع –هو نفسه فيما نهى عنه وزجر-ألا يعتبر تهافت بعض أعضاء مكتب الجمعية الوطنية إلى “محاولة بيع سيارات الدولة التى كانوا يستغلونها لأنفسهم، قبل تغييرمكتبها بأيام فسادا؟ أليس هذا التصرف غريبا في حد ذاته؟ وكيف يمكن لبرلمانيين يرغبون في التحايل على المال العام أن ينتقدون مثل هكذا تصرفات، يقول الشاعر:
لا تنهى عن خلق وتاتي مثله***عار عليك إذا فعلت عظيم
ويقول المثل:(لعياط إلى ج أمن الكدي لهروب اعلين).
أما المهمة الثالثة للنائب البرلماني، ينبغى أن تتمثل في حسن الإصغاء للمواطنين، والإطلاع عن كثب على مشاكلهم وآمالهم وتطلعاتهم، واضعا نصب عينه الدفاع عنهم، ونقل أفكارهم وتظلماتهم.
ومن أجل أن يتمكن النائب من الوقوف على حال الناس مباشرة، ينبغي عليه أن يكون قريبا منهم، يعيش معهم أفراحهم وأتراحهم، ويتفقد أحوالهم في أوقات فراغه، فبدلا من ذلك أصبح النائب –اليوم- يقطن في أرقى مكان في المدينة ويتنقل عن الحي الفقير الذي انتخب أصلا فيه، ليبتعد عن هموم ساكنته، ومشكلاتهم اليومية.
ما الضير في أن يفتح النائب مكتبه بين الناس وللناس في المدينة، والقرية، في الحي، والريف..فلا يكتفي بمكتبه العاجي في مبنى مجلس النواب، أو في منزله الراقي ذي الحراس الأشداء الغلاظ..
كما على النائب كذلك أن يستفيد من التطور التكنلوجى لقراءة اتجاهات الرأي العام في البلاد، كالاستبيانات واستطلاعات الرأي، فمن اللازم أن يصغ دائما ويستفيد من أصحاب الرأي والفكر والقلم، وإلى الخبرات وأصحاب المهن، كما أن عليه أن يستمع للكبير والصغير، وإلى المرأة والرجل، ومن كل الطبقات، فلا يكتفي بالإصغاء إلى محازبيه، أوكتلته البرلمانية فقط، مثل ماهو واقع الآن.
إن أهمية المشرع ودوره في بناء الوطن هو مادعاني -في هذا المقال-إلى الإسهاب في توضيح مهامه، لما لاحظته من عدم فهم بعض نوابنا الموقرين لدورهم الحقيقي.
فأهمية المشرع، وحساسية مهمته، تقتضي منا –مستقبلا- أن نتحسس من اختياره بكل دقة وموضوعية، فنأخذ بعين الإعتبار قدرته على التفكير السليم ووضوح رؤيته، وبعدها وشموليتها.
باختصار شديد، النائب هو العنصر والدعامة الأساسية في بناء الدولة الموريتانية الحديثة، فإذا صلح المشرع صلحت التشريعات، وبالتالي صلحت البلاد والعباد، والعكس هو الصحيح، فإذا فسد المشرع -لا قدر الله- فسد كل شئ، وإن مثله كمثل نبض الإنسان، يجب أن يكون ثابتا ومستقرا لا يزيد عن الطبيعي ولا ينقص عنه، وكما نعرف، فإن أي اضطراب في نبض الإنسان سيصيبه بالإضطراب وعدم الإستقرار، وربما ينتهي به إلى الموت البطئ أو السريع، لا فرق بينهما.
وخلاصة القول فالحياة السياسية لبلادنا لابد أن تبنى على التعددية واحترام الآخر، وعدم التفرد بالسلطة، فهذه هي القناعة التي ينبغي أن ترسخ لدى الجميع حكاما ومحكومين.
لذلك لا بد أن نحرص –دائما- على أن نجعل الشعب هو مصدر السلطات، وبالتالى فمن الضرورى أن يكون من يمنحهم الشعب ثقته، ويوكل إليهم مهمة تمثيله في مجلس النواب، أو في غيره من المؤسسات الدستورية والعمومية الأخرى يعبرون -فعلا- عن إرادته وآماله وطموحاته، فلا قيمة لوجودهم إذن دون إرادة شعبية تعطي لهذا الوجود الشرعية والقبول.
فعندما نطبق هذه القواعد بشكل مباشر سوف لن تكون هنالك “ديكتاتورية”، ولن يكون هنالك تفرد بالرأي أبدا، بل سيكون أمامنا تداولا سلميا للسلطة، والحكم بالإرادة المشتركة لأبناء الشعب الواحد، وسيعلم المتصدون للشأن العام –عندها- أنهم مجرد موظفون لخدمة الشعب الذي انتخبهم بغض النظر عن مناصبهم الوظيفية، بدءا برئيس الدولة ونزولا إلى أصغر موظف في الهرم الوظيفي للدولة .
كما سيدرك البرلمانيون أن الشعب لا محالة سيحاسبهم على أدائهم ومواقفهم طيلة فترة مأموريتهم.
ولذا على النواب أن يبتعدوا عن التخندق السياسي، والأديولوجي..وأن يضعوا نصب أعينهم تحقيق المصلحة العامة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالحهم الخاصة.
وإلى دورة برلمانية قادمة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب صحفي ـ المدير الناشر لـ”صحيفة الساحة”